خطب ونصوص

شراكة للحلول من أجل إنهاء الفقر

10/16/2013


التعاون في تبادل المعرفة، والتعلّم، والابتكار كعوامل تسريع رئيسية أمام المنتدى العالمي للمعرفة سيول, جمهورية كوريا

بالصيغة المعدة للإلقاء

يُشرفني أن أكون هنا حاذياً حذْو جيم يونغ كيم، رئيس مجموعة البنك الدولي، الذي وقف متحدثا أمام هذا المنتدى في العام الماضي.

أود أن أتحدث إليكم عن إنهاء الفقر -- وحيثُ إننا في رحاب المنتدى العالمي للمعرفة فإنّي أريدُ أن أتكلم تحديداً عن كيف يمكنُ لنهج تعاوني لتبادل المعرفة والتعلم والابتكار أن يصبحَ عاملا قويا لتسريع وتيرة جهودنا الجماعية لإنهاء الفقر.

مشكلة الغانج

لكنى أريدُ أولاً أن أبدأ بقصة من وطني الأم، الهند، ألاَ وهي قصة نهر الغانج.

فالغانج نهرُ مقدس في طقوس العبادة عند الهندوس بوصفه الأمّ كانكا. ومياهُه طاهرة، لها قدسية خاصة، يغتسلون فيها لتطهرهم من جميع الذنوب والآثام. ويوفر نهر الغانج 25 في المائة من الموارد المائية في الهند. ويمتد حوض النهر لأكثر من 2500 كيلومتر وهو أكثف منطقة مأهولة بالسكان في العالم. إذ يعتمد 400 مليون شخص، أغلبهم شديدو الفقر، على هذا النهر في تدبير أمور المعيشة ومطالب الحياة اليومية.

ولكن كم يثير الحزن والأسى اليوم أن نرى الغانج يعاني سكرات الموت. فموجات التمدد العمراني والتصنيع السريعة التي يعتريها سوء التخطيط قد جعلته النهر الأكثر تلوثاً في العالم. ويتم يوميا تصريف أكثر من 250 مليون لتر من مياه الصرف غير المعالجة في نهر الغانج مباشرة. والحقيقة اليوم أن الاغتسال في الغانج لا يُطهر المرء بل يصيبه بالمرض. فها هي التكاليف الصحية تصلُ في حوض الغانج وحده إلى حوالي 4 مليارات دولار سنويا.

إن مشكلة الغانج ليست مجرد مشكلة كبيرة الحجم فحسب، بل هي أيضا مشكلة بالغة التعقيد. فالأمر لا يقتصر ببساطة على تنظيف النهر، بل يتعلق بكيف تسنّ الحكومات الأنظمة والقوانين، وكيف تحقق الشركات أرباحها، وكيف يعيش الناس حياتهم. تمتد جذور مشكلة الغانج عبر قطاعات كثيرة مختلفة ــ منها على سبيل المثال لا الحصر الزراعة، والإدارة الحضرية، والبيئة. وتطال هذه المشكلة أيضا العديد من الفئات صاحبة المصلحة المباشرة في المجتمع وأهمها ملايين الفقراء الذين يعتمدون على النهر في تدبير شؤون الحياة وتأمين سبل كسب عيشهم.

ثمة بلدان أخرى تواجه باطراد تحدياتٍ معقدةً ومتعددة الأبعاد ذات أهمية قصوى في تحسين حياة الفقراء: تشمل مثلا خلق الوظائف في البلدات والضواحي في جنوب أفريقيا؛ أو توفير سبل الحصول على الماء في اليمن. وليس لهذه المشاكل حلول فنية بعينها – فبناء الطرق والجسور وحدها لا يكفي. إنها مشاكل تتطلب التحلي بالتواضع والقدرة على التعاون والتعلّم من خبرات الآخرين وتجاربهم، والقدرة على الابتكار ونشر الابتكارات الناجحة.

يكمن التحدي الماثل أمامنا في كيف نستطيع جمع الكلمة وتوحيد الصف وحل المشاكل ذات الصبغة التحويلية هائلة الحجم وشديدة التعقيد والأثر لتلوث نهر الغانج؟ يقع هذا السؤال في صميم الإستراتيجية الجديدة لمجموعة البنك الدولي.

