في لبنان، حيث أدت سنوات من الأزمات والضغوط الاقتصادية إلى تعطيل سبل كسب العيش، تُعد الطرق أكثر من مجرد ممرات للنقل، بل هي مسارات لتحقيق التعافي. وقد أسهم مشروع الطرق والعمالة في مساعدة لبنان على تأهيل شبكة من الطرق الحيوية إلى جانب توفير الوظائف ودعم النشاط الزراعي والسياحي.
شهدت شبكة الطرق في لبنان تدهوراً كبيراً بسبب سنوات من الإهمال، والأزمة الاقتصادية والمالية التي أدت إلى تأخير الاستثمارات والإصلاحات الحيوية، بالإضافة إلى زيادة الضغط على الخدمات العامة والوظائف بسبب تدفق اللاجئين السوريين. كما أن نحو ثلث شبكة الطرق الرئيسية في البلاد التي تمتد لأكثر من 6500 كيلومتر في حالة متوسطة إلى سيئة، وتحتاج إلى إصلاح عاجل. وفي عام 2019، تم تسجيل 578 حالة وفاة نتيجة حوادث الطرق على مستوى البلاد.
تم إطلاق مشروع الطرق والعمالة في عام 2017 بقيمة بلغت 200 مليون دولار وبتمويل مشترك من البنك الدولي (قرض بقيمة 154.6 مليون دولار) ومنحة بقيمة 45.4 مليون دولار من البرنامج العالمي لتسهيلات التمويل الميسر(GCFF). واستهدف المشروع إعادة تأهيل الطرق المعبدة الحيوية في جميع أنحاء البلاد وخلق فرص عمل قصيرة الأجل للمواطنين اللبنانيين والنازحين السوريين. ومن خلال ربط الاستثمار في البنية التحتية بخلق فرص العمل، استهدف المشروع أيضاً تلبيةَ احتياجات التوظيف الفورية والأهداف الإنمائية طويلة الأجل.
غطى مشروع الطرق والعمالة نطاقاً واسعاً من شبكة الطرق في لبنان في 25 قضاء، مع التركيز على إعادة تأهيل الطرق وصيانتها الدورية. وشملت الأعمال رفع مستوى شبكات الصرف وتثبيت المنحدرات، وهو أمر حيوي للحد من المخاطر التي تشكلها الفيضانات والانهيارات الأرضية خلال فصول الشتاء القاسية في لبنان.
وإدراكاً للآثار الناجمة عن تغير المناخ والظروف الجوية القاسية، قام المشروع أيضاً بتزويد المكاتب الإقليمية التابعة لوزارة الأشغال العامة والنقل بالمعدات الأساسية للاستجابة للطوارئ شملت 10 كاسحات ثلوج، و15 جرافة بعجلات، و5 مركبات لرش الملح. وقد أسهمت هذه المعدات في تعزيز القدرة على الاستجابة للعواصف الثلجية وغيرها من حالات الطوارئ على الطرق في المناطق المعرضة لتساقط الثلوج بكثافة.
وفي منتصف عام 2025، أصبح أثر مشروع الطرق والعمالة واضحاً في جميع أنحاء لبنان، حيث أعيد تأهيل أكثر من 530 كيلومتراً من الطرق، وهو ما يتجاوز الهدف الأصلي البالغ 500 كيلومتر، كما تمت أعمال الصيانة لنحو 1000 كيلومتر. وقد أدت هذه التحسينات إلى تقليص زمن السفر، وتعزيز الربط بين المناطق، والأهم أنها جعلت الطرق أكثر أماناً لملايين المستخدمين. وشهدت الطرقات الرئيسية التي تم تأهيلها من خلال المشروع انخفاضاً في وفيات الحوادث بنسبةٍ تزيد على 20%، مما يدل على فاعلية تحسين اللافتات الإرشادية والإجراءات التدخلية لتحقيق السلامة المرورية.
