Skip to Main Navigation
12/07/2022

تأمين مستقبلنا من خلال التنوع البيولوجي

يمثل التنوع البيولوجي جانباً كبيراً من ثروات كوكبنا. وهو ركيزة أساسية لعملية التنمية، ويُنذِر فقدانه بضياع كثير من المكاسب الإنمائية التي حققها الإنسان بشق الأنفس. وعلى سبيل المثال، يُؤدي فقدان الغابات إلى فقدان بالوعات الكربون، وتسريع وتيرة تغير المناخ. فغابات الأمازون كانت تمتص 5% من انبعاثات الكربون السنوية، ولكن لم يعد الحال كذلك الآن. وفي فترة الأشهر الستة الأولى لعام 2022 وحدها، تم تدمير 1500 ميل مربع من غابات الأمازون، وهي مساحة تزيد على مثلي مساحة بيكين. علاوةً على ذلك، يتسبب التنافس على الموارد الطبيعية في 40% من جميع الصراعات، أو في تفاقمها أو تمويلها.

يُخفِّف التنوع البيولوجي من تأثير أزمات أخرى، مثل تغير المناخ والصراع على التنمية، وهو أيضا مصدر ثروة البلدان الفقيرة والمجتمعات المحلية الفقيرة داخل البلدان بوصفه مصدراً لخلق الوظائف وإجمالي الناتج المحلي. ولنأخذ مثلا قطاع مصائد الأسماك الذي يوفر 60 مليون وظيفة على مستوى العالم ترتبط ارتباطا مباشرا بالصيد والمزارع السمكية. ومقابل كل وظيفةٍ من تلك الوظائف، تنشأ 2.5 وظيفة أخرى في سلاسل قيمة مصائد الأسماك. أي 200 مليون وظيفة، 60% منها في بلدان العالم النامية. ويصدق هذا القول على صناعات مثل الحراجة وسياحة المناطق الطبيعية.

ينبغي ألا ننسى أن فقدان الطبيعة والتنوع البيولوجي خطر كبير على اقتصاداتنا، وقطاعنا المالي، ومن ثمَّ على التنمية. وماليزيا خير مثال على ذلك. وخلص تقرير للبنك الدولي صدر في الآونة الأخيرة إلى أنه في حالة حدوث انهيار جزئي للمنظومة البيئية، قد تفقد ماليزيا -وهي من أغنى بلدان العالم من حيث التنوع الحيوي- سنوياً 6% من إجمالي ناتجها المحلي بحلول 2030. ويضاهي حجم هذه الخسارة ما خلَّفته جائحة كورونا في 2020. ووجدت دراسة حديثة أجريناها مع بنك نيغارا (البنك المركزي لماليزيا) أن أكثر من نصف القروض التجارية التي قدَّمها القطاع المصرفي كانت لقطاعات تعتمد اعتماداً كبيراً على خدمات الأنظمة البيئية، وأن قرابة 90% كانت لقطاعات لها هي نفسها تأثير بالغ على الأنظمة البيئية.

في شتَّى أنحاء العالم، تضمحل معالم الطبيعة --وهي التنوع الحيوي للكائنات الحية وما يصاحبها من خدمات الأنظمة البيئية التي تقدمها-- بمعدل غير مسبوق وعلى نطاق كانت له بالفعل تداعيات كارثية على الاقتصادات وسبل كسب العيش. والاقتصادات الأشد فقراً هي الأكثر تضرراً من فقدان التنوع الحيوي وتدهوره.

يعتمد أكثر من 50% من إجمالي الناتج المحلي العالمي أو 44 تريليون دولار من حيث القيمة الاقتصادية على الموارد الطبيعية.

الطبيعة لا تحتاج إلينا، إنما نحن الذين نحتاج إلى الطبيعة  

ورأس المال الطبيعي -- ثروات مثل الغابات والمياه والأرصدة السمكية والمعادن والتنوع الحيوي والأراضي -- لا يُقدَّر حق قدره، وتُهدَر قيمته. ونتيجةً لذلك، لا يحظى فقدانه بالتقدير السليم. فالأخشاب التي تُنتَج وتُباع على حساب إزالة الغابات سيكون لها تأثير إيجابي على إجمالي الناتج المحلي لأي بلد. ولكن ثروة هذا البلد تنضب، ويتعرض مستقبله للخطر.