 

الأهداف والإستراتيجية الجديدة لمجموعة البنك الدولي – ضرورة الشراكة من أجل إيجاد الحلول

في أبريل/ نيسان الماضي، وافقت البلدان المساهمة في مجموعة البنك الدولي، البالغ عددها 188 بلدا، على هدفين هما: إنهاء الفقر المدقع بحلول عام 2030 -- مُقاسا بخفض عدد منْ يعيشون على أقل من 1.25 دولار للفرد في اليوم؛ وتعزيز الرخاء المشترك – مقاسا بزيادة مستوى الدخل لأفقر 40 في المائة من السكان. وفي الاجتماعات السنوية، قبل أربعة أيام، اتخذت البلدان المساهمة خطوة تالية بتصديقها على إستراتيجية جديدة لمجموعة البنك الدولي تركز باستمرار على تحقيق هذين الهدفين على نحو قابل للاستمرار. ويتطلب بلوغ هذين الهدفين مناّ أن نحقق أثرا أكثر عمقا وسرعة في حياة 1.2 مليار شخص من الفقراء المدقعين في العالم ممن يعيشون على أقل من 1.25 دولار للفرد في اليوم، و 2.7 مليار شخص آخرين من الفقراء والمحرومين ممن يعيشون على ما يتراوح بين 1.25 دولار إلى 4 دولارات للفرد في اليوم.

إن هذا التحدي هائلٌ بالفعل. فتحقيق هذين الهدفين معناه أنه لا يمكن أداء الأعمال بالصورة المعتادة. نحتاجُ إلى تسريع خطى الإنجاز. ونحتاج إلى توحيد جهودنا لدعم البلدان في حل مشاكلها. ولذلك نحتاج إلى شراكة الحلول لإنهاء الفقر وتعزيز الرخاء المشترك.

سوف يصبحُ الغانج نهرا نظيفا عندما تقوم الأطراف صاحبة المصلحة المباشرة في البلاد من مختلف القطاعات والمنظومات والفئات الاجتماعية بالعمل والتعلّم والابتكار معاً لتنفيذ الحلول وتكرارها في مواجهة هذا التحدي المعقد، مُستفيدةً من الشواهد العالمية "للتدابير الناجحة" والخبرات والتجارب العملية في البلدان الأخرى. وسوف يتطلب ذلك التعاون والمثابرة لحل المشاكل بمساندة من مجموعة متنوعة من الشركاء المتمتعين بنواحي القوة المختلفة والمزايا النسبية. فالتعاون للتصدي لهذه التحديات الصعبة عبر دورة الحلول، التي تدعمها المعرفة العالمية والمحلية والتعلم المتبادل والحلول المبتكرة، هو الذي يشكل "عامل تسريع" للجهود الرامية لإنهاء الفقر وبناء الرخاء المشترك.

هذا هو جوهر حلول مجموعة البنك الدولي التي تحدث عنها الرئيس كيم أمام هذا المنتدى في العام الماضي. وانطلاقا من روح التضامن العالمي الذي تكلم عنه الرئيس كيم، فإني أدعوكم للانضمام إلينا في شراكة عالمية لإيجاد الحلول لإنهاء الفقر وتعزيز الرخاء المشترك.

نهج الحلول الإنمائية

للحلول الإنمائية دورة تبدأ بفهم الطبيعة الحقيقية للمشكلة – أي تشخيصها. ولكن كم من مرّة تقدمت فيها المنظمات الإنمائية، بما في ذلك مؤسستنا، إلى البلدان بحلول فنية دون فهم حقيقي للمشكلة؟ في إطار إستراتيجيتنا الجديدة، سوف نستثمر بانتظام في عملية التشخيص المشترك. فباستخدام جميع الشواهد والقرائن ونواتج التحليل المتاحة، نريد أن نستثمر في دراسات تشخيصية قطرية منتظمة لمساعدة البلدان، في سياق خططها الوطنية، على تحديد أكبر التحديات التي تواجهها وأعظم الفرص لإنهاء الفقر وتعزيز الرخاء المشترك. وبينما يتسم هذا النهج بدقته الشديدة من الناحية التحليلية، فإنه سيكون أيضا أداة للتعلّم التعاوني فيما بين نطاق عريض من الأطراف صاحبة المصلحة المباشرة – الحكومات، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني – للاتفاق على تحديد المشاكل الرئيسية، وفهم الحقائق السياسية والاجتماعية والثقافية المحركة للحوافز والسلوكيات التي ساعدت أصلاً في خلق هذه المشاكل.

