النسخة المعدة للإلقاء
صباح الخير عليكم، جميعاً.
لطالما كان للزراعة دور رئيسي في قلب مسيرة التنمية، ولكن التحدي اليوم هو تحويلها إلى قوة دافعة لخلق فرص العمل، وزيادة الدخل، وتعزيز الأمن الغذائي على نطاق واسع. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكننا زيادة إنتاج الغذاء، مع تحويل هذا النمو إلى نشاط اقتصادي يحقق دخلاً أعلى لصغار المزارعين وأصحاب الحيازات الصغيرة ويوسع دائرة الفرص على مستوى الاقتصادات بأكملها؟
دعوني أبدأ بالحديث عن السبب في هذا الطرح.
على مدى السنوات العشر إلى الخمس عشرة القادمة، سيصل حوالي 1.2 مليار شاب في البلدان النامية إلى سن العمل. ومع ذلك، تشير الاتجاهات الحالية إلى أنه لن يتم توفير سوى 400 مليون وظيفة. هذا الفارق، الذي يقدر بمئات الملايين، إما أن يساهم في دفع عجلة الاقتصاد العالمي إلى الأمام أو يتحول إلى مصدر للاضطرابات والهجرة.
ولهذا السبب، جعلت مجموعة البنك الدولي خلق الوظائف رسالتها الأساسية ومهمتها المحورية.
إن معظم الوظائف تأتي في نهاية المطاف من القطاع الخاص، لكن البداية ليست دائماً من هناك. فالبلدان تعمل وتتحرك دون توقف؛ وفي المراحل المبكرة، يؤدي القطاع العام (الحكومي) دوراً محورياً في خلق الوظائف، ومع الوقت، يتصدر رأس المال الخاص وريادة الأعمال المشهد.
وتعكس إستراتيجيتنا القائمة على ثلاث ركائز هذا النهج بوضوح؛ فالركيزة الأولى تتمثل في إقامة البنية التحتية وتنمية المهارات؛ والثانية في وضع لوائح تنظيمية واضحة وتهيئة بيئة داعمة للأعمال؛ والثالثة في دعم المستثمرين بأدوات لإدارة المخاطر وجذب المزيد من رؤوس الأموال.
من أين تأتي هذه الوظائف؟
إننا نرى إمكانات واعدة في خمس قطاعات رئيسية: البنية التحتية، والصناعات الزراعية، والرعاية الصحية، والسياحة، والصناعات التحويلية ذات القيمة المضافة.
سنخصص تركيزنا اليوم على قطاع الصناعات الزراعية، لأنه حجر الأساس في توفير فرص العمل، وأداة رئيسية لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الغذاء، المتوقع أن يرتفع بأكثر من 50% خلال العقود القادمة.
وتشكل الأسواق الصاعدة محور تحقيق هذين الهدفين كليهما.
فالعالم النامي لديه جميع المقومات الأساسية: الأراضي الخصبة، وأشعة الشمس الوفيرة، والموارد المائية، وأهم من ذلك، الثروة البشرية.
- تملك أفريقيا 60% من الأراضي الصالحة للزراعة غير المستغلة في العالم، وهي قادرة على زيادة إنتاجية الأراضي المزروعة بالفعل.
- تنتج أمريكا اللاتينية بالفعل ما يكفي من الغذاء لأكثر من مليار شخص، إلا أن العقبة الرئيسية تكمن في البنية التحتية.
- في جميع ربوع آسيا، يدير صغار المزارعين وأصحاب الحيازات الصغيرة النصيب الأكبر من الأراضي الزراعية، وهؤلاء يمثلون قاعدة ضخمة تستحق أن ننهض بها من خلال تحسين التكنولوجيا، وتوفير التمويل، وتعزيز الوصول إلى الأسواق.
- على الصعيد العالمي، يساهم 500 مليون من صغار المزارعين وأصحاب الحيازات الصغيرة في إنتاج 80% من الغذاء العالمي، ومع ذلك، فإن معظمهم لا يزالون عالقين في زراعة الكفاف، بل ويعانون من نقص الكهرباء، ومنشآت التخزين، وبرامج التدريب، وعدم القدرة على النفاذ إلى الأسواق. وأقل من واحد من بين عشرة أشخاص يستطيع الحصول على تمويل تجاري.
لقد كانت الفرصة متاحة لعقود طويلة، ولكن ما يتغير الآن هو قدرتنا على التنظيم على نطاق واسع من أجل رسم ملامح مستقبل الأمن الغذائي، والتغذية، والنمو، وخلق فرص العمل.
ففي العام الماضي، بدأت مجموعة البنك الدولي تنفيذ إستراتيجية طموحة تعكس هذا الواقع. ولقد وضعنا نصب أعيننا تحقيق الأهداف التالية:
- تقديم الدعم لأصحاب الحيازات الصغيرة وصغار المزارعين لزيادة إنتاجيتهم وتوسيع نطاق مشروعاتهم وأنشطتهم؛
- ربطهم بسلاسل قيمة منظمة تساهم في رفع مستويات الدخل؛
- حمايتهم من الاستغلال، حتى لا يُجبروا على بيع أراضيهم بسبب عدم قدرتهم على الحصول على التسهيلات الائتمانية أو خدمات التأمين أو النفاذ إلى الأسواق.
