بيان صحفي

التطورات والتحديات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

02/25/2011



شامشاد أختار
نائبة رئيس البنك الدولي
لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
بروكسل 23 فبراير/شباط 2011


إن الأحداث التي وقعت في الأسابيع القليلة الماضية تمثل نقطة تحول لتونس ومصر وغيرهما من بلدان المنطقة. وسيكون للتطورات السياسية، التي مازالت تتكشف، تبعات واسعة النطاق في مختلف أنحاء المنطقة والعالم على اتساعه. وإذا ساند هذه الأحداث تحول ديمقراطي بإدارة جيدة، فإنها ستتيح فرصة نادرة لجميع الأطراف المهتمة للاستفادة من قوة البشر والمجتمع المدني في تغيير المشهد بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ونحن نرحب بعقد اجتماعات كهذا الاجتماع من أجل تبادل الأفكار، والتعلم من تجربة الاتحاد الأوروبي وغيره من مناطق العالم، ولا سيما الأسواق الناشئة في آسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية وأفريقيا.

والسبب الرئيسي لهذه الاضطرابات السياسية بالمنطقة هو الضجر والملل من الحكم الاستبدادي الذي استمر طويلا، ومن سوء الإدارة في المجالين السياسي والاقتصادي، كما أثبتته هموم الجماهير فيما يتعلق بقضايا التعبير عن الرأي والعدالة الاجتماعية والعدل والمساءلة والحصول على الخدمات العامة. غير أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتمتع بأوجه قوة، وهي: شبابها وقاعدة مواردها ومرونتها التي تعرضت للاختبار خلال الأزمة العالمية. وعلاوة على ذلك، كان اقتصاد المنطقة - قبل نشوب الاضطرابات السياسية مباشرة -– يتقدم على مسار الانتعاش الاقتصادي مستفيدا من تعافي الاقتصاد العالمي؛ فقد تمكنت تونس من تقييد العجز في المالية العامة، وشرعت مصر – في ضوء العجز الكبير في ماليتها العامة – في تنفيذ برنامج لتدعيم الأوضاع المالية. ولدى كل من البلدين قدر مريح من الاحتياطيات الأجنبية. واستفاد هذان البلدان، استنادا إلى انفتاحهما وإمكانياتهما، من التدفقات الأجنبية والسياحة.

إن التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لأحداث الأسابيع القليلة الماضية، والتي لم تتحقق ولم تُقيّم بعد تقييماً كاملاً، ستكون ضخمة على الأرجح على المدى القصير. فمن المؤكد أنه سيحدث تراجع في معدل النمو الاقتصادي وفي إيرادات المالية العامة والسياحة والاستثمار الأجنبي المباشر. وفي حين أن البورصات العالمية حققت مكاسب، تراجعت البورصة في مصر 21 في المائة وفي تونس 14 في المائة الشهر الماضي. وسوف تتعرض الاختلالات في الاقتصاد الكلي لضغوط جديدة. وستزيد أوجه الضعف على الأرجح؛ فقطاعات ضخمة من السكان لا تستطيع الحصول على وظائف ولا أراض ولا خدمات أساسية ولا تمويل ولا عدالة. وسيتعرض هؤلاء السكان لمزيد من التهميش مع تنامي الضغوط التضخمية حسب اتجاه أسعار النفط والأغذية، ضمن عوامل أخرى. ومن المحتمل أن تزيد التعقيدات المالية، وبخاصة في مصر حيث تعاني الحكومة والمؤسسات العامة من ضغوط الأجور وغيرها من الضغوط. وفي تونس، قد تواجه المصارف ضغوطا مع انتشار الجولة الثانية من آثار الركود الذي تعانيه الشركات والاستثمارات.

وعند التعامل مع التحديات القصيرة الأجل، لا نستطيع أن نتجاهل المشاكل العميقة التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ فالانتباه إليها سيساعد على تشكيل تفكيرنا الجمعي:

  • عدم توزيع منافع النمو بشكل عادل: ويتجلّى ذلك في ارتفاع معدلات البطالة بالمنطقة - في نطاق 20-25 في المائة من الشباب في بعض البلدان، وارتفاع المعدل أكثر بين خريجي الجامعات، وكذلك بين النساء اللاتي يشكلن واحدة من أدنى نسب المشاركة في العالم. وتعاني فئات السكان في الشريحة الدنيا أوجه ضعف شديد؛ إذ يتضاعف تقريبا عدد الفقراء في حالة مصر، على سبيل المثال، حين يستخدم حد الفقر البالغ 2.5 دولار للفرد يوميا. وتعتبر التباينات فيما بين بلدان المنطقة واسعة أيضا.