فعندما يوجد فهم مشترك للمشاكل الرئيسية بمؤشرات واضحة للنجاح، عندئذ فقط نستطيع تعبئة حزمة معززة من التمويل والمعرفة وخدمات الجمع بين الأطراف المتعددة من قبل مجموعة البنك الدولي مع شركاء آخرين لمساعدة أصحاب المصلحة المباشرة في البلدان على حل هذه المشاكل. وتؤكد شراكة الحلول الناتجة على المستويين القطري والعالمي توجهنا الجماعي نحو إنهاء الفقر.

من الواضح أن التمويل في حزمة الحلول هذه يظل العنصر البالغ الأهمية. فالمبالغ التقديرية اللازمة للبنية التحتية وحدها في البلدان النامية هائلة: تصل إلى 1.5 تريليون دولار سنويا. ولكن مجموعة البنك الدولي في حاجة إلى تناول التمويل بصورة مختلفة، وخاصة في وقت تمثل فيه المساعدات الإنمائية الرسمية أقل من 1 في المائة من إجمالي التدفقات الرأسمالية إلى البلدان النامية ويشكل الأثر المالي للبنك جزءا من تلك النسبة. ويوفر القطاع الخاص اليوم الجزء الأعظم من الاستثمارات الرأسمالية وخلق الوظائف وفرص العمل. ولذا، فإننا نحتاج إلى تطوير سبل مبتكرة لاستخدام المساعدات الإنمائية الرسمية في استقطاب موارد تمويلية أكبر من القطاع الخاص. ونحتاج إلى نهج تعاوني بين القطاعين العام والخاص للتصدي لهذه التحديات ذات الصبغة التحويلية. وبموجب الإستراتيجية الجديدة لمجموعة البنك الدولي، سنقوم بتعبئة مشتركة لموارد البنك الدولي – الذي يساند الحكومات – وموارد مؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار اللتين تساندان القطاع الخاص.

لكن المال وحده ليس هو الحل. وكيفية استخدام المال هي بيت القصيد. ولن يصبح نهر الغانج نظيفا بالمزيد من الأموال، فالأموال موجودة بالفعل. لكنه سيصبح نظيفا عندما تعمل الأطراف صاحبة المصلحة المباشرة في البلاد وتتعلمّ بطريقة تعاونية وتُثابر حتى تحقيق نتائج مستدامة.

وليس هناك مكان أفضل من كوريا لإيضاح قوة العزيمة والإصرار في التصدي لأصعب التحديات لتحقيق النجاح في مسار الرحلة من بلد كان يرزح تحت وطأة الفقر المدقع قبل 60 عاما فقط إلى بلد متقدم الآن. فلنأخذ مثلا حركة سايمول الكورية التي حققت في السبعينيات نجاحا غير مسبوق في التصدي لمشكلة شديدة التعقيد هي مشكلة الفقر في المناطق الريفية. قامت الحركة بالبناء على فهمها العميق للسياق الاجتماعي والاقتصادي السائد في المناطق الريفية في كوريا وحوّلت ذلك الفهم إلى أسلوب تم صقله والتوسع في تطبيقه بنجاح بمرور الوقت لتدعيم المعايير المجتمعية التقليدية للاجتهاد والمساعدة الذاتية والتعاون. وربما لا يمكن اليوم تكرار الحل الذي قدمته حركة سايمول "بنفس نموذجه الأصلي دون تغيير". ولكن نهج فهم مشكلة الفقر في المناطق الريفية ومعالجتها بصورة ممنهجة في ظل جميع تعقيداتها الثقافية والسياسية والاقتصادية هو نهجٌ يقدم للمجتمع الدولي دروسا قيّمة.

أجندة مجموعة البنك الدولي للمعرفة والتعلم والابتكار

فماذا إذن يمكن أن تفعله مجموعة البنك الدولي لمساندة شراكة الحلول؟ بالإضافة إلى تعبئة المزيد من التمويل من القطاعين العام والخاص، تقوم المجموعة بخمسة تحوّلات أساسية لمساعدة الأطراف المعنية في البلدان على التعاون في معالجة التحديات الرئيسية الماثلة أمام التنمية من خلال حلول إنمائية.