وفي الوقت نفسه، وضعنا هدفاً طموحاً يتمثل في مضاعفة ارتباطاتنا بتمويل قطاع الصناعات الزراعية بمبلغ يصل إلى 9 مليارات دولار سنوياً بحلول عام 2030، مع السعي إلى تدبير 5 مليارات دولار إضافية لدعم هذه الجهود.
إن هذا الهدف يستند إلى ما قمنا باختباره عملياً على أرض الواقع، فضلاً عن الدروس القيّمة التي تعلمناها من الآخرين.
علينا أن نختلس الفرص والتجارب الناجحة بلا خجل ونتبادلها بلا مواربة، وهكذا نصنع نجاحنا المشترك.
إننا اليوم، نسعى جاهدين إلى دفع هذا الجهد قدماً نحو التنفيذ على نطاق أوسع.
- إن الأساس الذي يجب أن يتوفر واضح تماماً وهو إصلاح السياسات والبنى التحتية، لا سيما الجوانب الأساسية والأكثر أهمية، مثل وضوح حقوق حيازة الأراضي، واعتماد معايير البذور والمعايير الصحية، بالإضافة إلى توفير أساسيات العمل كشبكات الري، والطرق الريفية، ومنشآت التخزين، والكهرباء لسلاسل التبريد.
- دعونا نوجه أنظارنا إلى المُزارع الصغير، ذلك الذي لا يستطيع الحصول على المستلزمات الأساسية، أو التمويل أو التسهيلات الائتمانية الضرورية، أو خدمات الإرشاد المهمة، أو قد لا يجد مشترياً جاداً وموثوقاً لشراء محصوله وإنتاجه. فجمعيات المزارعين والمنتجين، التي غالباً ما تقوم بإنشائها الحكومات أو رواد الأعمال أو الجهات الفاعلة في القطاع الخاص، هي الجسر الذي يربط هؤلاء المزارعين بالموردين، وشركات التأمين والمشترين والمقرضين. ومن خلالها، يتم تقديم برامج وخدمات الإرشاد الزراعي، وتوفير الأسمدة، ورأس المال اللازم للأنشطة الزراعية، فضلاً عن توفير سبل النفاذ والوصول إلى الأسواق على نحو واضح وموثوق. وعندما تزيد الإنتاجية ويتسع نطاق العمال، يصبح بإمكان التعاونيات بيع المنتجات والمحاصيل في إطار اتفاقات منظمة ورسمية مع المنشآت الصغيرة والمتوسطة أو الشركات الأكبر، مما يُمكن المزارعين من تحقيق أرباح أكبر، ويمنح المقرضين تدفقات نقدية مستقرة، وبالتالي ارتفاع مستويات الدخل.
- القدرة على الصمود هي أساس البناء، ولا تُضاف لاحقاً. فالبداية هي توفير بذور مقاومة للحرارة، وأسمدة تتوافق مع خصائص التربة، وأساليب فعّالة لتجديد خصوبتها، وشبكات ريّ عالية الكفاءة، إلى جانب توفير دعائم قوية تتمثل في خدمات التأمين والتمويل، بما يضمن ألّا يتحوّل موسمٌ زراعيٌّ صعب إلى عامٍ كامل من الخسائر.
- الرقمنة هي عنصر الربط الأساسي بين مكونات المنظومة بأكملها، على سبيل المثال تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي الصغيرة على الهواتف البسيطة يمكن أن تساعد في تشخيص أمراض المحاصيل من خلال التقاط صور لها، وتحديد الأسمدة اللازمة، والاستعداد والتأهب قبل وقوع أي ظواهر مناخية سلبية، وضمان إنجاز معاملات الدفع بأمان. هذه البيانات المتوفرة من خلال الأدوات الرقمية ستكون بمثابة السجل الائتماني للمزارع؛ فوجود ضمانات أفضل يؤدي إلى خفض تكلفة رأس المال، وخفض التكلفة يؤدي إلى جذب المزيد من المقرضين، وهذه هي الحلقة الإيجابية التي نعمل على بنائها الآن.
إننا لا نستغرق في النظرية، ولكننا نعمل على أرض الواقع، فقد شهدت بنفسي في ولاية أوتار براديش في الهند كيف تضافرت كل هذه الجهود والعناصر: البنية الأساسية، والجمعيات التعاونية، والقدرة على الصمود، والرقمنة—وحققت نتائج مبهرة.
إن ما يثبت صحة أفكارنا وتصوراتنا هو ما تحقق من نجاح وتوسع على أرض الواقع.
ونقصد بذلك منظومة العمل التي نسعى إلى محاكاتها في كل مكان إن أمكن ذلك. غير أنّ نجاح هذا المسعى مرهون بتكاتف الحكومة وقطاع الأعمال والشركات وشركاء التنمية، للاصطفاف وللعمل بانسجام نحو تحقيق هذا الهدف المشترك.
وهذا ما سنراه هذا الصباح.
شكراً جزيلاً لكم.
[شاهدوا الفعالية كاملة هنا: المزارعون والصناعات الغذائية والتمويل لخلق الوظائف]