  • معدل النمو أقل من المستوى الممكن تحقيقه في المنطقة: (ولا يستوعب العمالة) بسبب عدم تنويع مصادر الاقتصاد، وانخفاض الاستثمارات الخاصة (15 في المائة في المتوسط من إجمالي الناتج المحلي مقابل مثلي هذا المستوى في شرق آسيا) بسبب الحواجز القائمة أمام دخول الشركات إلى السوق، وإطار الحوافز الذي يشجع الامتيازات وليس القدرة التنافسية. وفي السنوات الماضية، تحققت مجموعة واسعة من الإصلاحات الاقتصادية.، وأوضح مسح استقصائي أجراه البنك الدولي على مستوى الشركات أن وتيرة تنفيذ الإصلاحات منخفضة، ومازالت الشركات مرتبطة بإطار تنظيمي قديم وممارسات عفا عليها الزمن. وتوضح دراسة أخرى للبنك ارتفاع عامل الإنتاجية منذ عام 2005 في مصر، لكنها خلصت إلى أن النمو في مصر يرجع في الأساس إلى تراكم عوامل الإنتاج وليس إلى نمو الإنتاجية. ومن العوامل الرئيسية المحددة لنمو الإنتاجية الإنفاق العام والصادرات والاستثمارات والتضخم، في حين أن إنتاجية العمالة تعدّ من العوامل المنخفضة. ويتطلب الحفاظ على معدل نمو مرتفع الانتقال من اقتصاد منخفض الأجور ومنخفض القيمة المضافة إلى اقتصاد مرتفع المهارات يقوم على التكنولوجيا.

  • أسواق العمل والأنظمة التعليمية قاصرة عن أداء وظائفها: يوضح تقييم مناخ الاستثمار 2009 أن من بين الأسباب الرئيسية التي تحول دون توسع الشركات في التوظيف ارتفاع الضرائب العمالية (التأمينات الاجتماعية)، والقواعد المنظمة للعمالة والتي تفتقر للمرونة، وعدم التوافق بين المهارات واحتياجات سوق العمل. ومن المشاكل الأخرى القائمة ارتفاع الضرائب العمالية وغياب روح الابتكار والعمل الحر وعدم وجود آليات لتوضيح أسواق العمل. وتم التنازل عن جودة التعليم، كما توضحها آليات الاختبارات الدولية، في إطار السعي لزيادة أعداد المقيدين بالمدارس. ويتطلب هذا عملية إصلاح كاملة لإدارة نظام التعليم مع مراعاة تغيير نماذج التعلّم، وإطار الحوافز للمدرسين، وإصلاح نظام التعليم العالي.

  • نسبة الإقصاء المالي والاجتماعي مرتفعة: فإمكانية الحصول على تمويل متدنية ونظام الحماية الاجتماعية مفتت ويفتقر للكفاءة، إذ يُوجه حوالي 8 في المائة لدعم الوقود وأنظمة عامة لتوزيع الأغذية لا تتسم بالكفاءة ولا تصل للفقراء.

  • التكامل أو التنوع في مجال التجارة، سواء على مستوى المنتَج أو السوق، يعتبر شديد التدني. والأهم أن التجارة الإقليمية في المنطقة، والتجارة غير النفطية مع باقي أنحاء العالم، متدنية للغاية وأعاقت النمو وفرص التوظيف.

التزام البلدان المتعاملة مع البنك والتعاون الوثيق بين جميع أصحاب المصلحة بمن فيهم شركاء التنمية

أمام السلطات المعنية، بمساندة من مطالب جماهيرية، فرصة فريدة لمعالجة هذه التحديات المروعة ومحاولة "الانفصال عن الماضي" وتغيير النموذج ليتحدد بوضوح مسار التحوّل السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وينبغي للمنطقة أن تتحرك على نحو مخطط لضمان جودة وسرعة استجابة السياسات الاقتصادية على المدى القصير، وكذلك ضمان المركز الملائم للتصدي للتحديات المتوسطة الأجل. ويجب تنسيق وتيرة الإصلاحات وتسلسلها بغرض ضمان الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، مع تحديد القدرات المؤسسية لبرامج التنفيذ.

