Skip to Main Navigation
موضوع رئيسي 09/21/2018

خدمات صرف صحي افضل لتحسين معيشة سكان ريف مصر

© البنك الدولي

مصطفى كاشف


خلف نقص مياه الشرب النظيفة وخدمات الصرف الصحي الملائمة آثاراً سلبية في كثير من ريف مصر، إذ أثَّر على صحة المواطنين والنشاط الاقتصادي.

قال سعيد عبد النبي علي، وهو شيخ عزبة بهي الدين بركات التابعة لإحدى قرى محافظة الدقهلية في مصر والذي يعمل في الزراعة: "اثنان من أحفادي يعانيان مشكلات صحية خطيرة، وكذلك أحد أخوتي. وذلك كله بسبب استخدامهم ماءً مُلوَّثاً." لقد خلَّف نقص مياه الشرب النظيفة وخدمات الصرف الصحي الملائمة آثاراً سلبية في كثير من الريف بمصر، إذ أثَّر في صحة المواطنين وفي النشاط الاقتصادي. ولدى سعيد تجربة شخصية مباشرة بعواقب هذا الوضع. وقال "إن مياه الصرف المُلوِّثة التي تطفح من مجاري المنازل يجري تصريفها في نفس الترع التي نسقي منها المحاصيل التي نأكلها." 

وأظهرت دراسات أن لدى نسبة لا تتعدى 18% من الأسر في الريف بمصر توصيلات بمجاري الصرف العمومية، ولذلك يعاني 50 مليون شخص من آثار طفح مياه الصرف من بيارات الكسح التقليدية أسفل البيوت. ولا يكفل تصميم تلك البيارات التعامل مع مياه الصرف بكفاءة وعلى نحو آمن، فهي تتسرب إلى التربة ومكامن المياه الجوفية أو يجري التخلص منها بشكل مباشر في الترع والقنوات المائية. ويُخلِّف هذا آثارا اقتصادية وبيئية سلبية، حيث تؤدي مياه الري الملوثة إلى تدهور جودة التربة الزراعية التي هي أحد أهم مصادر الدخل في الريف بمصر.

 وأظهرت الدراسات أيضا أن 6% فحسب من القرى المصرية تتوفر فيها خدمات لمعالجة مياه الصرف. ويزيد احتمال ألا تتوفر مراحيض ودورات مياه للأطفال في البيوت الريفية بواقع 8.5 مرة عن نظرائهم في الحضر، ويستخدم قرابة 10% من الأسر المعيشية في الريف مراحيض مشتركة بين العديد من الأسر. 


Image

احد سكان عزبة بهي الدين في محافظة الدقهلية يجر عربه محملة بخزان مياه الصرف الصحي لالقائها في أحد نقاط التخلص من مياه الصرف الصحي.

 

مصطفى كاشف


وأدركت وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية في مصر أن تحسين خدمات الصرف الصحي للمناطق الريفية استثمار حيوي في صحة السكان وإنتاجية هذه المناطق في المستقبل. وكانت هذه أيضاً خطوة حاسمة في جهود الحكومة لمكافحة الفقر. ففي شراكة مع البنك الدولي، اطلقت  الحكومة المصرية في عام 2015 مشروع الخدمات المستدامة للصرف الصحي في المناطق الريفية والقائم على ربط التمويل بالنتائج بتمويل قيمته 550 مليون دولار بهدف تحسين الحصول على خدمات الصرف الصحي في المناطق الريفية بمحافظات البحيرة والدقهلية والشرقية. وعلاوة على ذلك، سيُساعد تحسين خدمات الصرف الصحي أيضا على خفض التلوث في مياه النيل الناتج عن التخلص من مياه الصرف غير المعالجة فيه، ومن ثم حماية صحة كل المصريين من أضرار استخدام مياه الشرب والري المُلوَّثة. 

وقال السعيد عبد العليم عبد النبي -وهو أيضا أحد سكان عزبة بهي الدين بركات- "كم تضررت أبداننا من شرب المياه المُلوَّثة، وعضلاتنا تئن تحت وطأة ما نقوم به كل يوم من تصريف نواتج كسح البيارات وخزانات التعفن، وهو عبء ثقيل على كاهل الرجال والنساء في القرى." وتابع كلامه قائلا إن "الضرر الذي أصاب جيلنا يتعذر إصلاحه، لكن يحدونا الأمل أن يتيح هذا البرنامج لأطفالنا أن يتمتعوا بالحياة الصحية التي يستحقونها."

وسيحمي البرنامج صحة ما يقرب من 833 ألف مصري من خلال تركيب 167 ألف توصيلة صرف صحي للمنازل ستكفل التخلص الآمن من مياه الصرف. وستضمن التوصيلات سلامة إمدادات مياه الشرب التي تصل إلى المنتفعين بالمشروع من التلوث بمياه الصرف التي تتسرَّب من البيارات وخزانات التعفُّن. 

