Skip to Main Navigation
خطب ونصوص 03/29/2021

بناء انتعاش أخضر شامل قادر على الصمود: كلمة رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس

يمكنك مشاهدة إعادة الحدث هنا

مقدمة

شكراً لكِ البارونة شفيق. إنه لمن دواعي سروري أن أكون هنا معكم، موظفة سابقة مرموقة من مجموعة البنك الدولي وغيرها من موظفي البنك الدولي السابقين المرموقين في كلية لندن للاقتصاد، ومن بينهم اللورد ستيرن، كبير خبرائنا الاقتصاديين السابق.  وشكرا لكلية لندن للاقتصاد على استضافتي عبر شبكة الإنترنت.  اليوم، سأمهد الطريق قبل اجتماعات الربيع للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ويتيح ذلك فرصة لإشراك الشركاء في مسائل ملحة، من بينها العمل على قضايا تغير المناخ والديون وعدم المساواة، والسعي بجد لتحقيق انتعاش أخضر شامل وقادر على الصمود.

اسمحوا لي أن أبدأ بالاعتراف بأهمية المملكة المتحدة ضمن مجموعة البنك الدولي،  فهي أكبر مساهم في المؤسسة الدولية للتنمية.  وهي خامس أكبر مساهم في البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وأنا أتمتع بعلاقات قوية مع رئيس الوزراء جونسون، ووزير الخارجية راب، ووزير الخزانة سوناك، ومحافظ بنك إنجلترا بيلي، وألوك شارما، رئيس الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، وأعضاء البرلمان، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، والأوساط الأكاديمية، ووسائل الإعلام.  ويعمل مكتبنا في لندن على تعزيز التوافق حول أجندة التنمية الدولية وبناء منصة للتعاون بشأن الأولويات المشتركة.

بعد مرور أكثر من عام على تفشي جائحة فيروس كورونا، ظهر أن نطاق المأساة لم يسبق له مثيل: 127 مليون إصابة، و2.8 مليون وفاة، وأكثر من 100 مليون شخص دُفعوا إلى براثن الفقر المدقع، أي ما يعادل فقدان 250 مليون وظيفة، وربع مليار شخص دُفعوا إلى دائرة الجوع الحاد.  وإلى جانب الأضرار الفورية، تترك الجائحة "ندوباً" دائمة:  المدارس المغلقة والتقزم البدني للأطفال؛ وانهيار شركات وفقدان فرص عمل؛ واستنفاد المدخرات والأصول؛ وتراكم الديون التي من شأنها أن تضعف الاستثمار وتضغط على الإنفاق الاجتماعي العاجل.

لقد انتشرت جائحة كورونا بين الفقراء انتشار النار في الهشيم.  وجاءت الجائحة لتمتد فوق أزمات عديدة مستعرة - تصاعد الصراع وأعمال العنف، وانتشار مخيمات اللاجئين، وركود الدخول المتوسطة، والإقراض المتهور وعقود ديون تم اختيارها بشكل سيئ، والأضرار الناجمة عن تغير المناخ.  ولأن هذه الأزمات كانت تتفجر بسرعات مختلفة، فإن الاتجاه الطبيعي في كل مكان كان التصدي لها بشكل منفصل - أزمة واحدة في المرة، دون إيلاء قدر كافٍ من الاهتمام لما بينها من وصلات متقاطعة، وهو الأمر الذي ربما كان أتاح الاستجابة بمزيد من الفعالية.

إن العالم يطور حاليا خط رؤية أفضل وهو يمضي قدما.  فاستجاباتنا الجماعية للتصدي للفقر وتغير المناخ وعدم المساواة ستكون هي الخيارات المحددة لعصرنا.  لقد حان الوقت للتحرك على وجه السرعة نحو الفرص والحلول التي تحقق نموا اقتصاديا مستداما واسع النطاق دون إحداث أضرار بالمناخ أو تدهور بالبيئة أو ترك مئات الملايين من الأسر في حالة فقر.  إن نهجنا إزاء هذه الأزمات المترابطة يُعنى بتحقيق تنمية تراعي المناخ، قادرة على الصمود، وشاملة للجميع.

وفي كلمات سابقة، كنت قد ذكرت تفاصيل بعض الإجراءات التي اتخذتها مجموعة البنك الدولي لمساعدة البلدان المعنية على الاستجابة لجائحة كورونا والتصدي لما أسميتُه "جائحة عدم المساواة" والعمل على تحقيق الانتعاش الاقتصادي.  وتشمل هذه الإجراءات برامج صحية طارئة جديدة تتعلق بجائحة كورونا في 112 بلداً، وعمليات التلقيح التي نتوقع أن تصل قيمتها إلى 4 مليارات دولار من الارتباطات المتاحة في 50 بلداً بحلول منتصف العام، ومضاعفة سريعة لمواردنا التمويلية للأنشطة التجارية ورأس المال العامل من أجل المساعدة في ملء الفراغ المصرفي الذي أصاب القطاع الخاص.  وعلى الرغم من القيود المتعلقة بالعمل من المنزل بسبب الجائحة، فقد سجل البنك الدولي نمواً قياسياً في تنفيذ البرامج بنسبة 65% عام 2020، وهو ما يمثل زيادة أعلى من الذروة التي بلغها في الاستجابة للأزمة المالية العالمية عام 2009، ويستمر هذا المستوى المرتفع من التنفيذ في عام 2021.  ومن المهم أن يكون لكل ارتباط أكبر أثر ممكن على التنمية، فضلا عن وجود سياسات قوية للعمليات وإجراءات متينة للاستعراض.  إننا نبني ثقافة التنافس، حيث نشجع موظفينا المتنوعين المتعددي التخصصات وذوي الخبرات العالمية على الطعن في وجهات نظر بعضنا البعض والمساعدة في تحسين جودة العمليات، في جميع مراحل الإعداد والتنفيذ.

