رأي

بنى الفلسطينيونَ المؤسساتِ ولكنَّ النُّموَّ المستدام مُحْبَطٌ

04/05/2011


Mariam Sherman, Country Director



اذار 2010-  تُذكّرنا الأحداث الأخيرة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط بأنّ التغيير يُمكنُ أن يحدث في الأنظمة والأوضاع التي تبدو راسخةً، أو حتى حصينةَ البنيان - بل إنّه غالباً ما يحدث بعد فترة إنذار قصيرة – ويكون أبعد مدىً وأثراً بكثير مما يُمكن أن تصل إليه أقصى درجات التّخيّل. ومن دون الخوض في الأسباب السياسية لذلك التغيير أو في نتائجه وعواقبه، أو حتّى في إيجابيات أحداث التغيير تلك وسلبياتها، فإنها تُفيد كلّها في أن تكون بمثابة تذكيرٍ مفيد بمدى قوة الأفراد والأفكار، حتى في مواجهة الفروقات والميزات الهائلة – أو ربما بسببها – في إيجاد الزّخم، وفي جعل التغيير الدائم والمهمّ حقيقةً على أرض الواقع.

أمّا نحنُ في البنك الدولي، إلى جانب الكثير من الجهات في المجتمع الدولي، فقد كّنّا وما نزال نعمل مع الفلسطينيين بهدف دعم مساعيهم الرامية إلى وضع وتطوير الأسس والقواعد - المؤسسية منها والاقتصادية – لإقامة دولة فلسطينية في المستقبل. ولكي تكون هذه الدولة قابلة للحياة، فإنّه يتعيّن عليها أن تكون قادرةً على الاستجابة لاحتياجات مواطنيها وتأمين سُبُل العيش والحياة لهم – من خلال توفير الخدمات، وفرص العمل، والأنظمة التي تُسخِّر قدرات المواطنين. ومن الواضح بجلاء أنّ قوة مؤسسات الدولة القابلة للحياة – الحكومية منها وغير الحكومية، لها أهميةُ هائلةٌ، ولكنّ هذا وحده لا يكفي؛ فهذه المؤسسات يجب أن تكون مدعومةً باقتصاد آخذٍ في النمو ومستدام، وداعمةً له في آنٍ معاً. كما أنّ أيّة حكومة، بالغةٌ ما بلغت كفاءتها، ويترتّب عليها أن تتعاملَ مع الظروف الصعبة لاقتصاد يقوده المانحون، ومع التّقلّبات التي لا يُمكن التنبؤ بها لإدارة موازنة تعتمد على المعونات، سوف تُعاقُ جهودها جَرّاء ذلك، في مجال تقديم الخدمات إلى مواطنيها.

لقد أُقيمت مؤسسات مجتمع مدني قويةٌ منذ أمدٍ طويل وما تزال هذا المؤسسات عاملةً. وقد اختُبِرَت قُدرة المجتمع الفلسطيني على التعامل والتكيّف مع الأوضاع والنهوض من جديد مراراً وتكراراً في ظلِّ ظروف بالغة الصعوبة طيلة العقد الماضي، فأدّى هذا المُجتمع وظائفه بمستوىً فاقَ بل تعدّى كلّ التّوقعات المعقولة. وقد تطوّرت مؤسسات الدولة الفلسطينية بسرعة، وأصبحت لديها الآن القدرة على تقديم مستويات من تقديم الخدمات لجمهور الفلسطينيين تبعث على الرّضى. ومع أنّ هذه المهمّة لم تكتمل بَعْدُ بكل تأكيد- إذ ما تزال القدرات التنظيمية مفقودةً، وبعض التشريعات الأساسية غير مكتملة، على سبيل المثال، إلا أنّ التقدم المُحرز على صعيد أجندة الإصلاح يشير إلى أنّ السلطة الفلسطينية قد غدت في وضع جيد للتّصدّي لهذه الفجوات وسدّها.

