Skip to Main Navigation
موضوع رئيسي 01/25/2022

دفع عجلة التحوّل إلى الأمام: خريطة طريق للعمل المناخي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

Image

يُعد صيد الأسماك المصدر الرئيسي للدخل لدى سكان ميناء "قليبية" الصغير على الساحل الشرقي لتونس البالغ عددهم حوالي 50 ألف نسمة. ولكن، وفي ظل تسبب الإفراط في الصيد والآثار المترتبة على تغير المناخ في استنفاد الأرصدة السمكية وتآكل السواحل، تعاني صناعة صيد الأسماك من تراجعٍ مستمر على نحو يؤثر على أسلوب حياتهم. وإلى الشرق من البحر الأبيض المتوسط، وفي العراق، تسببت ثلاث سنوات من الجفاف في تدمير الزراعة، ونقصٍ في إمدادات الكهرباء ومياه الشرب لسبعة ملايين شخصٍ على الأقل.

هذان نموذجان فقط لكيفية تأثير تغير المناخ على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تضاعف عدد الكوارث الطبيعية إلى ما يقرب من ثلاثة أمثاله منذ ثمانينيات القرن الماضي، مخلفة خسائر سنوية تتجاوز مليار دولار في المتوسط. ومع تدهور الأنظمة البيئية البحرية والساحلية، وارتفاع درجات الحرارة في الصيف، وزحف التصحر، وشح المياه العذبة، وزيادة تلوث الهواء، تُعد المنطقة واحدةً من أكثر مناطق العالم هشاشة من الناحية المناخية.

وتضم المنطقة كذلك بعضاً من أسرع الاقتصادات المسؤولة عن إطلاق الانبعاثات نمواً في العالم، حيث لا يزال العديد منها يعتمد اعتماداً كبيراً على عائدات الوقود الأحفوري. وهذه العوامل تؤثر بالفعل على فئات المجتمع الأكثر احتياجاً، ولا سبيل لمحو آثارها دون اتخاذ إجراءات تحويلية طموحة في مجال المناخ.

خطة العمل

بالبناء على خطة عمل مجموعة البنك الدولي بشأن تغير المناخ، فإن البنك سيسترشد بخريطة طريق العمل المناخي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تقديم المساندة لبلدان المنطقة على مدى السنوات الخمس المقبلة، وفي إجراءاته التدخلية الرامية إلى مساعدة البلدان على الحد من الانبعاثات والتكيف في مواجهة الوتيرة المتسارعة لتغير المناخ. وتتضمن خريطة الطريق زيادة الاستثمارات: استخدام ما يصل إلى 10 مليارات دولار من تمويل مجموعة البنك الدولي في مشروعات مراعية للمناخ وإصلاح السياسات، مع تعبئة ملياري دولار إضافيين من تمويل القطاع الخاص. وفي إطار جهوده الرامية إلى مواكبة الاحتياجات الإقليمية والخاصة ببلدان محددة لتحقيق التوازن بين تدابير التكيف مع تغير المناخ وتدابير التخفيف من آثاره، سيستثمر البنك نحو 50% من هذا التمويل المناخي في الإجراءات التدخلية التي تساعد في بناء القدرة على الصمود.

وستسترشد إستراتيجياتنا وإجراءاتنا التدخلية أيضاً بالتقارير القُطرية عن المناخ والتنمية للبنك الدولي، والأدوات التشخيصية الأساسية التي تتضمن إدارة المخاطر المناخية وتساعد في تحديد المخاطر المترتبة على النمو منخفض الكربون وما يتيحه من فرص. وستتوافق الاستثمارات، وخاصة في البنية التحتية والأصول المادية، مع أهداف "اتفاق باريس"، وهو المعاهدة الدولية الملزمة قانوناً بشأن التدابير الرامية إلى الحد من تأثير تغير المناخ، والتي اعتمدها ما يقارب 200 بلد في ديسمبر/كانون الأول عام 2015.