غير أن لدينا طريقةً لفهم الخسائر الناجمة عن الاستغلال المفرط والفرص النافعة التي يتيحها الحفظ الرشيد. ويُظهِر استخدام نظام محاسبة رأس المال الطبيعي لقياس مساهمة رأس المال الطبيعي في ثروة بلد من البلدان وفرصه الإنمائية كيف أن تحويل الاستثمارات في اتجاه تدابير وسلوكيات تراعي اعتبارات الطبيعة يمكن أن يسهم في تحقيق نمو مستدام، ومكافحة تغير المناخ، والحفاظ على الطبيعة في آن واحد.

ويُعد نظام محاسبة رأس المال الطبيعي طريقة منهجية لقياس وتسجيل أرصدة وتدفقات رأس المال الطبيعي. وهو يساعد متخذي القرار على فهم كيف تتفاعل البيئة مع الاقتصاد. ويُقدِّم البرنامج العالمي المعني بالاستدامة التابع للبنك الدولي للحكومات والقطاع المالي الأدوات والخبرة لمساعدتها في دمج نظام محاسبة رأس المال الطبيعي وغيره من اعتبارات البيئة والاستدامة في قراراتها العامة والخاصة.

فلننظر هنا فيما هو على المحك: يتم توليد أكثر من نصف إجمالي الناتج المحلي العالمي في صناعات تعتمد اعتماداً كبيراً أو متوسطاً على خدمات الأنظمة البيئية، مثل تلقيح النباتات، وتنقية المياه، والمواد الخام. ويسهم رأس المال الطبيعي المتجدد بما فيه أصول الأراضي مثل التربة الزراعية والغابات، والأصول الزرقاء مثل مصائد الأسماك وأشجار المنغروف بنسبة 23% من مصادر الثروة في البلدان منخفضة الدخل و10% في الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل.

في مختلف البلدان والأسواق، تُشكِّل الطبيعة ركيزة أساسية للاقتصاد، لكنها ركيزة لا تُقدَّر حق قدرها، ويُنتَقص من قيمتها، ولا يُستثمر فيها بالقدر الكافي.

يعتمد أكثر من 75% من المحاصيل الغذائية على التلقيح الحيواني – ومع ذلك حدث نقصان يزيد على 40% في أنواع الحشرات المعروفة في العقود القليلة الماضية.

إن حفظ الطبيعة على كوكبنا واستعادتها قضية إنمائية حيوية. وينبغي ألا يُنظَر إليها على أنها عمل خيري، فهي مسألة حيوية للحفاظ على الرفاهة الاقتصادية التي تعتمد عليها حياتنا وسبلنا لكسب العيش. ومع اجتماعنا في المؤتمر الخامس عشر للأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي (COP15)، لدينا الأدوات اللازمة لتفعيل المساهمات الاقتصادية للطبيعة والتنوع الحيوي بغية التأثير على طريقة اتخاذ القرارات الاقتصادية حتى يتسنَّى للمستثمرين وواضعي السياسات إزالة "النقاط المبهمة" التي تبعدنا عن تحقيق الرخاء في المستقبل.

"ما من حلٍ واحدٍ يكفي لبلوغ الغاية. ويجب علينا أن نحافظ على التنوع الحيوي وأن نتسم بالاستدامة في عمليات الإنتاج والاستهلاك، ويجب أن نراعي قيمة رأس المال الطبيعي في خطط التنمية. ولبنوك التنمية متعددة الأطراف وواضعي السياسات والقطاع الخاص وعامة الناس جميعا دورٌ ينبغي أن يضطلعوا به في الحفاظ على مستقبلنا"
Mari Pangestu
ماري بانغيستو
المديرة المنتدبة لشؤون سياسات التنمية والشراكات بالبنك الدولي

فتح الباب أمام آفاق جديدة

يساند التنوع الحيوي نمو الوظائف 

بعد قرابة عقد من الصراع، تعرضت سلاسل قيمة مصائد الأسماك في اليمن للتدمير. والسمك جزء قيِّم من النظام الغذائي المحلي في بلدٍ يعاني فيه ثلثا السكان من الحرمان من الأمن الغذائي. وهو أيضا سلعة تصدير مهمة ومصدر لفرص العمل والتوظيف.