كما أن الملاحظات الخارجية حيوية أيضا، بما في ذلك من المهنيين العاملين في حقل التنمية والجامعات مثل جامعتكم.  وكل إطار من أطر الشراكة مع البلدان المعنية يجري إعداده بمشاركة المواطنين.  ونعمل على مساعدة البلدان المعنية على بناء "منابر قُطرية" للمشاركة مع مجموعات أوسع من الجهات الفاعلة في مجال التنمية في إنشاء البرامج التي ندعمها.  ويشارك الخبراء الخارجيون بشكل متكرر في إعداد مشاريعنا وبرامجنا.  وفي العام الماضي، اتخذنا خطوات هامة لتعزيز آليات المساءلة لكل من البنك الدولي، و مؤسسة التمويل الدولية، والوكالة الدولية لضمان الاستثمار.  ومن الجدير بالذكر أن مؤسسة التمويل الدولية قد ارتبطت بتمويل طويل الأجل بقيمة 330 مليار دولار في الفترة من 1960 إلى 2021، وقد تم تنفيذ مشروعات بأكثر من نصف هذا المبلغ في السنوات العشر الماضية.

وأشجع كلا منكم على قراءة البرامج القطرية للبنك الدولي ووثائق المشاريع وتبادل معارفنا، من أجل تدبّر ما يصلح، وما قد لا يصلح.  إن النواتج التنموية الجيدة في بلدان العالم تقع في صميم رسالة البنك وأنشطته.  وينتشر التحدي إلى كل تخصص أكاديمي، فنحن بحاجة إلى تحقيق تقدم أسرع في جميع المجالات - المياه والتغذية والتعليم والصحة والبنية التحتية والحصول على الكهرباء والحوكمة واللوائح التنظيمية والضرائب والقدرة على الاتصال والشمول والتسامح وطائفة واسعة من القضايا الهامة الأخرى.

سأركز اليوم على ثلاثة من أكثر التحديات إلحاحاً – المناخ، والديون، وعدم المساواة.  لكن اسمحوا لي أولاً أن أعرض عليكم  نبذة من الخلفية والسياق.

تم إنشاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عام 1944 قبل أن تنتهى الحرب العالمية الثانية.  وكان الهدف الأول للبنك هو إعادة الإعمار والتنمية في مرحلة ما بعد الحرب، وكان أول مؤسسات مجموعة البنك الدولي هو البنك الدولي للإنشاء والتعمير.  واليوم، يضم البنك 189 دولة عضواً، أو مساهماً، ويعمل إلى حد ما كبنك غير ربحي، حيث يقدم للحكومات قروضاً بأسعار فائدة مُعومة وثابتة لأغراض التنمية، مثل دعم الإنفاق على المياه النظيفة أو مواجهة تغير المناخ أو التعليم.

والذراع الثانية الهامة للبنك هي المؤسسة الدولية للتنمية، التي تأسست عام 1960 بغرض صريح هو مساعدة أشد بلدان العالم فقرا.  تهدف المؤسسة إلى الحد من الفقر من خلال تقديم منح وقروض طويلة الأجل جداً بدون فائدة أو بفائدة شديدة الانخفاض.  وفي السنة المالية المنتهية يوم 30 يونيو/حزيران 2020، بلغ مجموع ارتباطات المؤسسة 30 مليار دولار، تم تقديم 26% منها في شكل منح لعدد 305 مشروعات.  وقدمت المؤسسة منذ تأسيسها، أكثر من 450 مليار دولار لعمليات استثمارية في 114 بلداً.  وهي طريقة فعالة للمانحين لتقديم تمويل مُيسّر للغاية للدول الفقيرة.  ونظراً لخطورة هذه الجائحة، تمكنت المؤسسة الدولية للتنمية من تسريع وتيرة ارتباطاتها التمويلية بشكل كبير عام 2020، ويسعدني أن أقول إن مساهمينا وافقوا على تجديد مبكر لموارد المؤسسة من أجل مواصلة المستويات المرتفعة الحالية من المساعدات المُقدمة لأشد البلدان فقرا.  ونعمل على استكمال تجديد موارد المؤسسة في الدورة العشرين الطموحة بحلول شهر ديسمبر/ كانون الأول، وذلك بدعم من المساهمين الرئيسيين، ومن بينهم المملكة المتحدة.

