في العاصمة الصومالية مقديشو، حيث يهيمن الرجال منذ فترة طويلة على صناعة البناء، هناك امرأتان من بين النساء تعيدان صياغة هذه السردية. وجدت فرحية عبد القادر محمد وحليمة أبو بكر فرصتي عمل في مجال بناء الطرق من خلال المرحلة الثانية من مشروع بناء القدرة على الصمود في المناطق الحضرية في الصومال الذي يدعمه البنك الدولي، والمعروف أيضاً باسم مشروع نغاد.
استفاد حتى الآن من مشروع نغاد 494910 أشخاص (49%) من إجمالي المشاريع المستهدفة البالغة مليون مشروع من خلال استثمارات في البنية التحتية الحضرية في ست مدن صومالية: مقديشو وغاروي وبيدوا وكيسمايو ودوساماريب وبلدوين. ومن بين الأشخاص الذين تم حصرهم، تبلغ نسبة النساء 51% ونسبة النازحين داخلياً 14%. وتشمل البنية التحتية التي شاركوا في العمل على بنائها 34 كيلومتراً من الطرق، مع إنارة شوارع تعمل بالطاقة الشمسية المتكاملة، وأرصفة مشاة، وصرف صحي على جانب الطريق، وتخضير، بالإضافة إلى جسر بطول 145 متراً و6 كيلومترات من شبكات الصرف الصحي التي أعيد تأهيلها. ومع استمرار الأعمال التي تغطي 53 كيلومترًا إضافيًا من الطرق وكيلومترين من إمدادات الصرف في المدن الست، من المتوقع أن يصل عدد المستفيدين من المشروع إلى 700 ألف شخص إضافيين عند اكتماله وأن يتجاوز هدفه البالغ مليون مستفيد.
في إطار الدعم الذي يقدمه المشروع لمواجهة نوبات الجفاف على مستوى البلديات، استفاد 1056397 صومالياً، منهم 63% من النساء و82% من النازحين داخليًا. ويهدف المشروع إلى تحسين قدرات أجهزة الحكم المحلي على تقديم الخدمات وتدعيم البنية التحتية الحضرية والقدرة على الصمود في وجه الصدمات المناخية، وبخاصة موجات الحر الشديد والفيضانات المفاجئة.
في موقع بناء مزدحم بمنطقة شنغاني في مقديشو، تفوح رائحة الأسفلت، وتُدَوّي أصوات الآلات الثقيلة، ويتحرك العمال بدقة وتناغم. ومن بين هؤلاء، يبرز شخصان ليس لأنهما في غير محلهما، ولكن لأنهما يرمزان إلى تغيير طال انتظاره.
القوة والحاجة: دافعان لإحداث التغيير
بعد التردد في اقتحام مجال يهيمن عليه الرجال، أصبحت فرحية وحليمة تخطوان الآن بخطى ثابتة بين زملائهما، وتلمع ستراتهما الواقية في دلالة على حدوث تقدم.
وبالنسبة لفرحية، لم تكن فكرة العمل في قطاع البناء واردة في يوم من الأيام. وعن ذلك تقول: "لقد نشأت في مجتمع يتوقع أن تقوم النساء فيه بأدوار تقليدية، مثل تقديم خدمات الرعاية أو التدريس أو إدارة مشروعات صغيرة". وتستطرد قائلة: "إلا أنني لطالما كنت مهتمة بكيفية القيام بأعمال البناء وكنت أراقب الرجال وهم يعملون على الطرق، وأتساءل لماذا لا تشارك النساء في هذا العمل أيضاً".
لقد أُتيحت لفرحية فرصة العمل في هذا المجال من خلال حملة توظيف في نغاد. كانت متشككة في البداية، حيث تساءلت عما إذا كان بإمكانها تحمّل العمل البدني وما إذا كان الرجال سيتقبّلون العمل معها. إلا أنها لم تترك نفسها فريسة لهذه الأفكار، وأقنعت نفسها بأنه إذا كان الرجال قادرين على أداء هذا العمل، فلا شيء يمنعها من أن تحذو حذوهم.
أما حليمة، وهي أم لسبعة أطفال، فكانت مدفوعة بفعل الحاجة. فقد مارست عدة أعمال، كبائعة شاي وعاملة نظافة وخياطة، لكن لم يجلب أي من هذه الأعمال الاستقرار المالي لها. وعن تجربتها قالت: "عندما سمعت عن فرصة العمل في قطاع البناء، لم أكن واثقة في قدرتي على خوض هذا المجال. لكن لم يكن لديَّ خيار آخر، فقد كان أطفالي بحاجة إلى أن أكون قوية".