يساعد البنك الدولي في إحياء هذا النشاط من خلال منحة بقيمة 45 مليون دولار تضع الاستدامة في صميم اهتماماتها. ولبلوغ هذه الغاية، يعمل المشروع مع شركاء محليين، والتعاونيات والجمعيات المعنية بمصائد الأسماك لجعل إدارة مصائد الأسماك أكثر استدامة، وزيادة الإنتاج، وتوفير فرص العمل مع حماية الأسماك ونظمها البيئية.

Image
الحديدة / اليمن - سوق السمك في الحديدة ، البحر الأحمر ، باب المندب © شترستوك

تهدف المنحة من خلال المساعدة في تنويع الأنشطة الاقتصادية إلى تعزيز الفرص الاقتصادية في اليمن وتحسين أوضاع الأمن الغذائي. وتجعل استعادة سلاسل قيمة مستدامة لمصائد الأسماك هذه السبل لكسب الرزق أكثر أمناً في المستقبل.

وليس لزاماً أن تكون حماية الطبيعة عبئاً، فقد تكون قوة دافعة للاقتصاد.

يعتمد أكثر من 3 مليارات شخص على التنوع الحيوي البحري والساحلي في الحصول على البروتين وسبل كسب عيشهم ، لكن 90% من الأرصدة السمكية البحرية العالمية تواجه الآن خطر الاستغلال الكامل أو الصيد المفرط.

حماية التنوع الحيوي تكفل أيضا حماية المناخ على كوكبنا

تُشكِّل أزمات التنوع الحيوي والمناخ تحديات جسيمة. وهي أزمات متداخلة، والتدهور في كل منها يُسرِّع خطى تحركنا نحو نقطة تحوّل حاسمة لا رجعة فيها. وبدلاً من معالجتها كمشكلات منفصلة، يمكننا معالجتها معاً.

وتُحدِّد أداة التشخيص الجديدة لمجموعة البنك الدولي (التقرير القُطري عن المناخ والتنمية) حلولاً قائمة على الطبيعة كمجال للتدخل من أجل تدعيم نواتج العمل في المجالات المتصلة بالمناخ والطبيعة والتنمية.

وتشكل أشجار المنغروف الساحلية بنية تحتية طبيعية فعَّالة، حيث تقوم مقام "درع حيوي" لدرء خطر تآكل السواحل وامتصاص هبَّات العواصف الشديدة، ولها منفعة كبيرة كموئل مهم للأسماك، وتمتص ما يزيد على أربعة أمثال ما تمتصه الغابات المطيرة من الانبعاثات الكربونية. ويُخلِّف تدهور حالتها عواقب مناخية واجتماعية واقتصادية وخيمة.

لهذا السبب، فقد استثمر البنك الدولي 285 مليون دولار في مشروع الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية لزراعة أشجار المنغروف في 200 كيلومتر مربع (ما يزيد على 3 أمثال مساحة مانهاتن) على امتداد ساحل الهند. وتمتص هذه الغابات التي أُعيد إحياؤها 1.5 طن متري من الكربون لكل هكتار سنويا. والآن، يجري تقليص قوة موجات المد بتوسيع التغطية بأشجار المنغروف.

لقد ركَّزت الهند على الحلول القائمة على الطبيعة للتغلُّب على مخاطر الكوارث وتحديات تغير المناخ، وفي الوقت ذاته تعزيز التنوع الحيوي. ونتيجة تحقيق هذه المنافع الثلاث هي زيادة الإنتاجية للأنظمة البيئية البحرية، وحماية المجتمعات الساحلية لنحو 11.9 مليون من السكان.

تأتي الطبيعة في صميم الحلول المناخية. وتؤدي المواءمة بين أهداف التنوع الحيوي والعمل المناخي إلى قيام مجتمعات مستدامة وتحقيق تنمية شاملة للجميع. 