إن مجموعة البنك الدولي هي أكبر بنوك التنمية المتعددة الأطراف، حيث قدمت أكثر من 100 مليار دولار من المنح والقروض خلال العام الماضي وعبأت ما يقرب من 100 مليار دولار من أسواق السندات العالمية.  وبالإضافة إلى البنك الدولي للإنشاء والتعمير والمؤسسة الدولية للتنمية، لدينا ذراع هامة لدعم القطاع الخاص هي مؤسسة التمويل الدولية، ووكالة ضمان لدعم الاستثمار في البلدان النامية هي الوكالة الدولية لضمان الاستثمار.

وخلال فترة رئاستي، قمنا بالعديد من التغييرات الهامة في مجموعة البنك الدولي لجعل عملنا فعالاً قدر الإمكان.  وأود أن أذكر هنا إعادة تنظيم عمليات البنك التي تم الانتهاء منها في شهر يونيو/حزيران الماضي.  فهي تزيد من مساءلة جهاز الإدارة وتقرّب الموظفين من البلدان المتعاملة معنا ومن البرامج القطرية.  وقد أدت عملية إعادة التنظيم إلى زيادة التركيز على الأثر على المستوى القطري، بدعم من برامج وبحوث معرفية أكثر صلة بالعمليات وأكثر تركيزا على السياسات.  ويتمثل الهدف التنظيمي في تطبيق المعارف العالمية للبنك الدولي داخل البلدان المتعاملة معه لتحقيق نواتج إنمائية ذات أثر تحوّلي وقابلة للتوسع.  وعلى الصعيد القُطري، فإننا نركز أكثر على البلدان المنكوبة بأوضاع الهشاشة والصراع والعنف.  وقد وسعنا من نطاق حضورنا وتنفيذ عملياتنا في هذه البلدان، وهو الأمر الذي سيكون حاسما في أعمالنا الرامية إلى مساندة اللاجئين، والحد من الهجرة والعنف، ومساعدة البلدان والمناطق على تحقيق الاستقرار.  وفي السنوات القليلة القادمة، ستؤدي هذه الخطوات إلى انخفاض البصمة الكربونية في واشنطن وغالبية متزايدة من موظفينا المعينين دوليا ومحليا في البلدان النامية.

الموضوع الأول: المناخ

والآن اسمحوا لي أن أنتقل إلى المناخ، وهو أحد الموضوعات الثلاثة التي أركز عليها اليوم.  أنا أعلم أننا جميعا نفكر في المناخ، وربما بشكل خاص في المملكة المتحدة بوصفها مضيفة للدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في جلاسكو في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الحالي.  ويدعم البنك الدولي البلدان النامية بقوة كي تحقق تقدما كبيرا في تنفيذ الأجندة المعنية بتغير المناخ من خلال منظور أن الاستثمار في الأنشطة المناخية يتيح فرصاً للتنمية.

ومجموعة البنك الدولي هي أكبر مصدر لتمويل الأنشطة المناخية في العالم النامي.  وقد شهدت سنتي الأولى في الرئاسة أكبر الاستثمارات المناخية في تاريخنا، والاستثمارات في سنتي الثانية في طريقها إلى أن تكون حتى أكبر.  وقد وضعنا هدفاً طموحاً جديداً وهو توجيه 35٪ للاستثمارات المناخية في المتوسط على مدى السنوات الخمس القادمة، وهذا يعني أن 35٪ من التمويل في استثماراتنا ككل يدعم المنافع المناخية للبلدان النامية.  وكي أقدم لكم فكرة عن حجم هذا الطموح، كان تمويل مجموعة البنك الدولي المعني بالمناخ على مدى السنوات الخمس الماضية يشكل 26٪ من حجم الإقراض الذي كان أقل كثيرا جدا.

وسيُستخدم تمويلنا في مجال المناخ في جهود "التخفيف" من أجل الحد من انبعاثات الدفيئة وآثارها؛ ولجهود "التكيف" لمساعدة البلدان المعنية على الاستعداد للآثار المناخية السلبية.  لقد حددنا هدفًا مهمًا ثانيًا في هذا الصدد.  فمن إجمالي تمويلنا المتعلق بالمناخ على مدى السنوات الخمس المقبلة، سيتم توجيه ما لا يقل عن 50٪ في المتوسط للتكيف.  وأتوقع أن تكون نسبة التكيف ضخمة بشكل خاص في البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية، والتي لا تمثل حاليا سوى 4٪ من الانبعاثات العالمية، حتى في الوقت الذي يعاني فيه العديد منها من آثار تغير المناخ المهددة للحياة.