أولا، نسعى إلى التحول الجذري من ذهنية الموافقة على إقراض المشاريع إلى ثقافة تقديم الحلول الإنمائية، أي زيادة التركيز على النتائج؛ وزيادة طابع الواقعية العملية في تعبئة حزمة التمويل والمعرفة وخدمات الجمع بين الأطراف لتحقيق النتائج؛ وزيادة توجهات التعلم المرن والتكيفي، بما في ذلك من خلال استقاء تعليقات تقييمية في الوقت الحقيقي من المواطنين والمنتفعين؛ وزيادة التروي في خلق أماكن آمنة لاحتضان الحلول المبتكرة؛ وزيادة التركيز على التنفيذ وتحقيق النتائج. والتفاعل المستمر في تصميم الإجراءات التدخلية باستخدام الشواهد والقرائن؛ وتنفيذها بطريقة متكررة؛ والتعلّم بتأن طوال هذه العملية – وهذا جانب أساسي لما أشار إليه الرئيس كيم بـ "علم التنفيذ وتحقيق النتائج" في خطابه في العام الماضي. ولتفعيل هذا الجانب التشغيلي، سوف نساند فرق عمل من داخل مجموعة البنك الدولي وخارجها في تطوير أدوات وطرق للبدء في تطبيق دورة الحلول بدلا من دورة المشروع. وسوف نساعد هذه الفرق في جمع الشواهد والأدلة لتحديد المشاكل؛ ونساعدُها في الجمع بين الأطراف المختلفة صاحبة المصلحة المباشرة للتوصل إلى توافق في الآراء؛ ونساعدها في تصحيح المسار أثناء التنفيذ؛ ونساعدها في قياس النتائج بفاعلية.

ثانيا، نحتاج، طوال دورة الحلول هذه، إلى زيادة الاتساق في تعبئة المعرفة والابتكارات العالمية "الناجحة" والملائمة للسياق المحلي. ويتطلب ذلك تقديم أفضل الحلول المستندة إلى الشواهد والقرائن للبلدان المتعاملة معنا في البلدان من واقع ريادتنا العالمية في أبحاث التنمية، بالإضافة إلى الشراكات المنتظمة – التي تشمل الشراكة مع مؤسسات البحث والفكر الإستراتيجي، والمؤسسات العلمية والأكاديمية، ومنظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص – على الصعيدين العالمي والوطني. وبالإضافة إلى الأبحاث، فإن عالمنا اليوم غني أيضا بمصادر متعددة، وإن كانت مشتتة، للمعرفة من قبل الممارسين. ولكونها مؤسسة إنمائية عالمية فريدة، تضطلع مجموعة البنك الدولي بدور رئيسي في تعبئة هذه المصادر المتعددة للمعرفة الإنمائية حتى تساعد المتعاملين معها على حل الصعوبات والتحديات. وعلى سبيل المثال، يتيح تبادل المعرفة فيما بين بلدان الجنوب للممارسين في البلدان النامية فرصا غير مسبوقة لتبادل دروس النجاح والفشل فضلا عن المعرفة المتعمقة بنواحي التنفيذ. واليوم يريد الممارسون في البلدان النامية أن يتعلموا من بعضهم بعضا حول إنجازات مثل نجاح الصين في انتشال 500 مليون شخص من براثن الفقر في ثلاثة عقود، أو كيف أدى برنامج الفرص المكسيكي إلى تحسين الانتظام في الدراسة والتغذية المدرسية لملايين الأطفال. وهنالك اهتمام بالغ بالتعلم من نجاح كوريا – فثمة فرصة هائلة لأن تكون كوريا مركزا للمعرفة في تقديم الحلول الإنمائية. ولدينا دور مهم في تعبئة وتوسيع نطاق تبادل هذه المعرفة من خلال عملياتنا. ونحتاج إلى نشر منصات وبرامج جديدة، مثل المسابقات والمنافسات، أو استلهام الحلول العالمية والمحلية من الجمهور لتحديات معقدة ثم احتضان تلك الحلول وتوسيع نطاقها. ومن شأن المنصات المؤثرة -- مثل الموقع الإلكتروني لشركة علي بابا الصينية المعنية بتسويق المنتجات المحلية على نطاق واسع من أسفل الهرم، أو تطبيقات الهاتف المحمول التي تساعد الفقراء في تقديم تعليقات تقييمية على تقديم الخدمات – أن تعزز كفاحنا لإنهاء الفقر. ونحتاج إلى ترسيخ وتوسيع نطاق هذه النهج المبتكرة أمام رواد الأعمال والمواطنين في جميع أنحاء العالم عبر عملياتنا، وقدرتنا على الجمع بين الأطراف، والشراكات القائمة.