ومع وضع ذلك كله في المنظور الملائم، فإن استعادة ثقة الجمهور تتطلب إرسال إشارة صحيحة، وإحداث تغيير سريع في هياكل الإدارة، وصيانة المصلحة العامة، وحماية الفئات الضعيفة عن طريق برامج مبتكرة جيدة الاستهداف، مع مراعاة المخاوف الاستئمانية، وإشراك المجتمع المدني في الإصلاحات الاقتصادية، وإعادة تنشيط القطاع الخاص بغرض إطلاق العنان للإمكانات الاقتصادية. ويستعد البنك الدولي، في إطار مساندة الحكومات في الفترة الانتقالية، للتصدي للتحديات الوسيطة مع المشاركة – في الوقت نفسه - في القضايا المتوسطة المدى. ومن شأن الالتزام الصريح بإجراء تغييرات في الإدارة الاقتصادية تسهيل التنفيذ الفاعل للبرامج المعتمدة.

في إطار التصدي للأزمة الاقتصادية العالمية، شاركت مجموعة البنك الدولي بقوة خلال الأشهر الثمانية عشر الأخيرة مع كل من مصر وتونس، ونفذت أعمالا اقتصادية واجتماعية ملموسة. ويمكن الاستفادة من هذه الأعمال الآن في فهم القضايا المعقدة الوشيكة وإعداد إجراءات التصدي الملائمة لها. وإلى جانب تقييم التكلفة الاقتصادية والمالية للأحداث السياسية، تجري المشاركة في وضع إجراءات السياسات للتصدي للتحديات على المدى القصير مع مواصلة الحوار بشأن التحديات على المدى المتوسط.

واتضح جليا من الأحداث الحالية والدروس المستفادة أنه مع مضينا قدما سيكون التركيز على ما يلي:

تغيير أساليب المشاركة: إلى جانب تقييم التفويضات والتزام الحكومات الانتقالية والتقدم بحذر في ضوء الإحساس المتنامي بالاستحقاقات الاجتماعية، من المهم للغاية إشراك شركاء التنمية والعمل بشكل وثيق على ضمان تطبيق أساليب منسقة. فثمة حاجة إلى تجاوز الحكومات والتواصل مع المجتمع المدني، بما يضم من مفكرين اقتصاديين، وكذلك مع القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية، وإظهار مدى قدرتنا على التكيف والمرونة على نحو ملموس، مع إدارة التوقعات والمخاطر على نحوٍ دقيق في الوقت ذاته. ويجب أن تشتمل المساعدة على مجموعة متنوعة من المنتجات: المساندة السريعة للموازنة (للوفاء بالاحتياجات المالية المتنامية) والاستجابة السريعة للاستثمارات لمساندة الإجراءات التدخلية اللازمة للحد من الفقر، وتهيئة فرص العمل، والبرامج المتعلقة بمجالات خاصة. ويجب أن يصاحب كل ذلك مساندة في مجال الاستشارات، وتدعيم القدرات المؤسسية، وتقديم برامج تدريبية في مجال العمل الحر وغيره من المجالات. بيد أنه يجب أن تقوم بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنفسها في الأساس بالتنسيق فيما بين شركاء التنمية تنسيقا واضحا، وينبغي أن تحظى أي آليات مكملة بمساندة هذه البلدان.

تدعيم أطر الإدارة هو مطلب شعبي واضح وستكون له مكاسبه للأنظمة القادمة. وينبغي أن تركز أنشطة الدعوة في هذا المجال على تحسين ما يلي:

  • الشفافية وفتح باب الحصول على المعلومات والإحصاءات الاقتصادية،

  • خفض/إزالة الحواجز أمام الدخول إلى السوق،

  • سياسات المنافسة ومكافحة الاحتكار،

  • تعزيز المنظمات غير الحكومية والجمعيات المستقلة،

  • وضع قواعد منظمة خاصة بتضارب المصالح للجمهور والمسؤولين المنتخبين،

  • إصلاح الإدارة العامة.