وبالإضافة إلى هذه الأهداف التمويلية العالية، نعمل على تعظيم الأثر من حيث النتائج، أي تحسينات فعلية على مسار انبعاثات غازات الدفيئة، وما يتم إنقاذه من أرواح وسبل العيش من خلال التكيف.  ولمساعدة هذا الجهد، فإننا نتحرك نحو دمج الأنشطة المناخية في جميع الدراسات التشخيصية القطرية والاستراتيجيات القطرية.  فخلال العام القادم، نعتزم استكمال ما يصل إلى 25 تقريرًا عن المناخ والتنمية في البلدان المعنية.  وسنسعى إلى أن ندرج في هذه الموجة الأولى البلدان النامية التي تمثل مصدرا لأكبر الانبعاثات الكربونية، والتي تعاني من أشد أوجه الضعف إزاء تغير المناخ.  كما نعمل على تحسين قياس النتائج للمساعدة على التأكد من أن مواردنا التمويلية واستراتيجياتنا تحقق تأثيرًا.

ويتمثل أحد أهم أعمالنا المناخية في دعم البلدان بمساهماتها المحددة وطنياً، وخطط التنمية طويلة الأجل المنخفضة الكربون.  فلدى البلدان المختلفة نُهُج شديدة التباين، ونريد أن نساعدها على تحقيق التكامل بين الأنشطة المناخية والتنمية بأكبر قدر ممكن من الفعالية، بما في ذلك من خلال السياسات المالية والخطط الرامية إلى تحقيق نمو مستدام.  وفيما يتعلق ببعض البلدان، ستكون ضريبة الكربون وسيلة فعالة للمساعدة في توجيه رأس المال والاستجابة للأثر التوزيعي الناجم عن التصدي لتغير المناخ.  ففي كل عام، تقوم بلدان مجموعة العشرين وحدها بتقديم عشرات المليارات من الدولارات لدعم الصناعات ذات الانبعاثات الكربونية المرتفعة.  وإذا كان من الممكن، بدلاً من ذلك، استخدام هذه المليارات لتمويل "الانتقال العادل"، فكروا فقط في مدى السرعة التي يمكن أن نتقدم بها نحو عالم  منخفض الكربون صافي انبعاثاته صفرا.

و سوف يشمل النمو الأخضر عدة تحولات  رئيسية في النظام، في الطاقة ونظم الغذاء والتصنيع والنقل والبنية التحتية الحضرية، على سبيل المثال.  إن كل تحول معقد، ولكن هذه القطاعات تمثل 90٪ من انبعاثات غازات الدفيئة، وبالتالي فهي الأساس لخفض تلك الغازات.  ومن أكثر التحولات تحدياً وأهمية أن تحقق البلدان تحولاً عادلاً من الفحم إلى الطاقة المستدامة المنتظمة والميسورة التكلفة.  ويمكن للبنك الدولي أن يساعد مختلف البلدان في هذا الأمر، لكنه أمر معقد لعدد من الأسباب، منها:  الاعتماد الاقتصادي على الفحم، وتشريد العمال مع حدوث التحوّل، وتكلفة البنية التحتية الجديدة وشطب العديد من الاستثمارات العديدة الضخمة مؤخرا، وأهمية تحديد سبل توفير نمو سريع في الحمل الأساسي بأسعار ميسورة وموثوق بها على مدار السنة ليحل محل الفحم في الشبكات الوطنية للبلدان النامية التي تواجه فقر الطاقة.  ويحتاج العالم إلى تحقيق المزيد من الطفرات التكنولوجية قبل أن نتمكن من تحقيق عالم خال من الكربون.

إن المناخ يطرح العديد من التحديات والفرص الكبيرة للاقتصاد والتمويل والتنمية.  وأود أن أذكر عددا منها، وتشجيع المناقشة العامة.  أولاً، كيف يمكن للعالم أن يساعد البلدان الفقيرة على ضخ استثمارات ضخمة في المنافع العامة العالمية مثل تخفيض استخدام الفحم؟  هل ينبغي تقاسم التكلفة في جميع أنحاء العالم؟  إذا كانت الإجابة بنعم، فكيف ذلك؟  ثانياً، كيف يمكن مواءمة الحوافز الوطنية وتمويلها لمساعدة الناس على الانتقال إلى أنواع الوقود والوظائف الأكثر مراعاةً للبيئة، على سبيل المثال باستخدام ضرائب الكربون وضرائب البنزين؟  ثالثاً، هل يمكن إنشاء سوق فعالة لاعتمادات الكربون تسمح للبعض بانبعاثات غازات الدفيئة بينما تدفع تكلفة التخفيضات في أماكن أخرى - وليس فقط شهادات خفض الكربون نظرياً ولكن فقط إزالة الكربون الفعلية القابلة للقياس والمستدامة؟  رابعاً، كيف يمكننا أن نقيس على النحو الصحيح تكلفة دورة الحياة الكاملة ومنافع مختلف خيارات السياسات المناخية؟  خامساً، كيف يمكن لسكان البلدان الفقيرة أن يقوموا على أفضل وجه بإجراءات التكيف الضرورية، لكن المكلفة، مع تغير المناخ، وكيف يمكنهم الاستعداد على أفضل نحو لمواجهة الأوبئة والكوارث الطبيعية في المستقبل، مع العلم أن الاستعداد أفضل كثيرا من الإغاثة بعد وقوع الكوارث؟  وأخيرا، كيف يمكن تحقيق أفضل تكامل بين التقدم اللازم في مجال المنافع العامة العالمية وبين التنمية والخفض اللازم في مستويات الفقر وزيادة الرخاء المشترك؟

هذه هي الأسئلة والتحديات الرئيسية التي تقع في صميم مكافحة تغير المناخ.  ويعالج البنك الدولي هذه التحديات في أعمالنا التحليلية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وفي عملياتنا المناخية السريعة التوسع.