تشير التقديرات إلى أنه منذ عام 1990، أُزيل ما يربو على 420 مليون هكتار من تحويل أراضي الغابات إلى استخدامات أخرى. وبين عامي 2015 و2020، بلغ معدل إزالة الغابات ما يُقدَّر بنحو 10 ملايين هكتار سنوياً، وهو ما يعادل مساحة أيسلندا.

وسائط إعلامية

Image
click

الحلول المتكاملة: الاستفادة من التعاون بين مختلف القطاعات 

من أجل البقاء، يجب أن تتخذ الاستجابة العالمية في مواجهة أزمة التنوع الحيوي نهج شامل على مستوى الاقتصاد بأكمله. ويقتضي هذا دمج اعتبارات الطبيعة في مختلف القطاعات والسياسات على كافة المستويات. وهذا ما يبرز فيه البنك الدولي: تجميع طائفة متنوعة من أصحاب المصلحة من أجل اختبار حلول تحويلية وتوسيع نطاق تطبيقها.

تمتلك إندونيسيا ثروات طبيعية ثمينة ذات أهمية عالمية، من بينها أكبر مساحات من أراضي الخث الاستوائية في العالم. وتساند هذه الثروات الطبيعية والأنظمة البيئية النمو الاقتصادي لإندونيسيا وتحفظ سبل كسب العيش لملايين من البشر. وهي تختزن أيضا كميات كبيرة من انبعاثات الكربون فتُخفِّف من مخاطر تغيُّر المناخ.

ويتخذ برنامج الإدارة المستدامة للأراضي الطبيعية في إندونيسيا نهجاً متكاملاً في حماية وتعزيز هذه الموارد بتعزيز التعاون بين الحكومة الوطنية والحكومات الإقليمية، والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، والمجتمعات المحلية. ومن خلال هذا البرنامج، يقوم البنك الدولي والشركاء بتنفيذ أنشطة تحليلية، ومساندة الحوار بشأن السياسات، وتسهيل الاستثمارات لمكافحة إزالة الغابات، وتحسين سبل كسب العيش، وبناء القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ. وتشمل الآليات المُستخدَمة لتحقيق هذه الأهداف تقديم مدفوعات تقوم على النتائج لمساندة الحكومات والمجتمعات المحلية في جهود الحد من إزالة الغابات. وأحد الخصائص الرئيسية لهذه البرامج هو قدرة البنك الدولي على تجميع أصحاب المصلحة حول هدف مشترك.

يساند برنامج الإدارة المستدامة للأراضي الطبيعية في إندونيسيا أيضاً الجهود الرامية إلى تعزيز مشاركة المجتمعات المحلية والشعوب الأصلية في إدارة الأراضي. وتم حتى الآن، رسم خرائط لأكثر من 2.9 مليون قطعة أرض، وإصدار تراخيص لأكثر من 87 ألف هكتار من الغابات الاجتماعية، وذلك من خلال مبادرات الحكومة التي يساندها هذا البرنامج. وتساعد هذه الجهود في معالجة أسباب عدم استدامة إدارة الموارد الطبيعية بطريقة منصفة.

"تخفيف الآثار أمر مهم والحاجة إليه ملحة. وينطبق هذا أيضا على التكيف والقدرة على الصمود، الأول من أجل الحد من التعرض للمخاطر، والثاني لتقليص مواطن الضعف، لاسيما للبلدان المتعاملة مع البنك التي تسهم بأقل قدرٍ من الانبعاثات العالمية، ولكنها تتكبد أشد الضرر من جراء تغير المناخ الذي لا تتسبب فيه."
Valerie M. Hickey
فاليري هيكي
مديرة قطاع الممارسات العالمية للبيئة والموارد الطبيعية والاقتصاد الأزرق بالبنك الدولي

 

إشراك المجتمعات المحلية يكفل تحقيق مكاسب في المستقبل 

سواء من خلال مشروعات تراعي اعتبارات الطبيعة وتؤدي إلى توفير فرص العمل في المجتمعات المحلية، أو تسهيل التعاون الإقليمي لتحقيق الاستخدام المستدام للموارد المشتركة، فإن صميم أي مشروع يجب أن يكون إشراك المجتمعات المحلية وتمكينها.

