Skip to Main Navigation
موضوع رئيسي 05/25/2018

كيفية إنشاء إطار لقياس الأداء على مستوى الأجهزة الحكومية: التعلم من تجربة السعودية

يقف المهندس حسام الدين المدني في صدارة الطفرة الهائلة التي تشهدها المملكة العربية السعودية في تطوير الأداء الحكومي. وبصفته المدير العام للمركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة (أداء) تم تكليف حسام الدين المدني بمهمة متابعة التقدُّم المُحرَز في تنفيذ إستراتيجية رؤية المملكة 2030 والبرامج المرتبطة بها. أُنشِئ مركز أداء في عام 2016، وهو أكثر من مجرد مؤسسة لقياس مؤشرات الأداء، حيث يسعى إلى نشر ثقافة قياس الأداء في القطاع العام بالمملكة.

Image

تحدثنا في الآونة الأخيرة مع حسام الدين المدني في المقر الجديد لمركز أداء في الرياض. يبعث المركز في النفس انطباعاً مختلفاً اختلافاً كبيراً عن الشكل المعتاد لمؤسسة حكومية سعودية. ويبدو المركز بمكاتبه الزجاجية الشفَّافة، ولوحاته الإلكترونية البيضاء، وطاولاته المفتوحة، والعديد من العروض الإيضاحية بنظام باور بوينت كمؤسسة استشارية أو شركة خاصة. وأضفى حسام الدين المدني طابعاً من الصراحة على المقابلة، إذ ناقش بكل صراحة مجالات يُسجِّل فيها المركز أداءً جيداً، وأخرى مازال فيها في طور النمو والتكيُّف. وبصفته عالم حاسوب محترف، تألَّق خلال المناقشة حماسه من أجل البيانات وثقافة الأداء.

ما الذي أدَّى إلى إنشاء مركز أداء؟

Image

يعتقد كثيرون أن مركز أداء أُنشِئ بعد الإعلان عن إستراتيجية رؤية المملكة 2030، ولكنه في الواقع أُنشِئ قبل ذلك باعتباره إحدى التوصيات الأولى التي أصدرها المجلس الجديد للشؤون الاقتصادية والتنمية. ورأى صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أنه قبل الشروع في أي رؤية كبيرة وعملية تحوُّل كبرى، يجب أن نعرف على وجه الدقة ما هو وضعنا الآن وإلى أين قد يأخذنا مسارنا الحالي. أُنشِئ مركز أداء وفي حسبانه تحقيق ذلك المقصد. ولهذا السبب، فإن مركز أداء يعد مؤسسة نشطة شابة يعمل فيها أفراد أذكياء يتمتعون بمؤهلات عالية وينشرون أسلوباً جديداً للعمل في الأجهزة الحكومية السعودية.

هلا أوضحت لنا بالتحديد ما الذي يقوم به مركز أداء- ما المنتجات والخدمات التي تُقدِّمونها؟

نحن نعمل لدائرتين رئيسيتين، هما: الجهات الحكومية والجمهور بوجه عام. وداخل الأجهزة الحكومية يتركَّز عملنا على القيام بدور الشريك وعامل التهيئة والتمكين للتشجيع على تحسين القياس والمتابعة والتركيز بقوة على الأداء. وفيما يتعلق بالجمهور العام، فإننا نعتقد أن مقاييس الأداء الرسمية مثل مؤشرات تحقيق الأهداف الرئيسية إلخ تكشف لنا الكثير عن كيفية اضطلاع أية مؤسسة بمهامها، ومن ثم من الضروري قياس رأي المواطن، وهو ما نحاول فعله من خلال أدواتنا لقياس رضا المستفيدين. ومن خلال مجموعة متنوعة من الأدوات والأساليب منها بيانات الاستبيانات ووسائل التواصل الاجتماعي، نحاول إتاحة فرصة للمواطنين للتعبير عن مرئياتهم ومقترحاتهم فيما يتعلق بجودة الخدمات العامة المُقدَّمة لهم.

وبالإضافة إلى إصدار ونشر تقارير ربع سنوية مع مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بشأن التقدم المحرز في تنفيذ رؤية المملكة 2030، دشنا أيضاً في الآونة الأخيرة منصة الأداء الدولي التي تتيح لكل فرد يستطيع الدخول إلى شبكة الإنترنت أن يتابع ما حقَّقته المملكة (أو أي بلد آخر في ذلك الموضوع) فيما يتصل بعدة مئات من المؤشرات العالمية. وإنَّنا نفتخر بتطبيقنا الجديد على الهاتف المحمول لقياس رضا المستفيدين "BEX" الذي سيتيح للمواطنين والمستثمرين والزائرين تقديم مرئياتهم ومقترحاتهم بشكل مباشر إلى الوزير المختص بشأن جودة الخدمات التي تقدمها لهم وزارة أو جهة حكومية معينة. وسنقوم قريباً بإطلاق برنامج جديد (المتسوق الخفي) في كافة مناطق المملكة من أجل قياس جودة تقديم الخدمات في العديد من الأجهزة الحكومية.