الموضوع الثاني: الديون

أود أيضا أن أعلّق على حالة الديون التي تواجه البلدان الفقيرة.  في البداية، اسمحوا لي أن أذكر التقدم الذي يحدث في السودان، أحد أشد البلدان الأفريقية مديونية وفقرا.  فالسودان يحمل بالفعل ندوباً من الصراع الذي استمر عشرات السنين.  ويواجه شعبه خطراً عميقاً بسبب تغير المناخ، إذ يعتمد الأمن الغذائي على هطول الأمطار، لا سيما في المناطق الريفية، التي تضم 65٪ من السكان.  وقد حقق السودان تقدما اقتصاديا قويا، بما في ذلك توحيد سعر الصرف.  وهذا عنصر أساسي في أسلوب أي بلد نحو تحقيق الاستقرار، وثبات الأسعار، وتخصيص الموارد للقطاعات الإنتاجية على نحوٍ منصف.  وبالإضافة إلى هذه الإصلاحات وغيرها من الإصلاحات في مجال السياسات، قامت جمهورية السودان بتصفية متأخراتها المستحقة للمؤسسة الدولية للتنمية، وذلك بمساعدة من حكومة الولايات المتحدة، مما أتاح إعادة مشاركتها الكاملة مع مجموعة البنك الدولي بعد ما يقرب من ثلاثة عقود، وتمهيد الطريق أمامها للحصول على ما يقرب من ملياري دولار من المنح التي قدمتها المؤسسة للحد من الفقر والانتعاش الاقتصادي المستدام.

وقد أكمل السودان أيضا، بتصفية متأخراته والتعاون مع صندوق النقد الدولي، خطوة رئيسية للحصول على تخفيف شامل للديون الخارجية في إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون.  لقد تحدثت عن السودان بإسهاب لأن هذا تقدم كبير في وقت يحتاج فيه السودان إلى مساعدة العالم لدعم تقدمه التنموي.  إن بلداناً كالسودان – التي يسحقها عبء ديون خارجية تزيد على 50 مليار دولار – لا تستطيع التصدي للفقر والاستجابة لحالة الطوارئ المناخية إلى أن يجد العالم سبلاً أفضل لمعالجة الديون التي لا يمكن تحمل أعبائها.

وفي حين يتحقق بعض التقدم في مجال الديون، فإن العديد من البلدان الفقيرة تواجه مستويات قياسية من أعباء الديون.  فحتى قبل تفشي هذه الجائحة، خلص تقرير البنك الدولي عن موجات الديون العالمية، الذي درس أسباب وعواقب الموجات الأربع من تراكم الديون التي شهدها الاقتصاد العالمي على مدى السنوات الخمسين الماضية، إلى أن نصف جميع البلدان المنخفضة الدخل كانت تعاني بالفعل من ضائقة الديون أو كانت معرضة لمخاطر كبيرة بسببها.  ولم تؤد هذه الجائحة إلا إلى تفاقم عبء الديون على الناس، الذين سيصبح العديد منهم فقراء حتى بدون دفع أصل الديون المستحقة على حكوماتهم والفائدة عليها.

وكل يوم، تحول مدفوعات خدمة الدين المرتفعة دون استخدام الموارد النادرة التي كان يمكن استخدامها لتلبية الاحتياجات الملحة كالصحة والتعليم والتغذية، وأيضاً الأنشطة المناخية.

ومنذ تفشي جائحة كورونا، أصبح البنك الدولي أكبر مصدر للتحويلات الصافية إلى المؤسسة الدولية للتنمية وأقل البلدان نمواً.  ففي الفترة من أبريل/نيسان إلى ديسمبر/كانون الأول 2020، كانت تحويلاتنا الصافية إلى هذه البلدان وحدها تقارب 17 مليار دولار، منها 5.8 مليار دولار بشروط المنح، وبلغ حجم ارتباطاتنا الجديدة نحو 30 مليار دولار.  بيد أن ثمة حاجة إلى المزيد العمل والجهود. 

وقد ساعدت مبادرة مجموعة العشرين لتعليق مدفوعات خدمة الديون، التي دعوت أنا والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، إلى تنفيذها قبل عام.  فقد مكّنت 43 بلدا من تأجيل سداد حوالي 5.7 مليار دولار من مدفوعات خدمة الدين بين شهري مايو/أيار وديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، مع توقع تحقيق وفورات إضافية تصل إلى 7.3 مليارات دولار بين ذلك التاريخ وتاريخ انتهائها الحالي في يونيو/حزيران.

ومع ذلك، كان التخفيف حتى الآن أقل مما كان متوقعا لأنه ليس جميع الدائنين هم الذين شاركوا،  فلم يشارك الدائنون الثنائيون من خارج نادي باريس في المبادرة إلا بشكل جزئي، والأكثر إثارة للقلق من ذلك كله أن حملة السندات وغيرهم من الدائنين من القطاع الخاص واصلوا تحصيل سداد كامل الأقساط طوال الأزمة.

