Skip to Main Navigation
رأي 11/13/2020

تسريع وتيرة أجندة الإصلاح في مجلس التعاون لدول الخليج العربية: خارطة طريق في زمن جائحة الكورونا

بينما مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي يُفكّرون مليًّا في حياتهم المستقبليّة، كيف سيُقيّمون دورنا، نحن صناع السياسات، في الوقت الحاضر؟ هل سيُلقون اللوم علينا بسبب المحن العصيبة التي يشهدونها أو هل سيشكروننا على تأمين الرفاه لهم؟ لا أنفكّ أطرح هذه الأسئلة على نفسي. أفكّر في الأطفال الذين سيبلغون الثامنة عشر من عمرهم في العام 2038، أي الأطفال الذين سيتخرّجون من المدرسة الثانويّة في العام 2038، وهم الذين رسموا على أفواههم أولى ابتساماتهم، ولفظوا أولى كلماتهم، وخطَوْا أولى خطواتهم في العام 2020. أي مستقبل نُشيد لهم؟

يصعب التركيز على المستقبل عندما يستدعي  الحاضر انتباهنا بشكل طارئ ومُلح. قلّصت أسعار النفط المتدنية الحيِّزالمالي، ممّا حدّ من الخيارات المتوفّرة لصانعي السياسات، بينما سدّدت جائحة الكورونا ضربةً مؤلمةً للصحة البشريّة وفرضت كلفةً اقتصادية باهظة بشكل مفاجئ. ولا شكّ في أنّه يصعب اعتبار هاتَيْن الأزمتَيْن التوأمتَيْن على أنّهما فرص، إنما يدعونا هؤلاء المتخرّجون المستقبليّون من المدرسة الثانويّة إلى أن نعمل لنحقق ما يلي: أن نستثمر الوقت الحاضر من أجل مواصلة  وتسريع العمل الذي بدأه صانعو السياسات في المنطقة أصلاً، من أجل رسم مستقبل جديد لهؤلاء الأطفال. في هذا المستقبل المرجوّ، ستكون المنطقة أكثر مقاومةً في وجه الأزمات المقبلة ويكون مواطنوها مستعدّين لملء الوظائف وسيكون أمامهم هامش واسع من الفرص الواعدة للاختيار منها.

من أجل تحقيق هذا المستقبل، قد يعتبر صانعو السياسات في دول مجلس التعاون الخليجي هذا المقال خارطة طريق تركّز على مجالات خمسة حيث ستولّد الإصلاحات المتواصلة والمتسارعة الأثر الأبرز بالنسبة إلى أجيال المستقبل: الاستثمار في الرأسمال البشري، والحدّ من الاعتماد على القطاع العام، وتنويع اقتصادات المنطقة، وتعزيز نمو متين للقطاع الخاص، وإعطاء الأولويّة للنمو الأخضر.

لنأخذ المجال الأول، الرأسمال البشري، حيث حقّقت دول مجلس التعاون الخليجي تقدّمًا ملحوظًا، لا سيما بالنسبة إلى الصحة. في الواقع، ولّدت عقود من الاستثمار في صحة الأم والطفل نتائجَ مُثمرة ملحوظة: 99 في المئة من الأطفال المولودين اليوم في دول مجلس التعاون الخليجي سيعيشون حتى سن الخامسة. وأكثر من 90 في المئة من الأطفال في سن الخامسة عشر سيعيشون حتى سن الستين في الدول الست لمجلس التعاون الخليجي. تبدو آفاق الصحة لدفعة متخرّجي العام 2038 أصلاً أفضل بكثير ممّا كانت عليه في الماضي.

حرصًا على أن يكون هؤلاء المتخرّجون جاهزين لتبوؤ وظائفَ في المستقبل، على صانعي السياسات التركيز على محصّلات التعليم من أجل سدّ الفجوة مع دول شبيهة عالية الدخل. على سبيل المثال، نجحت الإمارات العربيّة المتحدة في استخدام نموذج موجَّه من قبل القطاع الخاص بغية تعزيز التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة. وبالتالي، من الأهميّة بمكان بالنسبة إلى صانعي السياسات مواصلة التركيز على تحسين نوعيّة التعليم أيضًا من خلال الحرص على أن يكون الوقت الذي يمضيه التلاميذ في الصف فاعلاً، مع التركيز على تحسين الأداء في القراءة، والرياضيّات، والعلوم، وربط التعليم بالمهارات المطلوبة، مع اعتماد مقاربات تعليم ابتكاريّة.

