خطب ونصوص

المنتدى العالمي للتنمية البشرية في المغرب

11/01/2010


د/ شامشاد أختار Middle East and North Africa المغرب

بالصيغة المعدة للإلقاء

المنتدى العالمي للتنمية البشرية
د/ شامشاد أختار
نائب سيادة الرئيس
منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
البنك الدولي

التنمية البشرية وإعادة توزيع الثروة
أغادير، 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2010

إنني سعيدة بوجودي  هنا اليوم للمشاركة في المنتدى العالمي للتنمية البشرية الذي يقام تحت رعاية جلالة الملك محمد السادس. إن المغرب يستحق الإشادة بما حققه من إنجازات اقتصادية في السنوات الأخيرة وبما نفذه من استراتيجية إنمائية متسقة، وبوجه خاص الدور الذي لعبته المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

وأود في كلمتي هذا الصباح أن أشاطركم تجربتي الشخصية مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي لا ريب أنها تحدث أثرا في حياة الناس. وبالنظر إلى أن الفقر مازال يجثم على الصدور ويتفاقم بشكل خاص في مناطق وجيوب بعينها، فمن الأهمية بمكان مراجعة السياسات المعتمدة والتعلم من التجارب والدروس المستفادة سواء  من المغرب أومن مختلف أنحاء العالم. ويساعد هذا التحليل على إثراء تصميم البرامج في المستقبل.

ويتشرف البنك الدولي بأن يكون شريكا في تحقيق التقدم  والتنمية المستدامة للمغرب، وفي هذا السياق في تنفيذ البرنامج المبتكر للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية. ويبدو نجاح المبادرة  واضحا حيثما عرجنا سواء في مناطق الحضر أو في جيوب الفقر بالمناطق الريفية. وقد تسنى لي تكوين أول انطباع عن ذلك خلال زيارتي لضواحي الدار البيضاء أو المناطق الريفية القريبة من طنجة وزيارتي بالأمس لمدينة تارودانت. ففي هذه المناطق يساعد مزيج من الأنشطة المدرة للدخل والتي تعززها التعبئة الاجتماعية والخدمات الاجتماعية على توفير مورد رئيسي للرزق. وبينما أتفقد هذه المناطق رأيت النساء مسرورات بوصول المياه إلى بيوتهن رغم أنهن يدفعن المال مقابل ذلك، كما رأيت نساء يكسرن ثمار الجوز ويطحنها لاستخلاص زيت الأركان  للحصول على مورد للرزق، وأخريات يتعلمن القراءة حتى بعد أن بلغن من الكبر عتيا.

وبدا كل هذا بالنسبة لي رمزا للربط الذي يتعين علينا جميعا أن نعقده بين المهارات والفرص، وبين الجهود المحلية والأسواق الأرحب، وأن يتم الاستناد في كل هذا إلى سياسات شاملة للنمو. ونحن نعلم أن النمو الاقتصادي المستدام هو السبيل إلى الحد من الفقر، إلا أننا نعلم أيضا أن هذا الأمر لا يتأتى هكذا تلقائيا. وينبغي تحديد من هو المستهدف بين أكثر الفئات ضعفا. باختصار يتعين العثور على النساء اللائي يطحن ثمار جوز الأركان  التي يقمن بجمعها من مختلف أنحاء السهول.

وينبثق تقدير أهمية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من الفهم العميق لمدى انتشار الفقر، ولأبعاده وللعوامل المسببة له. وقد ساعد مزيج السياسات الموجهة إلى النمو وبرامج الارتقاء الاجتماعي بالمغرب على إحراز نجاحات مقبولة في مواجهة الفقر الذي انخفض من 15 إلى 9 % في الفترة من 2001 إلى 2007. ومع هذا، فإن التحديات الماثلة على الطريق تستدعي أن يصبح المغرب في وضع يتيح له التعامل مع الفقر والفوارق الأكثر عمقا. فعلى سبيل المثال:

  •     يبلغ معدل انتشار الفقر بين الفئات الضعيفة حوالي 17.5% (في السنوات 2006/2007)؛
  •     مازال الفقر سائدا في المناطق الريفية إذ يقترب معدل انتشاره من 14.5%؛
  •     43% من سكان المغرب يعيشون في المناطق الريفية؛

    أكثر من 70 % من نساء الريف أميات، مما يزيد معدل وفاة الأمهات 45 مرة عما هو سائد في أوروبا رغم أن الأرقام الأخيرة تشير إلى تحسن كبير؛

    والفروق بين المناطق صارخة إذ يمكن أن تصل معدلات الفقر في المناطق الجبلية الوعرة إلى 35%.