ومن شأن تبني نهج للتنمية الخضراء والقادرة على الصمود والشاملة للجميع أن يفتح الطريق أمام نموذج جديد للنمو في المنطقة، وأن يخلق فرصاً للعمل، مع تحقيق منافع تتمثل في القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ، وخفض الانبعاثات الكربونية، والتمتع بهواء وماء أنظف، وتعزيز سلامة المحيطات، وتحسين استدامة الأنظمة الغذائية والزراعية. وسيتعين على المنطقة أن ترتب أولويات مجالات التحول الرئيسية لإطلاق العنان للمكاسب التي يمكن تحقيقها من هذه الاستثمارات.

مجالات التحول

تتسم النظم الغذائية الزراعية في المنطقة بالهشاشة الشديدة، حيث تعتمد اعتماداً كبيراً على الواردات الغذائية، وتضاريسها المتأثرة بتغيرات الطقس. ومن شأن خريطة الطريق أن تدعم البلدان في تحولها نحو الزراعة المتكيفة مع تقلبات المناخ، وتحسين إدارة الموارد الطبيعية، مما يساعدها في الحفاظ على تنوعها البيولوجي وتحقيق الأمن الغذائي.

في الأردن، يمكن أن يؤدي التحول من زراعة الخضروات في الحقول المفتوحة إلى زراعتها باستخدام تكنولوجيا الزراعة المائية إلى تحسين الغلات من نحو 5000 كغم/دونم (0.1 هكتار) إلى 30 ألف كغم/دونم، وتقليل كمية المياه المستخدمة من 500 متر مكعب/دونم إلى 150 متراً مكعباً/دونم. ويستخدم المغرب التكنولوجيا الرقمية لمساعدة الفلاحين على الانتقال من الفلاحة كثيفة الاستخدام للموارد إلى الفلاحة الدقيقة، ويمول برامج ريادة الأعمال لجذب المزيد من النساء والشباب إلى العمل في قطاع الفلاحة.

ومن شأن اعتماد المنطقة على الوقود الأحفوري، وعدم كفاءة استهلاك الطاقة، وانخفاض مستويات الاستفادة من الطاقة المتجددة حتى الآن، أن يجعلها عرضة للتخلف عن ركب التحول العالمي إلى الطاقة النظيفة. ولابد من إقناع الحكومات بأن التحول إلى تسيير المركبات العامة والخاصة بالطاقة المتجددة، وتشجيع استخدام وسائل النقل العام، من الممكن أن يؤدي إلى خلق فرص عمل، وتحريك عجلة النمو الاقتصادي، وإقامة بنية تحتية خضراء. ووفقاً لمجموعة ماكينزي الاستشارية، فمن شأن استثمار 10 ملايين دولار في مجال الطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة أن يخلق من 75 إلى 77 وظيفة خضراء طويلة الأجل، في حين يؤدي استثمار مبالغ مماثلة في صناعة الوقود الأحفوري إلى خلق 27 وظيفة.

وتشهد بلدان عدة بالمنطقة مثل هذه التحولات بالفعل، ولكن من الضروري زيادتها من خلال نماذج أعمال وأساليب تمويل مبتكرة لتحقيق تأثير أوسع. وقد قاد مشروعان للطاقة الشمسية في المغرب وهما "نور 1 و 2" بتمويل من مجموعة البنك الدولي، إلى إبرام اتفاق تاريخي أشرفت على تنظيمه مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك بشأن إقامة "مجمع بنبان للطاقة الشمسية" في مصر، والذي سيكون لدى اكتماله واحداً من أضخم المجمعات على مستوى العالم، بقدرة توليد طاقة تبلغ 1650 ميغاواط.

البيئات الحضرية

على الرغم من وقوع مدن المنطقة على الخطوط الأمامية في مواجهة تغير المناخ، فإنها تفتقر إلى القدرة على الحد من انبعاثاتها الكربونية المتزايدة ومواجهة الصدمات المناخية. ويمكن من خلال الاستعانة بالتخطيط الحضري المراعي للتغيرات المناخية، وتدعيم الخطط البلدية على نحو يضمن استمرارية الخدمات العامة خلال الأزمات، وإدماج جميع جوانب الإدارة الساحلية في إستراتيجية واحدة – المساعدة في تحسين إمكانية العيش في المدن والتخفيف من حدة المخاطر المتصلة بالمناخ التي تواجهها.