تعزيز النمو الواسع القاعدة القائم على العدل والذي يشارك الجميع في جني مكاسبه: بما أن كثيرا من بلدان المنطقة لا تستطيع أن تواصل دور صاحب العمل الذي يمثل الملاذ الأول والأخير، يجب أن يكون النمو الاقتصادي الذي يوفر فرص العمل ويقوده القطاع الخاص هو حجر الزاوية لأي استراتيجية إنمائية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي هذا الصدد، فإن التحديات الأساسية التي تواجه المنطقة قائمة دون تغير. ومن ثمّ، فإن مجموعة البنك الدولي ستساند الاستجابات الأسرع وتيرة والأكثر كفاءة بغرض إنشاء بيئة سياسات مواتية تعزز من القدرة التنافسية، والاعتماد على التكنولوجيا والابتكار، وتشجع المهارات بدعم من تغييرات نوعية في الأنظمة التعليمية. وستحقق المشاركة العالمية والأوروبية فائدة من تشجيع التدفقات التجارية والخاصة عن طريق فتح الأسواق والتشجيع على انتقال العمالة وإقامة علاقات الشراكة في مجال الطاقة المتجددة وتنسيق الرقابة وتحرير الخدمات، على سبيل المثال لا الحصر. وفي ضوء الأزمة الحالية، سيكون البنك الدولي للإنشاء والتعمير ومؤسسة التمويل الدولية منفتحين لإعادة هيكلة محفظتيهما وتعديل المشاريع قيد التنفيذ لتحقيق التواؤم والتركيز في بعض الإجراءات التدخلية. إن زيادة إمكانية الحصول على تمويل للفئات المحرومة من الخدمات من سكان المنطقة، وتحسين خدمات البنية التحتية، وتحسين جودة التعليم والرعاية الصحية، ومساندة القطاعات ذات القيمة المضافة الأعلى، كل ذلك أصبح له أساس أقوى من ذي قبل بوصفها وسائل لتعزيز فرص التشغيل والقدرة التنافسية للمنطقة.

وفي هذا الإطار الأساسي، تعتزم مؤسسة التمويل الدولية منح أولوية لزيادة الاحتواء الاجتماعي عن طريق تحسين إجراءات التصدي لاحتياجات الطبقة المتوسطة والفقراء. وفي هذا الصدد، سوف تستطلع المؤسسة، ضمن إجراءات أخرى، المزيد من الفرص مع الشركات من الدرجة الثانية والثالثة، رغم أن ذلك ينطوي على مخاطر أعلى على المدى القصير، والاستثمار في المناطق المحرومة داخل البلدان المتوسطة الدخل. وعلى المدى القصير، ستقوم المؤسسة بما يلي: (1) إجراء تقييم لاحتياجات القطاع الخاص في البلدان المتأثرة، و(2) إجراء اختبار إجهاد للمحفظة، و(3) مساعدة العملاء على إعادة هيكلة محافظهم وتوفير تمويل إضافي للتخفيف من أي خسائر أخرى، و(4) إتاحة تمويل سريع عن طريق أدوات التمويل القصير الأجل كتمويل التجارة، وتسهيلات اقتسام المخاطر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وخطوط الائتمان للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتمويل الأصغر.

وسيواصل البنك والمؤسسة التركيز على زيادة الاستثمارات الإقليمية وتقديم خدمات استشارية عالية الجودة لبناء القدرات المؤسسية في الهيئات العامة والخاصة الرئيسية بالمنطقة، مع تركيزهما على التحديات القصيرة الأجل في الوقت ذاته. وستشتمل المجالات ذات الأولوية في مجال الاستشارات على تحسين حوكمة/شفافية الشركات، وحقوق المستثمر والآليات البديلة لتسوية النزاعات، والحصول على الائتمان وأنظمة معلومات الائتمان، وإدارة المخاطر المصرفية، وعلاقات الشراكة بين القطاع العام والخاص، والتميز في أنشطة الأعمال، وذلك من أجل إزالة ما يواجه القطاع الخاص من قيود هيكلية وفي مجال القدرات. وتمثل المساعدة على تحويل الأصول المصادرة أهمية خاصة لمساعدة الهيئات الحكومية (كالبنوك المركزية) والقطاع الخاص في البلدان المتأثرة على إعادة ترتيب أولوياتها.

الانتقال من أنظمة مفتتة إلى أنظمة متسقة ومستدامة للحماية الاجتماعية تكون أكثر تنسيقا مع سياسات التأمينات الاجتماعية وسوق العمل. ويمكن أن تدرس الاستجابة الفورية ما يلي:

  • برامج للتحويلات النقدية المستهدفة للفقراء والفئات الضعيفة،
  • إنشاء صندوق للتنمية المدفوعة باعتبارات المجتمع المحلي بغرض تمكين المجتمعات المحلية من تمويل المشاريع العامة الصغيرة في المناطق المحرومة (التي تعاني ارتفاع معدلات البطالة) بمشاركة من الأهالي،
  • وضع مجموعة برامج طارئة للتشغيل، بغرض توفير استجابة فورية قصيرة المدى للتخفيف من آثار أزمة البطالة، بما في ذلك برامج الانتقال من المدرسة للعمل للخريجين الجدد.