يعتمد أكثر من 70% من الأسر في موزامبيق على الموارد الطبيعية. ومن عوامل الجذب السياحي في معالمها الطبيعية ومحميات حياتها البرية إلى الأخشاب والأسماك التي توفر الأمن المالي وكذلك الغذاء، من مصلحة المجتمع المحلي أن تكون الموارد متجددة ومستدامة، ومن ثم من الضروري إشراك المجتمعات المحلية. وتساند محفظة مشروعات  برنامج الإدارة المتكاملة للأراضي الطبيعية في موزمبيق تعزيز التعايش السليم بين البشر والطبيعة بالعمل في مختلف القضايا والقطاعات لمعالجة مشكلات إزالة الغابات وسوء استغلال الموارد مع التصدي لتحديات مثل الفقر بالمناطق الريفية، وحقوق المجتمعات المحلية، وإدارة الأراضي.

وإحدى السبل التي تستخدمها محفظة برنامج الإدارة المتكاملة للأراضي الطبيعية في موزمبيق للحفاظ على مكاسبها هو الحث على الحفاظ على الطبيعة بتمويل الأندية البيئية للطلاب. ويجري تقديم 80 منحة دراسية لفتيات أعمارهن بين 13-17 عاما لتلقي التعليم المهني والعام. وهو ركيزة جهود زيادة الوعي البيئي، والتشجيع على إحداث تغييرات في التطبيق العملي وتعديل السلوكيات.

آرتيميسا إينوس مالانغو, وهي طالبة من موزمبيق تصف تجربتها: "في النادي البيئي، تعلَّمت مبادئ الإلمام بالقراءة والكتابة والحساب، وحقوق الأطفال والبيئة... وحتى الآن، لا أدري كيف يمكننا حماية البيئة. ولم أكن أعرف ما هي البيئة، لكنني الآن أعرف. فهذا مهم لنا لأنها غداً قد تصبح ركيزة مستقبلنا." 

الشراكات بين القطاعين العام والخاص وسيلة أخرى يمكننا بها التعاون مع المجتمعات المحلية. وتلعب المناطق المحمية دورا ثمينا في الحفاظ على رأس المال الطبيعي وخدمات المنظومة البيئية، وفي تخفيف أثار تغير المناخ. ولكن توجد فجوة هائلة في تمويل إدارة هذه الأنشطة. يستخدم البنك الدولي نموذجاً للشراكات بين القطاعين العام والخاص مع 15 حكومة في أفريقيا لإرساء شراكات إدارة تعاونية في 40 منطقةً محمية. وتدخل سلطات المناطق المحمية (سواء حكومية أو خاصة أو مجتمعا محليا) في شراكة مع 13 منظمة (خاصة وغير حكومية) لتولي الإدارة المشتركة أو تفويض مهام الإدارة لمناطق محمية تغطي 11.5% من المواقع المحمية في أفريقيا. وخلصت مراجعة شاملة لشراكات الإدارة التعاونية هذه إلى أن متوسط التمويل اللازم للمناطق المحمية في أفريقيا مع شراكات الإدارة التعاونية يزيد على 2.6 ضعف التمويل الأساسي للمناطق المحمية التي تخلو من شراكات الإدارة التعاونية، وتزيد على 14.6 ضعف شراكة الإدارة التعاونية المُفوَّضة. وتعزز هذه الزيادة في التمويل فعالية نموذج المناطق المحمية وتجعلها أكثر جاذبية للاستثمارات المستدامة. 

تُشكِّل المناطق المحمية وسياحة المناطق الطبيعية مصدرا مهما للنمو الاقتصادي. ففي مقابل كل دولار يُستَثمر، يبلغ معدل العائد ستة أضعاف.