ثالثا، إلى جانب تعبئة المعرفة والابتكارات العالمية، نحتاج إلى زيادة انتظام رصد وتعبئة ونشر المعرفة التشغيلية والابتكارات الداخلية في أرجاء مؤسستنا وقاعدة المتعاملين معنا. ففي أي يوم من الأيام، تنخرط مجموعة البنك الدولي في العديد من التعاملات والعمليات في أكثر من 100 بلد. ولكن يعيق تبادل هذه المعرفة التشغيلية ضعفُ الحوافز بما في ذلك التقسيم المؤسسي إلى صوامع إقليمية ذات تدفق محدود للغاية للخبرة التخصصية والمعرفة فيما بينها. ولتحقيق هذه الغاية، قمنا بإجراء إصلاحات تنظيمية واسعة النطاق عن طريق إنشاء وحدات مجمعة تضم خبراء فنيين في الممارسات العالمية لتفعيل تدفق نواتج الملكات الفكرية والمعرفة في جميع مؤسسات مجموعة البنك الدولي. وسوف نقدم حوافز تشجيعية وأنظمة مساندة للقيام بصورة منهجية بتقنين ما نتعلمه من التفاعلات والعمليات ومن الخبراء الخارجيين على منصة عالمية للتدابير الناجحة كل في الظروف المختلفة وإتاحتها على نطاق واسع. وسوف نواصل أيضا تسهيل إتاحة بيانات البنك للجمهور. كما سنضاعف جهودنا المعنية بخلق ثقافة الابتكار وتحمل المخاطر الذكية، وإنشاء أماكن آمنة للموظفين والخبراء للمشاركة في خلق حلول مبتكرة مع الشركاء من خلال تجريب منضبط قائم على البيانات.

رابعا، نحتاج إلى ترجمة هذه المعرفة العالمية والمحلية بصورة منتظمة إلى برامج تعلم فعالة للمتعاملين معنا في البلدان الأعضاء ولموظفينا من أجل تحسين قدرتهم على تحقيق النتائج. وسوف نجمع المتعاملين معنا وموظفينا سويا في ساحة للتعلم المفتوح لكي يتعلموا من بعضهم بعضا ويشاركوا في تطوير المهارات اللازمة لحل التحديات المعقدة في وقتنا هذا. وسوف نغتنم الفرصة لإحداث تحول دراماتيكي في توسيع نطاق التعلم بسبل تشمل مثلا الدورات الواسعة النطاق المفتوحة عبر الإنترنت.

خامسا، لتسريع تحقيق النتائج، لا نحتاج إلى تدعيم المهارات الفنية فقط، لأن مهارات بناء القيادة والتحالفات مهمة أيضا لإدارة معوقات الاقتصاد السياسي وتحقيق التغيير المطلوب. كما نحتاج من خلال برامج التعلم إلى تدعيم مهارات القيادة التعاونية لعوامل التغيير، أي الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، ليتمكنوا من صياغة رؤية مشتركة وبناء تحالف من أجل العمل، وتحديد الأولويات، ومتابعة تحقيق النتائج، والمثابرة والإصرار في مواجهة المعوقات التي لا مفر منها، وتحقيق نتائج واضحة وملموسة. وتشكل المساعدة في بناء كوادر قيادية جديدة في البلدان النامية وداخل مؤسستنا أولوية عليا بالنسبة لنا من أجل شحذ قوة عوامل التغيير كمحركات لإنهاء الفقر. وقد بدأنا فعليا في بناء شبكة من القادة معنية بتحقيق النتائج (رؤساء دول من 6 حكومات جديدة) ونعتزم تحقيق التسلسل التعاقبي لهذه الشبكة داخل البلدان وفيما بينها.

للمساعدة في تنفيذ هذه الأجندة، أستحدث الرئيس كيم، لأول مرة في تاريخ مجموعة البنك الدولي، مكتبا لنائب الرئيس لشؤون المعرفة والتعلم والابتكار. وهو جهد مُكمل لمكتب النائب الأول للرئيس الذي يتولى قيادة أبحاث التنمية والقيادة الفكرية لقضايا التنمية. ونهدف إلى تمكين مجموعة البنك الدولي بأكملها من تعميم وتوسيع نطاق المعرفة العالمية والتعلم والابتكار في كل بلد من خلال كل مشاركة تفاعلية. ونسعى إلى بناء منصة مادية وافتراضية للقيادة والتعلم وتبادل المعرفة بصورة مشتركة بين المتعاملين معنا وموظفينا من أجل تحسين قدرتنا الجماعية على تسريع خطى إنهاء الفقر. ونسعى إلى تحقيق ذلك عبر شراكة مفتوحة مع الآخرين - من الحكومات والمنظمات الدولية والقطاع الخاص والشركاء المانحين والدوائر العلمية والأكاديمية والمجتمع المدني.

