تمتلك ليبيا، وهي بلد غني بالنفط ويتمتع بموقع إستراتيجي عند مفترق الطرق بين أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، إمكانات كبيرة لم تُستغل بعد. وفي أعقاب فترة انتقالية، لا تزال ليبيا غارقة في مأزق سياسي. وقد أدى ماضي البلاد المعقد، وما تلاه من عقد من عدم الاستقرار، إلى ظهور مؤشرات إنمائية وقدرات مؤسسية لا تعكس وضع ليبيا كبلد متوسط الدخل. ولم يتسبب الصراع في ليبيا في خسائر كبيرة في مكاسب التنمية لليبيين فحسب، بل أثر أيضا بشكل مباشر على رفاهة البلدان المجاورة ومنطقة الساحل وأوروبا. ويشكل قطاع النفط والغاز المحرك الأساسي للاقتصاد الليبي، ولا يزال يفتقر إلى التنوع مع هيمنة كبيرة للقطاع العام.

ولا يزال الاقتصاد الليبي يعتمد اعتمادا كبيرا على الهيدروكربونات، التي شكّلت 65٪ من إجمالي الناتج المحلي، و93٪ من الصادرات، و72٪ من الإيرادات في عام 2024، مما يجعله عرضة بشدة لصدمات الإنتاج والأسعار. وقد تسببت أزمة الحوكمة في مصرف ليبيا المركزي في منتصف عام 2024 في تعطيل إنتاج النفط وزيادة الضغوط على سعر الصرف، قبل أن يؤدي حلّها في أواخر عام 2024 إلى التعافي. وفي أبريل/نيسان 2025، خفّض مصرف ليبيا المركزي قيمة الدينار لتقليص الفجوة مع السوق الموازية وحماية الاحتياطيات. وعلى الرغم من هذه الخطوات، لا يزال غياب موازنة موحدة لعام 2025 والاعتماد على المخصصات الشهرية يشكلان قيودا على إدارة المالية العامة.

وبعد انكماشه في عام 2024، من المتوقع أن ينتعش إجمالي الناتج المحلي بنسبة 13.3٪ في عام 2025، مدفوعا بارتفاع إجمالي الناتج المحلي النفطي بنسبة 17.4٪، مع وصول متوسط الإنتاج إلى 1.3 مليون برميل يوميا. ومن المتوقع أن يتراجع النمو في الأمد المتوسط مع استقرار إنتاج النفط، بينما يشهد النشاط غير النفطي نموا متواضعا (+3.4٪ سنويا). ومن المتوقع أن يظل التضخم تحت السيطرة نسبيا عند 2٪ في عام 2025، مما يعكس اعتدال أسعار السلع الأولية عالميا إضافة إلى نظام الدعم السخي في ليبيا. كما يُتوقع أن يسجل رصيد المالية العامة فائضا بنسبة 3.8٪ من إجمالي الناتج المحلي في عام 2025، بينما ينخفض عجز الحساب الجاري إلى نحو 4٪ من إجمالي الناتج المحلي. ومن المرجح أن يؤدي إنهاء نظام مبادلة النفط مقابل الوقود في أبريل/نيسان 2025 إلى تحسين الشفافية وتوجيه المزيد من الإيرادات عبر مصرف ليبيا المركزي.

ولا تزال مواطن الضعف الاجتماعي حادة. وقد أدى تقييد الإنفاق على البنود الأساسية (الأجور والرواتب والتحويلات الاجتماعية) إلى إعاقة قدرة السلطات الليبية على تنفيذ مشروعات إعادة الإعمار والتنمية. وبناء على ذلك، يظل تقديم الخدمات ضعيفا، لا سيما في قطاعات الصحة والتعليم والمياه والكهرباء، مع وجود تفاوتات واضحة بين المناطق، وارتفاع معدلات البطالة، وتزايد مخاطر الفقر. ولا يزال ارتفاع مستويات الفساد يشكل مصدر قلق عام.

ولا تزال التجزئة المؤسسية، وإدارة الثروة النفطية محلّ الخلاف، وهشاشة القطاع الخاص تشكل قيودا هيكلية. ويتسم الاقتصاد بوجود قطاع عام كبير، ومؤسسات مملوكة للدولة، ودعم واسع النطاق، وانتشار القطاع غير الرسمي، مع محدودية خلق فرص العمل في القطاع الخاص. ولا تزال الإصلاحات في إدارة المالية العامة، وترشيد الدعم، وتحسين كفاءة قطاع الطاقة، والتحديث المالي أمورا بالغة الأهمية. وتنبع المخاطر من تعمّق الاحتكاكات السياسية، واستئناف الصراع، وتقلب أسعار النفط، وعدم الاستقرار، والصدمات المناخية، في حين تكمن فرص التحسن في استقرار إنتاج النفط على نحو مستدام، وفي جهود إعادة الإعمار، وفي تنفيذ إصلاحات هيكلية.

قراءة المزيد
قراءة أقل