التمويل: الحافز لحلول التنوع الحيوي

إعادة توجيه التدفقات المالية: تخضير التمويل والتمويل الأخضر 

التمويل هو المُحفِّز لهذه المشروعات التحويلية. وتتمتع مجموعة البنك الدولي بوضع فريد لتعبئة الأدوات المالية اللازمة لاستثمارات تراعي اعتبارات الطبيعة. وقد يعني ذلك ’تخضير التمويل‘ بإقناع واضعي السياسات بتوجيه الاستثمارات الحالية بعيدا عن الأنشطة التي تؤدي إلى تدهور بيئتنا وأنظمتنا البيئية وتدفع بها نحو تلك الأنشطة التي تحافظ عليها. وهو يعني أيضا ’التمويل الأخضر‘ وذلك بإيجاد منتجات جديدة هي الأولى من نوعها من أجل استثمارات التنوع الحيوي.

وسيلزم توفير 700 مليار دولار من التمويل السنوي للحفاظ على التنوع الحيوي على مدار العقد القادم لتحقيق الأهداف العالمية للتنوع الحيوي. وينفق العالم في الوقت الحالي 120-140 مليار دولار.

الأراضي الجافة في آسيا الوسطى من أسرع مناطق العالم تدهوراً وأشدها تأثراً بتغيرات المناخ. وتتفاقم الظروف القاحلة في أوزبكستان من جراء الضغوط الناجمة عن أنشطة بشرية مثل تكثيف أعمال الزراعة التجارية وقطع الأشجار. وتتدهور حالة الأراضي مُتسبِّبةً في اشتداد تآكل التربة، وفقدان الغطاء النباتي وزيادة الهشاشة في أرجاء المنطقة.

بمزيج من التمويل المُيسَّر من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي، وصندوق الشراكة بين كوريا والبنك الدولي، والشراكة العالمية للمسطحات الطبيعية المستدامة والقادرة على الصمود، استطاعت أوزبكستان الحصول على تمويل بأسعار فائدة أقل من مستويات السوق لتنفيذ وتوسيع برنامج للإدارة المستدامة للأراضي الطبيعية. ويختلف هذا عن نماذج التمويل التقليدي ذات التكلفة الباهظة على البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. واليوم، أصبحت لدى أوزبكستان قدرة أكبر على الصمود في وجه التصحر، وتدهور المناطق الطبيعية، وآثار تغير المناخ.

يلزم إيجاد أدوات مالية تستشرف المستقبل في التحول إلى اقتصاد شامل للجميع ومستدام وأقدر على التكيف.

في الفترة بين عامي 1970 و1992، فقد العالم نحو 96% من حيوانات وحيد القرن الأسود بسبب الصيد غير المشروع. وكانت هذه الحيوانات فيما مضى تجوب أرجاء معظم أفريقيا جنوب الصحراء، لكن 98% منها يوجد الآن في أربعة بلدان فقط. وليست هذه مجرد مأساة للحياة البرية، إنما هي مأساة للأنظمة البيئية برمتها. فوحيد القرن نوع من الحيوانات تندرج تحته فصائل شتى، ويكفل الحفاظ عليها وعلى المساحات التي تحتاج إليها للبقاء على قيد الحياة ويدعم بقاء آلاف من النباتات والحيوانات الأخرى التي تشاركها موئلها.

لوقف هذه المأساة، وعكس مسارها، أطلق البنك الدولي أول سند لصون الحياة البرية. ويهدف إصدار هذه السندات الذي تبلغ حصيلته 150 مليون دولار إلى توجيه التدفقات المالية إلى الحفاظ على الحياة البرية والمجتمعات المحلية. وتسهم جهود الحفظ في محميات الحياة البرية في حماية وتنمية مجموعات وحيد القرن المعرضة لخطر بالغ بالانقراض. وثمة ميزة مشتركة لهذه الجهود هي أنها تدعم خدمات الأنظمة البيئية مثل المياه والموائل النظيفة للواقح التي تخدم قطاع زراعة الحمضيات المحلي.

سند صون الحياة البرية هو نموذج للاستثمار القائم على النواتج، وهو يهدف إلى توفير فرص عمل محلية تتعلق بجهود الحفظ، ويحصل المستثمرون على عائد إذا تحققت الأهداف المتعلقة بنمو أعداد وحيد القرن. وتهدف هذه المبادرة إلى مضاهاة رأس المال الخاص مع الاحتياجات الإنمائية. ويمكن تكرارها وتوسيع نطاقها لتوجيه مزيد من رأس المال الخاص إلى أنشطة الحفظ الأخرى، والتدابير المناخية، والأهداف الإنمائية في أنحاء العالم.