وعلاوةً على ذلك، ستُجنِّب توصيلات الصرف الصحي المُركَّبة حديثاً المواطنين التكلفة المرتفعة للأساليب البديلة للتخلُّص من مياه الصرف.

وتهدف العملية أيضاً إلى التحوُّل بالقطاع نحو انتهاج نموذج لامركزي، وتكليف شركات المياه والصرف الصحي المحلية المسؤولية عن إنشاء وتشغيل وصيانة توصيلات الصرف بالمنازل. واتفقت الوزارة مع هذه الشركات على خطة عمل، وستقوم بصرف التمويل بعد إنجاز كل مجموعة من الإجراءات المطلوبة. وستساعد تلك الإجراءات على تقوية المساءلة وتعزيز الشفافية داخل قطاع المياه والصرف الصحي.

وقد تم تركيب أول 5 آلاف توصيلة في محافظة الدقهلية في فبراير. وعن ذلك، قالت ناهد السيد، وهي ربة بيت وأم لأربعة أطفال وتمثل  إحدى الأسر  التي حصلت على المجموعة الأولى من التوصيلات: "أخيراً يمكنني طهو الطعام لأسرتي دون خوف من تلوُّث المياه. وأستطيع الآن أيضاً أداء أعمالي المنزلية – كل الأنشطة البسيطة التي حرمنا منها قبل هذا البرنامج." وكانت ناهد قد حاولت جاهدةً تزويد أسرتها بمياه الشرب النظيفة لكنها استدركت بقولها "كانت جهودي دائما تذهب سدى، وقبل بضعة أشهر أصيب أحد أبنائي بعدوى بكتيرية في معدته بسبب المياه المُلوَّثة."

ووافق قول ناهد زوجها عصام محمد الجميل ، مضيفا: "عانى الجميع هنا بسبب نقص خدمات الصرف الصحي، وإننا سعداء جدا أن حصلنا عليها أخيراً." وكان صهر عصام قد توفي من التهاب في المعدة سببه مياه الشرب الملوثة، وتعاني والدته من نزيف مستمر من الجلد من جراء عدوى مزمنة مستعصية. وأضاف عصام قوله: "أخيراً، سنتجنَّب الرائحة الكريهة التي كانت تزكم أنوفنا كلما خرجنا من بيوتنا."

وبفضل خطة قوية للمشاركة المجتمعية تم إشراك المجتمع المحلي في تخطيط البرنامج. وأدَّت هذه الجهود للتواصل مع المجتمع المحلي ومشاركته في التبرع الطوعي بنحو 88 قطعة أرض لحل مشكلة حيازة الأراضي اللازمة لتنفيذ المشروع والتي كانت في العادة تحدياً كبيراً يعوق مثل هذه البرامج. وقال السعيد وعبد النبي عبد العليم، وهما أبناء عمومة : "تبرَّعنا عن طيب خاطر بأرضنا لننقذ عائلاتنا من الأضرار التي يسببها نقص توصيلات الصرف الصحي." وأضافا قولهما "لقد تواصل فريق شركة المياه والصرف الصحي معنا وشرح لنا كيف أن العملية ستنقذ أرواحنا. والتقينا بالفريق أكثر من 20 مرة لمناقشة سير تنفيذ البرنامج. واكتسب الفريق ثقتنا بفضل إخلاصه ومثابرته، ونعتقد أن هذا البرنامج سيضع نهاية لآلامنا."

 وتم تصميم آلية لتلقي الشكاوى والمقترحات من مواطني المناطق المستفيدة. واستمرت جهود التواصل المنتظم مع سكان المناطق التي يغطيها المشروع، بتجميع الآراء والتعليقات بشأن جوانب تصميم البرنامج مثل اختيار قطع الأرض للمنشآت اللازمة للبرنامج. وبثت جهود التواصل مشاعر الثقة بين المواطنين وجعلتهم يشعرون بأنهم جزء من فريق البرنامج، وساهمت في سرعة تنفيذ البرنامج الذي أثمر بالفعل نتائج إيجابية. 

ومع النجاح المبدئي للمرحلة الأولى للبرنامج وأهمية توفير خدمات الصرف الصحي للمواطنين في إطار أجندة الحكومة للتنمية، شرعت مصر في المرحلة الثانية للبرنامج. ووافق مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولي في سبتمبر 2018 على المرحلة الثانية للبرنامج التي تتكلف 600 مليون دولار وسيشارك في تمويلها البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية. وسيزود البرنامج 892 ألف مصري بمياه الشرب النظيفة ويساعد على توصيل خدمات الصرف الصحي إلى 178 ألف أسرة في محافظات دمياط والغربية والمنوفية. 



Api
Api