واجهت كلتا المرأتين تحديات هائلة، منها الحرارة الشديدة والعمل المرهق. بيد أن العبء الأثقل كان مصدره الشك الكبير في نفوس زملائهما الرجال. وصفت ذلك حليمة قائلة: "عندما حملت مجرفة للمرة الأولى، سخر مني بعض الرجال". وأضافت: "قالوا إنني لن أصمد أسبوعاً واحداً!"
لقد ثبتت كلتاهما على موقفهما وانهمكتا في العمل بكل تصميم وإرادة. وخطوة بخطوة، بدأت المفاهيم تتبدل، وبدأ الرجال أنفسهم الذين كانوا يشككون ذات مرة في قدرتهما يعترفون بمهارتهما في العمل. وعلقت فرحية على ذلك قائلة: "لم يعودوا ينظرون إلينا كنساء يحاولن القيام بعمل الرجال". وأضافت: "إنهم ينظرون إلينا كزميلات في العمل". وبدعم من مشروع نغاد، تلقتا تدريبًا على بروتوكولات السلامة وتشغيل الآلات وتغطية الطرق بالأسفلت.
من جانبه، شهد محمد شيخ أحمد، أخصائي المشاركة المجتمعية في وحدة تنفيذ المشاريع التابعة لإدارة منطقة بنادير، عن كثب التحول الذي حدث لهما، حيث قال: "حليمة وفرحية من أكثر العاملين جدية. لقد أثبتتا أن النساء قادرات على أداء هذا العمل تماماً مثل الرجال. فالأمر لا يتعلق فقط بالطرق أو العمل، بل بتغيير العقليات ونمط التفكير لبناء مستقبل لا يحد فيه النوع الاجتماعي من إمكانات الفرد".
التمكين الشخصي والمجتمعي
كان التغيير أكثر من مجرد تغيير مهني، بل كان تغييرًا على المستوى الشخصي. تصف فرحية هذا التغيير قائلة: "هذا العمل قد منحني الاستقلالية". وشرحت ذلك قائلة: "فلم أعد أعتمد على أي شخص للحصول على الدعم. هذا وحده يستحق كل التحديات التي واجهتها". وبالنسبة لحليمة، فقد تبدلت حياتها أيضاً، وتستطيع الآن تحمّل تكاليف الإيجار والطعام ودفع الرسوم المدرسية لأطفالها. وعن ذلك الأمر، قالت: "لم أعد أشعر بالقلق بشأن كيفية إطعام أطفالي. لقد منحني هذا العمل الحياة والأمل".
تحلم حليمة وفرحية الآن بالحصول على عمل آخر يتجاوز نطاق عملهما الحالي. حليمة ترغب في تدريب وتوجيه نساء أخريات ومساعدتهن على بناء الثقة واكتساب المهارات. أما فرحية فتطمح إلى المشاركة في إدارة مشروعات البناء كمشرفة موقع وأن تكون نموذجاً يُحتذى به. وعن أحلامها قالت: "أريد أن أكون قدوة للنساء لإظهار أن المرأة يمكنها بلوغ القمة في أي مجال تخوضه".
لكن التأثير الأعمق كان على مجتمعاتهما. قالت حليمة: "اعتاد جيراني القول إن مجال البناء ليس مجالاً للنساء. أما الآن، فأصبحوا يسألوني عن كيفية العمل فيه!" فحليمة وفرحية توجهان الأخريات، وتشجعان الشابات على استكشاف سبل كانت تعتبر ذات يوم محظورة عليهن. علقت حليمة على ذلك قائلة: "لا يوجد شيء اسمه عمل مقتصر على الرجال أو عمل مقتصر على النساء". وأوضحت قائلة: "إذا كان الشخص لديه المهارات اللازمة والعزم والإرادة، فيمكنه العمل في أي مجال".
لم تصل رحلة هاتين المرأتين إلى نهايتها بعد. فبينما تقفان على الطرق التي أنشئت حديثاً في مقديشو، تدركان جيداً أنهما بدأتا بالفعل في تمهيد الطريق للأجيال القادمة من النساء الصوماليات.