الحلول لأزمات التنوع الحيوي محصورة في نطاق خيالاتنا. ومن خلال إيجاد أدوات مالية على القدر نفسه من الإبداع، يمكننا جعل الحلول الجديدة ممكنة. 

وسائط إعلامية

لقد تعرضت جزر شرق البحر الكاريبي لانتكاسات مالية شديدة من جراء تراجع أنشطة السياحة بسبب جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19). ومع سعي هذه البلدان لإعادة بناء اقتصاداتها، يقف البنك الدولي إلى جانبها لمساندتها. ومن خلال منحٍ وموارد تمويل مُيسَّر بقيمة 60 مليون دولار، أنشأ البنك الدولي مشروع إطلاق العنان للاقتصاد الأزرق في الكاريبي، وهو مشروع هدفه مساندة عدة بلدان في شرق البحر الكاريبي في تحفيز الإمكانات الاقتصادية المستدامة لمواردها البحرية والساحلية الحية.

وباستخدام نهج شامل متعدد القطاعات، تتكاتف جزر غرينادا وسانت لوسيا وسانت فنسنت وغرينادين لتحقيق تحول إستراتيجي نحو السياحة الزرقاء. فالسياحة هي ركيزة النشاط الاقتصادي في شرق البحر الكاريبي إذ تسهم بنسبة 50% من إجمالي الناتج المحلي الإقليمي و40% من فرص العمل والتوظيف. 

وأعد البنك الدولي حزمة تمويل متعددة الشركاء لمساندة هذا التحول، في شكل قروض بقيمة 38 مليون دولار في البلدان الثلاثة مع منحة بقيمة مليون دولار لكل بلد من الصندوق الاستئماني متعدد المانحين للحفاظ على المحيطات. وتم أيضا تقديم تمويل بقيمة 9 ملايين دولار (8 ملايين دولار من البنك الدولي ومليون دولار من صندوق الحفاظ على المحيطات) إلى منظمة دول شرق الكاريبي من أجل المبادرات الإقليمية المتكاملة.

وسيساعد التمويل هذه البلدان على التوجه نحو اتباع نموذج أكثر استدامة للسياحة عالية القيمة القادرة على الصمود يراعي احتياجات زائرين على درجة من التوعية الثقافية والبيئية. وسينصب التركيز الجديد على الأنشطة التي تولِّد آثارا بيئية طفيفة، وتحافظ على الموارد الطبيعية، وتساند المجتمعات المحلية. وفي الوقت نفسه، ستعمل هذه البلدان على تحسين آفاق تنميتها الاقتصادية مع تدعيم قدرتها على الصمود في وجه تقلبات المناخ.

 يدير البنك الدولي 70 صندوقا استئمانيا شاملاً متعدد المانحين. ويُموِّل صندوق الحفاظ على المحيطات، وصندوق بروجرين،  والبرنامج العالمي المعني بالاستدامة الأعمال التحويلية الرامية إلى الحفاظ على المحيطات والأراضي الطبيعية، ودمج اعتبارات البيئة والاستدامة في عملية اتخاذ القرارات العامة والخاصة.

إن حماية وتعزيز التنوع الحيوي لكوكبنا ركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية، واستثمار في رخائنا في المستقبل. وإنَّ لدينا الأدوات اللازمة لقياس قيمته، وفهم المفاضلات من خلال نظام محاسبة رأس المال الطبيعي. ونمتلك أيضا الأدوات المالية لتمويل الحلول القائمة على الطبيعة التي ستؤدي إلى تحقيق ثلاثة منافع: زيادة التنوع الحيوي مع توفير فرص عمل محلية تدعم حماية البيئة والقدرة على الصمود في وجه تغير المناخ.

وسيعمل البنك الدولي هذا العام من أجل الوصول إلى نواتج طموحة في المؤتمر الخامس عشر للأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي (COP15). وندرك أن الطبيعة تمثل جانباً كبيراً من ثروات البلدان الفقيرة، ولذا يجب وضعها في صميم جهود التنمية والعمل المناخي.