ومع إدراك هذه الحقائق والاتجاهات منذ مطلع عام 2000، تجري محاولات لتبني نُهُج لإعادة التوزيع وتحقيق الإنصاف في تقاسم ثمار النمو. وتتضح استراتيجية النمو الموجهة لخدمة الفقراء فيما اقترنت السياسات الرامية إلى تشجيع القطاعات الإنتاجية بتعزيز الحصول على خدمات التعليم والصحة التي تساعد مختلف الدول على تنمية القوى العاملة بغرض تعزيز النمو الاقتصادي. وبحلول منتصف عام 2000، كان هناك وعي أكبر بالفوارق والفجوات في الوقت الذي تصاعدت فيه الضغوط السكانية على مر العقود. واستكمالا وإتماما لبرامج الفقر والبرامج الاجتماعية الجارية، تركز المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على التعامل مع الفقر العميق الجذور من خلال وضع خريطة مفصلة للفقر.

وتشكل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية برنامجا طموحا وواسع النطاق ومبتكرا في نطاق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.  فهي تكسر قالب البرامج التي تحركها اعتبارات مركزية و التي لا تمت بصلة لواقع المجتمعات المحلية. فالسمة المميزة لها هي التركيز على العمليات التي تنطوي على المشاركة وصنع القرار داخل المجتمع، بما في ذلك المجتمع المدني والنواب المنتخبين والخبراء التقنيين في لجان الإدارة العامة على مختلف المستويات. وهذا التوجه التشاركي هو عامل التغيير في اللعبة. وربما يكون من الصعب قياس ذلك، بيد أن العنصر الجوهري فيما نطلق عليه الآن التنمية المدفوعة باعتبارات المجتمع المحلي (CDD) يتمثل في كونه يجعل  المستهدفين بجهود التنمية هم من يصنعون القرارات المتعلقة بما ينبغي أن تكون عليه هذه الجهود.

إذن ما الذي تعلمناه عن الكيفية التي تعمل بها مشاريع التنمية المدفوعة باعتبارات المجتمع المحلي؟ مشروع التنمية المدفوعة باعتبارات المجتمع المحلي هو المشروع الذي يقرر فيه المجتمع المحلي بالإجماع ما ينبغي عمله، وهو المشروع الذي ينخرط في إدارة الموارد من خلال توفير العمالة، وضمان الشفافية والرقابة المستمرة والصيانة. ونعلم أيضا أن المكونات المعتادة لأي مشروع جيد من مشروعات التنمية المدفوعة باعتبارات المجتمع المحلي تشمل البنية التحتية والوصول إلى الخدمات، وهو برنامج لكسب العيش يدر دخولا على المجتمعات المحلية ويساعدها على بناء قدراتها.

وغالبا ما يمثل مكون موارد الرزق وكيفية إطلاقه واستمراره تحديا خاصا وعلى ذلك فمن الضروري ربطه بالأسواق التي تضمن مستقبل أي مشروع. بمعني آخر، كيف ينمو رأس المال الاجتماعي الصغير ويتحول إلى رأس مال اقتصادي أكبر؟ بمعني آخر، كيف نحول الفقير إلى شخص مقبول مصرفيا؟ في الهند، انتظمت 9 ملايين سيدة في مجموعات للمساعدة الذاتية على مستوى القرية مما أسفر عن تكوين مدخرات تزيد عن 350 مليون دولار من ناحية، وتدفقات ائتمانية من البنوك التجارية للمجموعات المحلية تصل إلى نحو مليار دولار من ناحية أخرى. يساعد ذلك على تحريرهن من قيود المرابين المستغلين ويحولهن إلى الائتمان ذي الأسعار التنافسية. كما تبين في الهند أن الربط المباشر بالأسواق (بمعنى آخر الاستغناء عن الوسيط) قد ساعد على أن تكون شروط التبادل التجاري لصالح الفقراء وزاد الأسعار التي يحصلون عليها مقابل منتجاتهم بما يتراوح بين 30 و40 %.

ومشروع كيكامانتان الإنمائي الشهير الآن في إندونيسيا اتسع نطاقه منذ تدشينه عام 1998 ليتحول إلى برنامج وطني لتمكين المجتمعات المحلية من أسباب القوة وليشمل كل البلاد باعتباره البرنامج الرئيسي لتخفيف وطأة الفقر في إندونيسيا. وأدى هذا البرنامج إلى خلق فرص توظيف جديدة على مستوى القرية كما شهد مشاركة المرأة وفقراء الريف بنسبة تصل إلى 45 %. وارتفع عدد الأسر التي تحررت من براثن الفقر في الأحياء الفقيرة بنسبة تفوق  10 % حيثما تم تطبيق مشروع كيكامانتان عنه في المناطق التي لا يشملها المشروع. ومن المثير للاهتمام أن الهيئات الحكومية المحلية في إندونيسيا قد بدأت في تبني نهج التنمية المدفوعة باعتبارات المجتمعات المحلية، وغالبا ما تتنافس مع بعضها  البعض على مؤشرات التنمية البشرية من أجل الفوز بموارد أفضل.