وتعد إدارة مياه الصرف إحدى المجالات التي يمكن تحسينها؛ ففي الوقت الراهن، لا يعاد تدوير نحو 80% من مياه الصرف في المنطقة، مقارنة بنحو 30% فقط في البلدان مرتفعة الدخل، الأمر الذي يشكل تهديدا كبيراً للصحة البشرية والبيئية، ولكنه يوفر فرصة هائلة لتلبية الطلب العام على المياه، حيث تعد مياه الصرف المورد الطبيعي الوحيد الذي يزداد مع نمو المدن والسكان. وإذا أمكن معالجة مياه الصرف بالمنطقة معالجة صحيحة، فمن الممكن استخدامها بالمنطقة في ري أكثر من مليوني هكتار من الأراضي الزراعية وتخصيبها، مما يساعد في استبقاء المياه العذبة لاستخدامها لأغراض الشرب والاستعمال المنزلي والإنتاج.

وتوفر الاقتصادات الساحلية أيضاً فرصاً للنمو الاقتصادي الذي من شأنه أن يحمي المجتمعات الساحلية. وتتلقى منطقة المغرب مساندة من البنك الدولي لمكافحة تآكل السواحل من خلال العمل مع أصحاب المصلحة على تطوير ممارسات مستدامة ودعم الاقتصاد الأزرق.

وستتطلب كل تلك التحولات أنظمة مالية قوية في القطاعين العام والخاص للمساعدة في تمويل التدخلات المراعية للمناخ. ويستتبع ذلك العمل مع الشركاء على بناء قطاع مالي يركز على المبادرات الرامية إلى تخضير الاقتصاد وبناء القدرة على الصمود، فضلاً عن المساعدة في إطلاق العنان لرأس المال الخاص، ودعم الموازنات والمصروفات الوطنية، وتدعيم المؤسسات المالية للاستثمارات الخضراء.

وثمة إقبال كبير فيما بين المستثمرين على التمويل المستدام؛ فعلى سبيل المثال، نجحت مصر، بمساندة البنك الدولي، في إصدار سندات سيادية خضراء تبلغ قيمتها 750 مليون دولار، مع ربط العائدات بتحقيق تأثيرٍ مستدام.

وتعمل المؤسسة المالية الدولية، فوق ذلك، على زيادة تمويل القطاع الخاص بما يتفق مع خطط المساهمات الوطنية لمكافحة تغير المناخ التي تسلط الضوء على الإجراءات. ويشمل هذا النظر في الأهداف والسياسات والتدابير التي تسعى الحكومات إلى تنفيذها، وذلك عبر وسائل محددة، من بينها زيادة قدرتها على تحديد المخاطر المناخية وإدارتها والحد من المخاطر في محافظ عمليات البنك الدولي. وفي تونس، يعمل القطاع الخاص على تيسير حصول منشآت الأعمال متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة على التمويل اللازم للزراعة المراعية للمناخ، وإعادة تدوير النفايات، والطاقة الشمسية الكهروضوئية.

ومن الممكن أن يؤدي دمج العمل المعني بتغير المناخ مع إستراتيجيات التنمية إلى تدعيم المؤسسات، والتغلب على العقبات التي تحول دون مشاركة القطاع الخاص، وتعزيز التكامل الإقليمي، وبناء مجتمعات قادرة على الصمود وأكثر شمولاً. وستعمل خريطة الطريق الجديدة على مساعدة البلدان في تلبية أهداف تغير المناخ، وتجنب أسوأ الآثار المترتبة على الأزمة المناخية، وجني مكاسب ثلاثية تتمثل فيما يلي: الوظائف، والاستدامة الاقتصادية، والشمول الاجتماعي.

وفي هذه اللحظة الحاسمة في مواجهة تغير المناخ، نتطلع إلى العمل مع واضعي السياسات، وعناصر القطاع الخاص، والعاملين في مجال التنمية لجعل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر مراعاة للبيئة وأقدر على الصمود في مواجهة التحديات.



Api
Api