أمّا المجال الثاني، فيقضي بمواصلة الخطوات من أجل تقليص الاعتماد على القطاع العام، لا سيما بالنسبة إلى العمالة. بينما أداء البحرين وسلطنة عمان أفضل من أداء دول أخرى من دول مجلس التعاون الخليجي، يبقى أن غالبيّة مواطني مجلس التعاون الخليجي تقريبًا يعملون لصالح الحكومة أو لصالح وكالات حكوميّة، مقارنةً مع متوسط منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD) البالغ 18 في المئة. كما يسمح إعادة توجيه الإنفاق الحكومي من أجور القطاع العام إلى القطاع الخاص باستكشاف خيارات أخرى لدعم الرفاه الاجتماعي والاقتصادي لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي والعاملين في المنطقة من غير المواطنين، على حدّ سواء، على غرار شبكات الأمان الاجتماعي المُحدّثة أو الاستثمار في الرأسمال البشري.

إلى ذلك، يدعم الحد من الاعتماد على القطاع العام المجال الثالث الذي يُعتبَر أولويّة – دعم نمو متين للقطاع الخاص، بما أنّ الأجور المرتفعة في القطاع العام تجذب غالبيّة المواطنين. وقد بدأت المملكة العربيّة السعوديّة هذه العمليّة، فشكّلت لجنة لدراسة كافة أشكال المنافع الماليّة المُسدّدة إلى القطاع العام، كجزء من أجندة أكثر استراتيجيّة لإصلاح العمالة ضمن رؤية العام 2030. وتحذو الكويت وسلطنة عُمان حذو المملكة العربيّة السعوديّة. بالنسبة إلى هذه الصناعات، أسوةً بالسياحة، التي تأثّرت بشكل كبير بجائحة الكورونا، قد تبرز الحاجة إلى إعادة ابتكارها ضمن صيغة حديثة العهد، تستخدم التكنولوجيا على غرار التعرّف إلى ملامح الوجه من أجل تسريع حركة المسافرين عند نقاط الدخول في الفنادق ونقاط التفتيش في المطارات. من شأن صانعي السياسات الذين يستحدثون طرقًا ابتكاريّةً لدعم الشركات التي تتطلّع إلى اعتماد مثل هذه التحسينات التكنولوجيّة أن يضمنوا قطاع سياحة متينًا لتختاره أجيال المستقبل على أنّه رب عمل مُحتمَل.

أمّا التنوّع المتواصل لاقتصادات المنطقة فهو يشكّل المجال الرابع ذا الأولويّة، المرتبط إرتباطًا وثيقًا بدعم القطاع الخاص. في العام 2019، دفع النشاط الاقتصادي المُتسارع في القطاع غير النفطي، بما في ذلك السفر، والبيع بالتجزئة، والبناء، والخدمات، بغالبيّة محصلات النمو الإيجابي للمنطقة. ومن شأن جهود التنوّع هذه أن تُساهم في حماية المنطقة، إلى حد ما، في وجه الأثار المزدوجة لجائحة الكورونا وأسعار النفط المتدنيّة، مع تطوير سوق عمل تجذب اليد العاملة من شباب المنطقة ودفعة متخرّجي العام 2038. فسيحتاج التنوّع المتواصل إلى زيادة الإنتاجيّة وتعزيز الاستثمارات الإنتاجيّة.

أمّا النمو الأخضر فيُعتبر المجال الخامس والأخير، وهو من مجالات الاستثمار المُحتملة. في هذا السياق، بدأت التدابير الآيلة إلى التنوّع لصالح القطاعات والصناعات ذات الكربون المتدنّي بتوليد النتائج الملموسة، من خلال الاستثمارات في الطاقة المتجدّدة، ممّا يُساهم في سدّ الطلب المتزايد على الطاقة المحليّة في المنطقة، على سبيل المثال، مع حلول المملكة العربية السعوديّة والإمارات العربيّة المتحدة في المرتبة الأولى بالنسبة إلى الاستثمار في الطاقة المُتجدّدة. تُعتبَر الجهود المبذولة في الوقت الحالي من أجل تأسيس سوق الكهرباء الإقليميّة العربيّة خطوةً بارزةً نحو النمو المستدام واستخدام للموارد أكثر كفاءةً، والانتقال إلى نظم لتوليد طاقة متدنية الكربون في المستقبل. ولا شكّ في أن مواصلة التركيز على ضمان الاستدامة البيئيّة كجزء من برنامج التنوّع العام تترك إرثًا قيّمًا لدفعة متخرّجي العام 2038.

في الواقع، سدّدت الأزمة المزدوجة لجائحة الكورونا وانهيار سعر النفط ضربةً موجعةً لدول مجلس التعاون الخليجي. لكن، كما شرحْتُ في هذا المقال أنّ في صميم التحديات التي ترافق هاتَيْن الأزمتَيْن تقع فرصة إعادة رسم التوجّه وتحديد السرعة للتعافي الاقتصادي في المستقبل وتعزيز أجندة التنوّع الاقتصادي في المنطقة. في الواقع، أعطت هذه الدول الزخم للتفكير في المستقبل الذي نبنيه لدفعة متخرّجي العام 2038 وما بعدها. فواجبات صانعي السياسات تجاه هذا الجيل المستقبلي واضحة جليّة. فلا يُمكن تفويت هذه الفرصة السانحة لإعادة رسم مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي.

Api
Api