وثمة درس هام تعلمناه في البرازيل وهو أن القواعد البسيطة للعبة والتي يتم بمقتضاها إسناد السلطة وصنع القرار لهيئات المجتمع المحلي لها تأثير كبير على كفاءة الإنفاق وأيضا على نتائج التنمية البشرية. فالتخطيط بالمشاركة يتيح للمجتمعات المحلية أن تكون أكثر يقظة تجاه توفير تكاليف المشروعات بما في ذلك خلال مراحل المناقصات والمشتريات وأيضا خلال تنفيذ الخطط. وتوفر التجربة رؤى مفيدة ينبغي أن نضعها نصب أعيننا ونحن ننقح تصميم البرنامج المغربي من أجل تعظيم أثره. فعلى سبيل المثال: إذا كان لأصحاب المصلحة أن يحافظوا على هذه الثقة في برامج مجتمعهم المحلي والاهتمام بها فعليهم أن يسهروا على تحويل اختياراتهم ومشروعاتهم المفضلة إلى أفعال ملموسة. ومن المهم للغاية أن يكون هناك التقاء بين خطط المشاركة النابعة من أسفل إلى أعلى وبين ميزانيات القطاع الصادرة من أعلى إلى أسفل لضمان الاتساق بين الأولويات. كما أن التأكد من عدم ضياع أفكار المجتمع المحلي في الأروقة الرسمية يمثل عنصرا أساسيا في التوفيق بين العرض والطلب.

ويعتبر استخلاص الدروس من التنمية المدفوعة باعتبارات المجتمعات المحلية عملية جديدة ومستمرة. وهذا التوجه حديث نسبيا في عالم التنمية وقد ظهر فقط خلال العقد الماضي تقريبا. وبينما يستقر هذا النهج بقوة في أيدي المجتمعات المحلية بحكم تصميمه، فإن التعبئة الاجتماعية - التي تشكل بالضرورة الركيزة له - تستغرق وقتا وتتطلب صبرا. أقول ذلك لأن المغرب في وضع جيد الآن ليتعلم دروس الآخرين ويستخلص دروسه الخاصة. ويمكن أن تجد المشروعات المدفوعة باعتبارات التنمية المحلية في المغرب مستقبلا ما يثريها من المعرفة.

إذن دعونا نستشرف هذا المستقبل للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

أولا، أود أن نتبادل ذلك في وقت لاحق من هذا العام حينما يخرج باحثو البنك الدولي برؤية عالمية عن اتجاه التنمية المدفوعة باعتبارات المجتمعات المحلية، ونتوقع أن نحصل عام 2014 على تقييم قوي ومستقل. وكي تكون المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أكثر استنارة في مسائل الاستدامة، ينبغي أن نحقق نتائج تتعلق بزيادة الأنشطة المدرة للدخل والتي تصل إلى ملايين الفقراء بشكل مستدام.

ثانيا، في الوقت الذي جاءت فيه المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بكل من المجتمع المدني والنساء والشباب إلى الطاولة، فإن الصوت الفعال لهؤلاء ومشاركتهم في تصميم وتنفيذ المشروعات لم يبرز بعد. ومن ثم يتعين أن تكون الخطوة التالية لإثراء هذا النهج هي بناء المزيد من القدرات لدى هذه الفئات حتى تكون نوعية مشاركتهم في أي مبادرة وطنية للتنمية البشرية مستقبلا مجدية. وتتطلب جهود مشروعات التنمية المدفوعة بالمجتمعات المحلية تكاتفا أطول واستثمارات أكثر صبرا وحجما في التعبئة الاجتماعية للانتقال من التمثيل إلى المشاركة الحقيقية.

ثالثا، هناك ميزة قوية في تعزيز التوفيق بين خطط التنمية إجمالا واستراتيجيات وموارد القطاعات من جهة وبين الأهداف المختلفة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية من جهة أخرى. ومن شأن زيادة التنسيق الوطني والإقليمي على مستوى الوزراء والهيئات، وخلال مراحل استثمار رأس المال والتشغيل والصيانة في التنمية الريفية والصحية والتعليمية والاجتماعية أن يساعد في هذا المجال.

رابعا، يساعد الرصد والتقييم الفعال في إفادة التصميم والتنفيذ بشكل منتظم وإن كان التحدي الرئيسي يكمن في رصد المشروعات الصغيرة العديدة.

وباختصار، فإن الاستفادة من هذه الدروس وتعزيز برنامج التنمية المدفوعة باعتبارات المجتمع المحلي يمكن أن يكونا حليفين هائلين في مساعدة المغرب على المضي قدما في تنفيذ أجندة الحد من الفقر.

 

Api
Api

أهلا بك