وتبيّن تجربة هذه المبادرة أن الدائنين التجاريين لن يمتثلوا للدعوات إلى "المشاركة الطوعية" في مبادرات تخفيف أعباء الديون.  ومع بدء تنفيذ الإطار المشترك، يتعين على بلدان مجموعة العشرين أن تصدر تعليمات إلى جميع دائنيها الثنائيين من الجهات الحكومية، وأن تخلق لهم الحوافز، للمشاركة في الجهود الرامية إلى تخفيف أعباء الديون، بما في ذلك البنوك الوطنية الكبرى.  كما يتعين عليها أن تشجع بقوة الدائنين من القطاع الخاص الخاضعين لولايتها كي يشاركوا مشاركة كاملة في الجهود التي تستهدف تخفيف عبء الديون السيادية عن البلدان المنخفضة الدخل.

وهناك تدابير محددة ينبغي أن تنظر فيها بلدان مجموعة السبع لتشجيع المزيد من المشاركة.  وكمثال واحد فقط، يمكن تعديل قوانين الحصانة السيادية لتشمل الحصانة من الحجز من جانب الدائنين التجاريين الذين يرفضون المشاركة في معاملة إطار مشترك تشارك فيه حكومتهم. 

وأعتقد أنه ينبغي تمديد فترة المبادرة الحالية مرة أخرى لمدة ستة أشهر حتى نهاية عام 2021، حيث لا تزال بلدان عديدة تحارب الجائحة وتواجه ضغوطاً في السيولة.  لكن حان الوقت أيضاً لتشجيع البلدان المثقلة بالديون المفرطة على تبني استراتيجية للديون تسمح لها بالوصول إلى مركز معتدل للديون.  وينبغي أن تحقق القدرة على تحمل الديون أكثر من مجرد القدرة على الوفاء بالدين على المدى القصير، أي القدرة على عدم التخلف عن السداد مع عدم توفير سوى الحد الأدنى من الأولويات الاجتماعية والاقتصادية.  ويخبرنا التاريخ أن البلدان التي لا سبيل لها للخروج من أعباء الديون المتراكمة لا تنمو ولا تحقق تخفيضات دائمة في مستويات الفقر.  ويمكن لإطار مجموعة العشرين المشترك لمعالجة الديون – الذي يتجاوز المبادرة – أن يحدث أثراً هاماً هنا.

ويمكن أن تؤدي التخفيضات في أسعار الفائدة دوراً كبيراً في بعض عمليات إعادة هيكلة الديون التي ستجري بموجب الإطار المشترك.  فبعض البلدان تدفع أسعار فائدة تصل إلى 6% أو 7% على ديونها الثنائية الرسمية، وهذا ببساطة أمر لا يمكن تبريره في ظل ظروف اليوم.  وعلى مدى العقدين الماضيين، استفادت الاقتصادات المتقدمة المرتفعة الدخل من الانخفاض غير العادي في أسعار الفائدة القصيرة والطويلة الأجل - حيث انخفضت هذه المعدلات من 4-6% إلى ما يقرب من الصفر.  ألا ينبغي لأشد البلدان فقرا أن تستفيد أيضاً من هذا التراجع "المنخفض لفترة طويلة"؟  كما أن التفاوض على قروض أطول أجلاً يمكن أن يساعد أيضاً في هذا الصدد.

ومن خلال الإطار المشترك والمبادرة، يمكننا تحديد الديون غير المستدامة حيثما وُجدت والمساعدة في إعادة هيكلتها إلى مستويات معتدلة.  وفيما يتعلق بالبلدان التي تواجه مخاطر عالية من المديونية، وإن كانت مستويات الديون المستحقة عليها يمكن تحملها حتى الآن، فينبغي لنا أن ننظر في إعادة تشكيل هذه المديونية، على سبيل المثال، من خلال تمديد آجال الاستحقاق.  ولكن هذا كله يتطلب مشاركة أعلى مما شهدناه حتى الآن من القطاع الخاص، وبعض الدائنين الثنائيين الرسميين.