وبلغت آثار المشروع مدى أبعد، فقد استفاد ما يقرب من 1.4 مليون شخص من سهولة الوصول إلى الخدمات الأساسية والأسواق وفرص العمل. ومن المتوقع توفير المزيد من الوظائف في إطار برنامج الحكومة لصيانة الطرق.
وفيما يتعلق بخلق الوظائف، فقد أتاح المشروع قرابة 1.3 مليون يوم عمل من فرص العمل قصيرة الأجل للعمال من اللبنانيين والسوريين، في مجالات تشمل الاستشارات والإنشاءات، وعادت بالنفع على المجتمعات المحلية. وأتاح المشروع فرصاً لفئاتٍ متنوعة من القوى العاملة، بما في ذلك كبار السن الذين وجدوا غايةً جديدة لحياتهم ومصدرَ دخل متجدد من خلال المشاركة في أنشطته.
وقد اعتمد المشروع نهجاً مبتكراً لتلقي الآراء والملاحظات من أصحاب المصلحة من خلال إطلاق منصة إلكترونية صممتها منظمة IMPACT Lebanon لتمكين المواطنين والعاملين في المشروع من الإبلاغ عن المشاكل وتبادل الآراء والملاحظات طوال فترة تنفيذه. وقد أسهمت هذه المنصة، التي يمكن الوصول إليها من خلال أكواد الاستجابة السريعة (QR codes) المعروضة في مكاتب البلديات، وعلى اللافتات الخاصة بالمشروعات، وفي مواقع العمل، في تعزيز الشفافية والمساءلة، مما يضمن الاستماع إلى آراء السكان المحليين واتخاذ الإجراءات اللازمة بناءً عليها.
وكان للتعاون مع البلديات دور محوري في نجاح المشروع، حيث أسهم النهج الشفاف الذي اعتمده المشروع إزاء آراء المواطنين وملاحظاتهم والتنسيق مع البلديات في ترسيخ الثقة وتعزيز روح التعاون. وقد أشاد مسؤولو البلديات بقنوات التواصل المفتوحة بين المقاولين والاستشاريين وأجهزة الحكم المحلي، مشددين على أهمية إعادة تأهيل الطرق التي كانت خطرة في السابق والدعم الذي طال انتظاره لمجتمعاتهم المحلية.
وبالإضافة إلى أعمال التطوير المادية، قدم المشروع دعماً فنياً لأحد البرامج الوطنية للسلامة على الطرق، مما وضع الأساس لإدخال تحسيناتٍ مستدامة في إدارة السلامة على الطرق.
وتخطى المشروع أيضاً نطاق الطرق، حيث قام بتوفير مساعدات نقدية لنحو 26,687 من صغار المزارعين لشراء المستلزمات الأساسية لتمكينهم من مواصلة الإنتاج الزراعي بهدف معالجة الآثار التي تركتها جائحة كورونا وتسببها في تأخير مواسم الزراعة والحصاد. كما قام بتسليم 1.5 مليون جرعة من اللقاحات الحيوانية ضمن برنامج التلقيح السنوي لوزارة الزراعة. ومن خلال ربط المجتمعات الريفية بالأسواق والخدمات، أسهم المشروع أيضاً في تعزيز الأمن الغذائي وسبل كسب العيش في المناطق الريفية.
لقد ساعد مشروع الطرق والعمالة على إعادة تأهيل الشرايين الحيوية، وربط المجتمعات المحلية، ودعم سبل كسب العيش. وقدم المشروع نموذجاً للتعافي يقوم على أسس الربط بين المناطق، وتوفير الوظائف، وبناء القدرة على الصمود. وكل كيلومتر من الطرق التي أعيد تأهيلها أكثر من مجرد شريط من الأسفلت، حيث يمثل طريقاً نحو الفرص، يربط المزارعين بالأسواق، والأطفال بالمدارس، والأسر بالخدمات الأساسية.