ونعمل على بناء ثقافة قياس الأداء في الأجهزة الحكومية. وقد قمنا بتدريب 3000 من "سفراء الأداء" في كافة جهات القطاع العام السعودي من خلال مجموعة متنوعة من ورش العمل، والندوات، والمؤتمرات. وأنشأنا كذلك منصة للتعلُّم الإلكتروني تصل إلى 200 ألف موظف حكومي وتدعم برامج التوجيه والمشورة.

ما هي التحديات الرئيسية التي تعوق النهوض برسالة مركز أداء واستمرارها؟

لقد واجهنا العديد من التحديات. وأعتقد أن جودة البيانات تأتي في صدارتها. فليس من السهل على الإطلاق ضمان توفُّر بيانات دقيقة ومحكمة التوقيت بدرجة من التواتر تجعل من الممكن استخدامها بسهولة في اتخاذ القرارات على المستوى الإداري. ونعمل جاهدين للتحقُّق من صحة البيانات، لكن ذلك مازال تحدياً مستمراً.

أمَّا المجال الثاني الذي نجابهه فهو ضعف ثقافة قياس الأداء على نطاق أوسع داخل الجهاز الإداري الحكومي في المملكة. فهناك فهم مشترك محدود أو في بعض الأحيان قلة اهتمام بالشكل الذي ينبغي أن تتخذه الثقافة الإدارية الفاعلة وكيفية تنفيذها. ولحسن الحظ، أننا بالإرادة السياسية القوية، والكثير من الالتزام، نتغلَّب على هذه التحديات.

وهناك مشكلة ثالثة واجهناها هي صعوبة الفوز بثقة الوزارات. وهذا التحدي يصب بدوره في صميم دورنا المزدوج داخل مركز أداء. لكن هل دورنا هو مراجعة وتدقيق الحسابات أم تهيئة الأوضاع والتمكين وبناء القدرات؟ الحقيقة هي أنه يكمن في الاثنين معاً؛ حيث إن رسالتنا تتضمَّن قياس مؤشرات الأداء في الأجهزة الحكومية، وتقوية القدرة على قياس الأداء داخل المملكة. ويتطلَّب التوفيق بين هذه الأدوار المشتركة قدراً كبيراً من التوازن الدقيق والطمأنينة المستمرة لعملائنا.

ويتعلَّق التحدِّي النهائي الذي نواجهه باجتذاب رأس المال البشري إلى هذا المجال. ويُشكِّل الاستثمار في تنمية قدرات الموظفين على الأمد الطويل تحدياً. وندعم حالياً 7 طلاب سعوديين يتابعون دراساتهم الجامعية في الولايات المتحدة. وستكون مثل هذه الأنشطة ضرورية لتوفير مجموعة أوسع من الخبراء على دراية بأساليب قياس الأداء وإدارته ويمكنهم المساعدة في عملية التحوُّل التي تمر بها المملكة في الأمدين المتوسط والطويل.

كيف ترون تطوُّر عملكم في المستقبل؟

أود رؤية عملنا يتطوَّر من عدة أبعاد. البعد الأول هو تقديم رؤى حية أو "آنية" على نحو أكثر تواتراً إلى متخذي القرارات لدعم عملية اتخاذ القرارات على مستوى الإدارة. وسيتجاوز هذا العمل تقاريرنا المنتظمة الشهرية وربع السنوية.

ويتضمَّن البعد الثاني استكمال أعمالنا الجارية بشأن رضا المواطنين ونوعية مسيرة حياتهم. وتسير أعمالنا بشأن قياس رضا المستفيدين في الاتجاه الصحيح، وإنني على يقين بأنه يمكننا عمل المزيد لتوسيع نطاق هذا الجهد، وتحسين نوعية التفاعل بين المواطنين والحكومة.

وثالثاً، أود أن أرى توسيع قدراتنا الحالية في تحليل البيانات ومنهجيات التنبؤ. والحقيقة أننا لم نبلغ بعد سوى القشور في هذا الشأن، وتحقيق تقدُّم في هذا المجال سيُسهِّل إحراز تقدُّم في مجالات أخرى، مثل تقديم دعم أفضل لعملية اتخاذ القرارات "الآنية في الوقت المناسب" المشار إليها آنفاً.

وأخيراً، أود أن أرى مركز أداء يضطلع بدور أوسع في المنطقة والعالم في دعم نقل المعارف وتبادلها. فالكثير من البلدان تجابه على نحو متزايد تحدِّي قياس الأداء في الأجهزة الحكومية. ونريد أن نتعلَّم من تجاربهم، ونعتقد أن لدينا ما نساهم به أيضاً في تبادل هذه المعارف. ولذلك، فإننا نبحث كيف يمكننا المساعدة في دعم هذا العمل من خلال المؤتمرات وتبادل الخبرات وغيرها من أشكال التبادل المُنظَّم للمعارف.