وكما هو الحال في مجال المناخ، فإن التحديات الاقتصادية والتمويلية المحيطة بالديون ضخمة وجديرة باهتمامكم ومناقشاتكم العامة.  أولاً، ما هي المفاضلات بين المساعدة أثناء أزمات السيولة بالنسبة لمدفوعات الدين القصير الأجل مقابل الدعم الأطول أجلاً لتحقيق القدرة على تحمل أعباء الديون، والذي يسمح بتحقيق تقدم في مكافحة الفقر؟  ما البلدان التي من الملائم لها أن تؤخر سداد الأصل والفائدة، لكن دون تخفيض رصيد الدين أو أسعار الفائدة عليه؟  ما البلدان التي ينبغي خفض مجموع عبء الديون نظراً لتوقعات "منخفضة لفترة طويلة"؟  ثانيا، كيف يمكن تحقيق المساءلة في ضوء الاختلاف في الآفاق الزمنية لمن يوقعون عقود الديون والاستثمارات ومن يتحملون العبء؟  فعلى سبيل المثال، كيف يمكن لنظام العقود أن ينجح في حين أن من مصلحة المسؤولين الحكوميين بشدة قبول شروط العقد الصارمة المتعلقة بالديون على الرغم من أن المدفوعات الطويلة الأجل ستكون صعبة؟  ثالثاً، كيف ينبغي للنظام المالي الدولي أن يعمل في حين لا توجد عملية إفلاس بالنسبة للديون السيادية؟  كيف يمكن للنظام أن يحل الخلل الصارخ بين الدائنين الذين لديهم السلطة والمسؤولية عن إنفاذ العقود كاملة والبلدان المدينة التي غالباً ما تكون أفقر وأقل قدرة على حل الخلافات؟

من الواضح أن الشفافية ستشكل جزءا أساسيا من حل هذه المشاكل.  فمقاومة شفافية الديون شديدة.  وكثيراً ما تحمي الاتفاقيات شديدة الإحكام، التي لا يُفصح عنها، تلك العقود التي تكون شروطها سرية، بل أحياناً حتى وجودها نفسه لا يُكشف عنه.  وتشمل بعض العقود العكس تقريباً لشرط العمل الجماعي - شرط يلزم المدين بإعفاء الدائن من أي معاملة مماثلة، حيث يوجد اتفاق على إعادة هيكلة الديون، مع نادي باريس على سبيل المثال.  إن الوضوح في مجال الديون، كما هو الحال في العديد من المجالات، هو حقا أفضل علاج.  ونظرا لسجلنا الطويل في مساعدة البلدان المختلفة على معالجة مشاكل ديونها، سيواصل البنك، إلى جانب الصندوق، إشراك البلدان المعنية ودعمها في جهودها الرامية إلى تحقيق مركز معتدل للديون.

الموضوع الثالث: عدم المساواة

لقد ناقشت قضيتي المناخ والديون بشيء من التفصيل وبعض التحديات الاقتصادية التي تطرحهما.  وأود أن أنهي بنقاش حول عدم المساواة.  كما ذكرت في البداية، إن استجاباتنا الجماعية للتصدي للفقر وتغير المناخ وعدم المساواة ستكون هي الخيارات المحددة لعصرنا هذا.  ويتجلى عدم المساواة في الآثار المباشرة الناجمة عن جائحة كورونا التي تصيب العمال غير النظاميين والفئات الأكثر ضعفاً؛ وفي عدم المساواة في حصول البلدان النامية على اللقاحات.  كما أنها تتفاقم بسبب تركيز الحوافز المالية والنقدية على دعم القطاع الرسمي وأصول مختارة على حساب الديون الباهظة التي تدين بها الأجيال المقبلة.  وهذه المشكلة أكثر ما تنطبق على الاقتصادات المتقدمة، ولكن الأثر المماثل يصيب السكان المدينين في البلدان النامية لأن الديون السيادية وتمديد الديون لها أكبر تأثير إيجابي على من يوقعون على العقود ـ الدائنين والمدينين ـ في حين أن عبء الديون يقع في أغلب الأحوال على كاهل الفقراء.

لقد تحدثت مطولاً عن عكس مسار جائحة عدم المساواة  في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2020 قبيل اجتماعاتنا السنوية العام الماضي.  وشرحت ما نقوم به لمواجهة التحديات التي يفرضها عدم المساواة، بما في ذلك دعمنا المالي من خلال البرامج الصحية الطارئة وبرامج التحويلات النقدية المتعلقة بجائحة كورونا.

إن هذه التفاوتات تثير مجموعة ثالثة من التحديات الاقتصادية التي أود أن ألفت انتباهكم إليها.  أولاً، ما المسار الأسرع والأكثر فعالية لتوزيع اللقاحات على نحو أفضل؟ من المهم أن تبدأ عملية التلقيح في عدد أكبر من البلدان لأن عمليات التلقيح ستستغرق شهوراً عديدة بسبب القيود التي تواجه القدرات التنفيذية.  وسيكون البنك الدولي قد رتب تمويل اللقاحات لـ 50 بلدا ناميا بحلول منتصف العام، ولكن قضايا الإمدادات لم تحل بعد.  ثانياً، كما ذكرت في عرضي لقضية المناخ، كيف يمول العالم الاستثمارات الضرورية في المنافع العامة العالمية من جانب البلدان الأكثر فقراً؟  ثالثاً، هل هناك أي سبيل أمام البلدان النامية تطبقه الاقتصادات المتقدمة بشأن التحفيز المالي الهائل وزيادة الدين الوطني؟  فمن ناحية، ستساعد زيادة الطلب في الاقتصادات المتقدمة على خلق الأسواق.  لكن من ناحية أخرى، كان فقدان الاستثمارات والمهارات والتعليم المدرسي خلال الجائحة كارثيا.  والبيانات واضحة في أن البلدان الأشد فقرا لا تحقق مكاسب في مستويات المعيشة كما كان متوقعا قبل الأزمة وهي تتخلف أكثر عن الركب.  رابعاً، لأن الاقتصادات المتقدمة تشتري الكثير جداً من الأصول في عملية انتقائية طويلة الأجل، هل يمكن أن تتوزع المشتريات على نحوٍ أكثر إنصافاً لتحسين توزيع رأس المال العالمي، وإفادة الشركات الأصغر والداخلين الجدد إلى السوق، والسماح للمقترضين الذين يحتاجون إلى تمويل قصير الأجل بزيادة إمكانية حصولهم عليه؟