وعلى المدى المتوسط، سيشارك البنك الدولي في وضع سياسات وأطر تنظيمية محفزة لأسواق العمل (وإن كانت تتسم بحساسية سياسية)، وتشجيع القطاع الخاص على القيام بأعمال الوساطة، ومراجعة أنظمة التأمينات الاجتماعية (بما في ذلك الفروق بين الأجور واشتراكات التأمينات الاجتماعية والمعاشات التقاعدية)، وإزالة القيود أمام الاشتغال بالمهن المختلفة. وينبغي أن يتحول الاهتمام الآن من حماية الوظائف إلى حماية دخل العاملين بزيادة المساندة الاجتماعية، والتأمين ضد البطالة، وإجراءات قوية لمساعدة العاملين خلال فترات الانتقال. وأوضحت دراسات مسحية حديثة أن من الأسباب الرئيسية التي تحول دون توسع الشركات في التوظيف في بلدان مثل تونس ومصر ولبنان وسوريا ارتفاع الضرائب العمالية (التأمينات الاجتماعية)، والقواعد المنظمة للعمل والتي تفتقر للمرونة.

وبالتوازي، ستقوم مؤسسة التمويل الدولية بتركيز إجراءاتها التدخلية في:

  • الاستثمارات التي توفر فرص العمل بقطاع الاقتصاد الحقيقي، كقطاع التجزئة، والخدمات بما فيها السياحة والاتصال وتكنولوجيا المعلومات، والاتصالات السلكية واللاسلكية،

  • زيادة إمكانية الحصول على التمويل للفئات التي لا تحصل على ما يكفي من خدمات، كالرهن العقاري وقروض الطلبة، وذلك من أجل تحسين مستوى الوفاء باحتياجات الشباب والفئات المنخفضة الدخل،

  • تحسين جودة التعليم ما بعد الثانوي (خاصة التعليم الفني والمهني) للوفاء باحتياجات القطاع الخاص والحد من إحباطات الشباب؛ وسترسم مبادرة التعليم من أجل التوظيف E4E خطة عمل لاستثمارات مؤسسة التمويل الدولية والأعمال الاستشارية في هذا المجال خلال السنوات القليلة القادمة،
  • زيادة الاستثمار في الصناعات الزراعية والقطاعات ذات القيمة المضافة الأعلى حيث يمكن لمؤسسة التمويل الدولية أن تساعد في نقل التكنولوجيا وأفضل الممارسات الدولية والمعايير البيئية والاجتماعية للمساعدة في بناء اقتصاد معرفي يتمتع بالقدرة التنافسية.

برنامج إقليمي سريع المسار للحد من تقلب أسعار الغذاء: تستورد بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 30 في المائة من القمح المتداول تجاريا على مستوى العالم، وهي نسبة من المتوقع أن ترتفع إلى 55 في المائة بحلول عام 2030. وأثار الارتفاع الحاد في أسعار الغذاء مخاوف عميقة بشأن الأمن الغذائي وسوء التغذية وزيادة الفقر في أنحاء العالم. ويثير هذا الاتجاه مخاوف أكبر في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب الزيادة السريعة في عدد سكانها، ومحدودية مواردها المائية وأراضيها الزراعية، واعتمادها الكبير على الأسواق العالمية للسلع الغذائية.

  • يثير ارتفاع الأسعار العالمية ضغوطا كبيرة على ميزانية الدولة والأسرة، حسب مستوى الدعم للاستهلاك المحلي والقدرة على التحمل؛ فالفقراء سيصيبهم أشد الضرر على الأرجح لأنهم ينفقون في العادة ما بين 35 و65 في المائة من دخلهم على الغذاء.

  • وفي إطار التصدي لأزمة أسعار الغذاء عام 2008، بدأ البنك الدولي عددا من عمليات الصرف السريع لتدعيم شبكات الأمان لأشد السكان فقرا في المناطق الهشة، مثل: اليمن وجيبوتي والضفة الغربية وقطاع غزة. ويمكن وضع برامج مساندة ذات طبيعة مماثلة بهدف الوفاء بالاحتياجات الغذائية للبلدان المتأثرة.