شراكة عالمية للحلول

وفي سياق المضي قدما إلى الأمام، فإن التحدي الذي أريد أن أتناوله معكم قبل أن أنهي كلمتي اليوم هو كيف يمكننا كشركاء تسريع خطى إنهاء الفقر وبناء عالم الرخاء المشترك بالتعاون في التصدي لأهم التحديات التي نواجهها كشركاء. فدعونا نتعاون معا كأفراد ومنظمات وبلدان، من جميع التخصصات وجميع فئات المجتمع، كلُ بما لديه من جوانب قوة ومهارات، لنقوم بتشكيل "شراكة للحلول" للعمل سويا لدعم الإجراءات الجماعية متعددة الأطراف على أرض الواقع، والاستفادة المنتظمة من المعرفة والتعلم والابتكار في المساعدة على حل التحديات الإنمائية الكبرى.

هذه هي الدعوة التي أوجهها إليكم اليوم.

قصة النهر الثاني

بدأت حديثي بسرد قصة من الهند وطني الأم – هي قصة نهر الغانج المعتل الصحة. فاسمحوا لي في النهاية أن أحاكي نقطة البداية فأسرد قصة نهر آخر – وهي حكاية من هذا البلد، بل من مدينة سيول نفسها. إنها قصة نهر تشونغتشون الذي كان عليلا فيما مضى ولكنه الآن موفور الصحة والعافية.

تشونغتشون هو نهيْر طوله 6 كيلومترات يبدأ من قلب مدينة سيول ويمر عبر أحيائها حتى المصبّ في نهر هانغانغ. في فترة الخمسينيات، شهدت سيول معدلات نمو سريعة. وأسفرت الهجرة إليها عن نشوء أحياء فقيرة من بيوت هزيلة مؤقتة على ضفاف هذا النهير. وأدى نقص شبكات الصرف الصحي الملائمة والتلوث من الصناعات الخفيفة إلى أكوام القمامة والنفايات التي كان ينتهى بها المطاف في مجرى النهير الذي أصبح لقذارته وتلوثه قبيح المنظر كالقذى في العين. وفي عام 1958، تمت تغطية هذا النهير بالخرسانة المسلحة كحلٍ في ذلك الوقت – كطريق سريع مرتفع طوله 5.6 كيلومتر وعرضه 16 مترا. ولكنه أصبح بعد الإنشاء ممرا مظلما قذرا شديد الجلبة والضوضاء.

قبل عشر سنوات، مارس عمدة المدينة ذو الرؤية المستقبلية القيادة الجريئة، حيث تبنى فكرة بعيدة الاحتمال هي إزالة الطريق السريع واستعادة النهير. كانت الفكرة باهظة التكلفة ومثيرة للجدل لا تحظى بالتأييد الشعبي. وشكل العمدة تحالفات غير محتملة تضم طائفة متنوعة للغاية من أصحاب المصلحة المباشرة بهدف صياغة رؤية مشتركة والضغط من أجل إنجاز هذا العمل الجريء. انظروا إلى تشونغتشون اليوم - إنه اليوم مَعْلمٌ جميل يوحد المدينة، بعد أن كان قبل عشر سنوات سببا لنشر الفرقة والانقسام فيها.

كان نهير تشونغتشون مشكلة مستعصية في سيول مثلما هو حال نهر الغانج في بلدي الآن. ولكن هذا النهير يقف اليوم شامخا ورمزا دوليا للتجدد الحضري المستدام.

كيف يمكنُنا مساعدة الممارسين والعاملين في مجال التنمية في شتى أنحاء العالم على استلهام هذه الروح والتعلم من هذا المثال وأمثلة أخرى كثيرة للإجراءات ذات الصبغة التحويلية من أجل تحسين أحوال العالم وانتشال 4 مليارات شخص من براثن الفقر والحرمان؟ هذا هو التحدي الماثل أمامنا، والواجب والمسؤولية الأدبية الملقاة على عاتقنا للمضي قدما إلى الأمام.

شكرا لكم.

 


Api
Api

أهلا بك