الخاتمة

اسمحوا لي أن أختتم كلمتي بما يلي: لقد أوصلتنا جائحة كورونا إلى مفترق طرق.  وفي خياراتنا على  صعيد السياسات، ونحن نتطلع إلى المستقبل، يمكننا تجنب أخطاء الماضي.  ولمعالجة تلك الأضرار، سنحتاج إلى استراتيجيات متكاملة طويلة الأمد تركز على التنمية الخضراء المرنة والشاملة.  يجب أن يتماشى ذلك مع الحاجة إلى وضع سياسات تساعد البلدان على زيادة الإلمام بالقراءة والكتابة، والحد من التقزم وسوء التغذية، وضمان الحصول على المياه النظيفة والطاقة، وتوفير رعاية صحية أفضل.  ويجب أن نساعد البلدان المعنية على تحسين استعدادها لمواجهة الأوبئة في المستقبل.  إننا بحاجة أيضا إلى مساعدتها على التعجيل بوتيرة تطوير التكنولوجيات الرقمية واعتمادها.  وعلينا أن نعمل على تحسين وتوسيع سلاسل الإمداد المحلية وتعزيز التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية.

هناك دور مهم لكل من القطاعين العام والخاص في كل هذا.  ويمكن لمختلف الحكومات أن تساعد على إرساء الأسس اللازمة لذلك، وضمان تمويل الرعاية الصحية والتعليم، والاستثمار في المنافع العامة الأساسية والبنية التحتية.  ويمكن للحكومات أيضا أن تبذل جهدا أكبر لتمهيد الطريق بسن التشريعات الملائمة وتهيئة المجال للقطاع الخاص حيثما أمكن.  وينبغي لها أن تطبق إصلاحات في مجال السياسات العامة من أجل حفز الاستثمار الخاص، بما في ذلك الاستثمار الأجنبي المباشر.  وينبغي أن تساعد المؤسسات المالية على تسوية القروض المتعثرة في أسرع وقت ممكن.  وستكون الاستثمارات الخاصة عاملاً رئيسياً في التصدي لتحديات تغير المناخ، وقضايا الديون، وعدم المساواة، وكل من هذه التحديات يتطلب الابتكار، وهو ما يمكن أن يجلبه القطاع الخاص.  كما يتعين على القطاع الخاص أن يقبل مسؤولية الشركات – سواء كان ذلك تطبيق معايير بيئية واجتماعية قوية، أو سداد الضرائب، أو القيام بدور في تسوية الديون.  وسيتعين على الحكومة والقطاع الخاص التعاون في العديد من القطاعات مثل الطاقة، بالنظر في المبادرات المشتركة بين القطاعين العام والخاص مع تقاسم عادل للأعباء والإدارة الرشيدة.

وكما أكدت في كلمتي هذه، فإن التعاون بين الأكاديميين والممارسين في مجال التنمية وصانعي السياسات له دور رئيسي أيضاً.  إن العالم يواجه تحديات هائلة.  والإجابات واضحة، في بعض الحالات؛ والتحدي هو إيصال هذه الإجابات بوضوح إلى صانعي السياسات.  وفي حالات أخرى، يستطيع الأكاديميون ــ بمن فيهم الأكاديميون في كلية لندن للاقتصاد ــ أن يساعدوا في تمهيد آفاق جديدة، في استعراض الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها، ومن خلال القيام بذلك يساعدوا على ابتكار نموذج أكثر مراعاة للبيئة وأكثر مرونة وشمولاً للرخاء في القرن الحادي والعشرين.  ويمكن لمجموعة البنك الدولي أن تكون من أبرز الداعمين للمساعدة في التصدي لقضايا تغير المناخ والديون وعدم المساواة، بأن تطرح حلولا للقطاعين العام والخاص، فضلا عن الجمع الفريد بين الأعمال التحليلية والدعم المالي والقدرة التجميعية.

واليوم، فإن أمامنا فرصة تاريخية لتغيير المسار – لتحسين نواتج التنمية للبلدان المختلفة، والتغلب على المخاطر المتزايدة الناجمة عن تغير المناخ، وعدم المساواة المنهجية، وعدم الاستقرار الاجتماعي، والصراع.  وفي إطار جهودنا لإعادة البناء، يمكننا أن نُحدث انتعاشا يكفل زيادة واسعة ودائمة في الرخاء، لا سيما لأشد الناس فقرا وأكثرهم تهميشا.  إنها فرصة لا يمكن أن نتحمل ضياعها.

شكراً لكم.

Api
Api