لكن قصة النمو الاقتصادي المستدام يجب أن تبقى محطّ اهتمامنا. وفي الواقع، فإنّ أشواط التقدّم الكبرى التي أُحرزت في مجال الأداء المؤسسي يُمكن أن تتقوّض إن لم تكن آفاق الاقتصاد القابل للحياة تلوح في الأُفق. كذلك فإنّ النمو المثير للاهتمام في اقتصاد الضفة الغربية على مدى العامين الماضيين يستحقّ الثناء والتقدير، إلا أنّنا نعرف بأنّه جاء، إلى حدٍّ كبير، نتيجةً إلى الإنفاق العام الذي يقوده المانحون. فلمْ يَنْمُ القطاع الخاص بما يكفي، وقد بقيت المستويات الاستثمارية غير ملائمة. وتقتضي الحاجةُ إحداث تغيير أساسي. وما تزال القيود التي تفرضها إسرائيل على الموارد الطبيعية والأسواق تُعيق الإنتاج الفلسطيني والتجارة الفلسطينية، بصفتهما المقوّمان الأساسيان لوجود اقتصاد نشط. وتعمل الكُلفة المتزايدة لممارسة الأعمال، المرتبطة بنظام الإغلاق المفروض، على تنفير المستثمرين عن الاستثمار.

اتّصفت السنتان الماضيتان بمستويات من الاستقرار لم يكن بالإمكان تَخيّلها طوال العقد الماضي. فقد اعتاد المسؤولون الإسرائيليون، بصورةْ متّسقة وصريحة، على كيل المديح والثّناء على الأداء الأمني الفلسطيني. ومنذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية، بذلت الحكومة الإسرائيلية جهوداً حاسمةً لإزالة القيود التي تقتضيها بواعث قلقها الأمنية. ومع كل ذلك، فإنّ صافي حصيلة الأثر الاقتصادي لنظام الإغلاق المذكور ما زال يبعث على القلق.

لقد تم استنفاد الكثير من الطاقة الاقتصادية الحقيقية المتوافرة في ظلّ السيناريو السياسي الحالي. ويصحّ ذلك، على نحو مضاعف، بالنسبة إلى أحد المُكوّنات الرئيسة للاقتصاد الفلسطيني؛ أي إلى قطاع غزة. فالكثير من القدرة الإنتاجية المتبقية دُفِعَت إلى الانضمام إلى قطاع الاقتصاد غير الرسمي. كذلك فإن الاقتصاد الرسمي يمرّ في طور السّبات، نتيجةً إلى ازدياد مستويات الدعم الخارجي باطراد وبصورة حصرية تقريباً.

ثمة قضيةٌ أخرى بالغة الأهمية، ألا وهي: القدرة على التنبؤ. فمن بين الافتراضات القليلة التي تتشارك فيها الأطراف المعنية كلها فرضيةُ أنّ الوضعَ السياسي الحالي مؤقّتٌ بطبيعته. كما أنّ انعدام الثّقة الناتج عن هذا الوضع يعيق عملية التخطيط ويرفع كلفة الاستثمار. وقد فاقم التدمير المادي المُتكرر للاستثمارات المتنازع عليها على مدى السنين، من استمرار هذا الوضع الصعب.

لقد استشهد الكثيرون، على مدى الأشهر الماضية، بالتقييم الإيجابي لمؤسسات السلطة الفلسطينية، الذي أجراه البنك الدولي. وتلقّت بواعث القلق بشأن آفاق النمو المستدام قَدْراً من الاهتمام أقل. غير أنّ هذين الجانبين من جوانب بناء دولة فلسطينية قابلة للحياة لا بُدّ وأن يؤخذا بعين الاعتبار معاً. وبناءً على ذلك، يجب علينا أن نتكاتف جماعياً بهدف دعم السلطة الفلسطينية في معالجة أجندتها التنموية. وسوف يشمل هذا الدعم بذل اهتمام متواصل من أجل التصدي للقيود المفروضة وضمان وجود بيئة داعمة للأعمال – وأن نتطلّع قُدُماً – إلى تطوير سياسة تجارية ملائمة إلى جانب تطوير الأنظمة والقدرات والبنى التحتية التي سوف تحتاج إليها. ويتعيّن علينا كذلك الاستمرار في استثمار الفرص الحقيقية، وفي دعم أجندة الإصلاح الطموحة الجاري تنفيذها. ويظلّ البنك الدولي ملتزماً بالإسهام مع جهود الفلسطينيين، نساءً ورجالاً، بينما هم يُرسون على أرض الواقع أسسَ الدولة الفلسطينية مستقبلاً. قلّبوا صفحات هذه النشرة التحديثية وسوف تشاهدون أمثلةً على كيفية قيام البنك الدولي بهذا العمل.

Api
Api

أهلا بك