ما هي الدروس التي تعلَّمتموها وستكون مفيدةً للبلدان الأخرى فيما يتصل بتنفيذ أنظمة القياس والتقييم في الأجهزة الحكومية؟

1.    هناك العديد من النصائح التي أود تقديمها إلى الآخرين الذين يسعون إلى إنشاء أنظمة لقياس الأداء في الأجهزة الحكومية، وقد اكتسبنا بعضها من منظور التجربة القاسية. فالبيانات لن تتسم أبداً بالكمال، وينبغي ألا تنتظر الحصول على مجموعة البيانات المثالية الكاملة وإلا فسوف تضيع منك الفرص. ولا شك أن هذا ينطوي في أغلب الأحيان على مفاضلات، فأنت لا تريد أن تمضي قدما ببيانات تعلم أنها غير دقيقة أو قد تترك انطباعاً مُضلِّلاً. ولكن للتأخير والتقاعس عن التحرُّك أيضا تبعات وأعباء. وإننا في مركز أداء حاولنا بناء زخم وقوة دفع، والمضي قدماً بأفضل سبيل متاح لدينا، ونحن نُدرِك أنَّه لا شيء كاملٌ وأنَّنا يجب ألا نسمح بأن يكون السعي للكمال عدواً للأداء الجيد. ومن المفارقات، أنه يجب على المرء أن يتحلَّى بالمرونة في المراحل الأولى من حياة أي مؤسسة أو هيئة، حينما تكون هذه التحديات في أوجها وأشد صورها.

2.    الإرادة السياسية وتولِّي زمام الأمور عامل رئيسي. ونحن في المملكة، أنعم الله علينا بالدعم القوي لصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يعتمد في تفكيره على أسلوب التحليل الكمي ويعمل دوماً من أجل الاستناد إلى اعتبارات البيانات في عملية اتخاذ القرارات. وجعل هذا عملنا أيسر كثيراً.

3.    الأوضاع الداخلية في الأجهزة الحكومية عامل ذو أهمية كبيرة. إنَّنا نبحث دائماً عن السبل التي يمكننا بها الدخول في علاقة شراكة مع الأجهزة والإدارات العامة التنفيذية، مع التأكيد على أن مهمتنا هي العمل على أن تصبح في وضع أفضل بتقديم البيانات التي ستساعدها على حل ما تواجهها من مشكلات تتعلق بالأداء. وقد وقَّعنا اتفاقات شراكة مع أجهزة حكومية أخرى مثل الهيئة العامة للإحصاء، وديوان المراقبة العامة للاستفادة من مواطن قوتها ومجالات خبرتها، فإذا نجحوا، فإننا ننجح.

4.    يجب التحلِّي بالانفتاح لأنشطة الابتكار والتعاون. وبالنسبة لنا، كان المُحرِّك الرئيسي وراء نهجنا الشفَّاف والتعاوني هو تنوُّعنا. فموظَّفونا ينحدرون من خمس مناطق مختلفة داخل المملكة. وقرابة نصف أعضاء مجلس الإدارة من النساء، و40% إلى 50% من موظفينا نساء. ولدينا أيضاً مزيج من الخلفيات التي تنتمي إلى القطاعين العام والخاص. وسعينا إلى استقدام أفضل الخبرات من القطاعين في داخل المملكة للاستفادة من مجموعة واسعة من الرؤى ووجهات النظر.

5.    وأخيراً، أحاول التحلِّي بالبساطة وروح الدعابة في مواجهة كل الضغوط. والحقيقة هي أنَّنا لا نملك كل الإجابات والحلول، وفي بعض الأحيان يبدو الأمر وكأننا نبني الطائرة ونحن نقودها. وستقع أخطاء وعثرات. ولكن المهم هو التعافي بسرعة، واستخلاص العِبَر والدروس الصحيحة من خطأك (وصوابك)، ثم المضي قدماً.

نبذة عن حسام الدين المدني:

يتولَّى المهندس حسام الدين المدني منصب المدير العام للمركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة (أداء) منذ عام 2016. قبل التحاقه بالمركز، شغل المدني العديد من المناصب الفنية والعليا في شركة أرامكو السعودية في الفترة من 2004 إلى 2011. وشارك في تصميم منصة قياس وإدارة الأداء في أرامكو، بما في ذلك وضْع مؤشرات تحقيق الأهداف التنظيمية. وكان أيضاً عضواً في لجنة بشركة أرامكو قامت بإعادة هيكلة إستراتيجيات البحث والتطوير، وساهم في تنفيذ برنامج التحوُّل المُعجَّل الذي اعتمدته أرامكو لتطوير مقاييس الأداء وأنظمتها. والسيد المدني مهندس بحكم دراسته الجامعية، حصل على درجة الماجستير في تخصُّص هندسة البترول/موارد الغاز غير التقليدية من جامعة تكساس إيه آند إم. ونال درجة البكالوريوس في علوم الحاسب الآلي من جامعة كنساس الأمريكية. وأكمل برنامج الإدارة العامة والإستراتيجيات للقياديين في كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد عام 2016. وفاز بجائزة مونتغومري بجامعة تكساس إيه آند إم لعام 2010 وجائزة الخدمة المتميزة للأعضاء الشبان في جمعية مهندسي البترول الدولية.


Api
Api