  • زادت القروض للإنتاجية الزراعية وكفاءة الري أيضا منذ عام 2008، إذ بلغ حجم الارتباطات نحو 450 مليون دولار لمشاريع لتحسين إنتاجية الزراعة وكفاءة الري في المغرب ومصر واليمن وتونس وجيبوتي. والمشاريع القائمة في مصر وتونس هي الأكثر ارتباطا بهذه الأوقات العصيبة لأنها تركز على أساليب التنمية المدفوعة باعتبارات المجتمع المحلي، مع وجود مساءلة قوية من جانب الأهالي ومستوى عال من الشفافية في توزيع الموارد.

  • ويساند البنك الدولي أيضا أعمالا تحليلية لدراسة قضايا مثل أنظمة توزيع الخبز واستهداف الفقراء في مصر، وقطاع الزراعة في تونس والمغرب ومصر. ويترأس البنك الدولي أيضا دراسة إقليمية قيد الإعداد، ويشارك فيها 10 بلدان من المنطقة، عن كفاءة سلاسل الإمداد الخاصة باستيراد القمح وكيفية تحسينها لزيادة الأمن الغذائي.

تشجيع التكامل الاقتصادي على مستوى المنطقة والعالم. قامت مجموعة البنك الدولي، بطلب من العالم العربي، بتدشين عدد من برامج التعاون الإقليمي. ويجري هذا في الإطار الأوسع للمشورة المقدمة لبلدان المنطقة في مجال السياسات حول التكامل الاقتصادي، سواء داخليا أو خارجيا. اسمحوا لي أن أذكر بضعة برامج إقليمية فقط يمكن أن تتيح فرصا لمزيد من علاقات الشراكة في مجال التنمية. إننا نقوم بتدشين صندوقين إقليميين للتمويل، أحدهما للمساعدة على بدء المشاريع الصغيرة والمتوسطة والصغرى، والآخر في قطاع البنية التحتية. وفي كلتا الحالتين، هناك تركيز قوي على التجارة وتوفير فرص العمل، وعلى المساندة الخارجية للتخفيف من المخاطر.

وبأسلوب مماثل، فإننا، وعدد من الشركاء الممثلين هنا، نقوم بتمويل التوسع في إنتاج الطاقة الشمسية ببلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتوضح دراسات البنك الدولي أن إنتاج هذه الطاقة يمكن أن يتيح 80 ألف فرصة عمل في المنطقة، لكن هذا يعتمد على عوامل منها وصول صادرات الطاقة الشمسية إلى أسواق الطاقة في أوروبا على أساس تكافؤ الفرص. ونتطلع إلى أن تأخذ أوروبا إجراءً في القريب العاجل لتثبت أن خطة الطاقة الشمسية في حوض البحر المتوسط ذات جدوى. فهذا من شأنه أن يرسل إشارة قوية للغاية لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشأن التكامل والتوظيف ونقل التكنولوجيا ومكافحة تغير المناخ.

ونقترح أيضا تمويل تسهيل التجارة العابرة للحدود والبنية التحتية للمواصلات في بلدان المشرق وشمال أفريقيا، ونرحب بمساهمة شركاء التنمية. فهذا البرنامج سيساعد على التكامل داخل منطقة فرعية، لكنه سيزيد من كفاءة الربط فيما بينها وبين بلدان أوروبا والمناطق الأخرى المجاورة (بما في ذلك بلدان مجلس التعاون الخليجي وبلدان المشرق). وبالمثل، فإننا نعمل في مجال النقل البحري بالمنطقة والطرق البحرية السريعة في البحر المتوسط. إن هذه كلها برامج إقليمية تتسم بالمرونة ويمكن أن تتقدم بالسرعة التي يرغب، أو يستطيع، أن يتقدم بها كل بلد من بلدان العالم العربي؛ ولذلك فإنها مهيأة جيداً للتصدي للتحديات التي تواجه المنطقة في مجال القدرة التنافسية. إننا ندعوكم للانضمام إلينا، ونرى أن مستقبل المنطقة الاقتصادي يكمن في تحسين إمكانية الوصول إلى الأسواق الإقليمية والعالمية، سواء للسلع أو الخدمات، لرأس المال أو العمالة. ونحن مهتمون بالطبع بأن نعرف من خلالكم خطط الاتحاد الأوروبي وغيره من مناطق العالم فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وما إذا كان سيجري توسيع نطاقها الآن إلى مستوى جديد. إن فرصة تاريخية تعرض نفسها الآن، ونأمل بأن ننتهزها جميعا.


Api
Api

أهلا بك