موضوع رئيسي

بث الحياة في الأمهات السودانيات

04/04/2013



نقاط رئيسية
  • شهد السودان انخفاضا كبيرا في معدلات وفيات الأمهات أثناء الوضع خلال ست سنوات
  • أدخل السودان تدريب القابلات الصحيات في صلب خطته الصحية الوطنية
  • أكثر من 2240 عاملاً صحياً يقدمون الخدمات الصحية بالمناطق الريفية

مشروع تنمية النظام الصحي اللامركزي هو واحد من بين 15 مشروعاً يقوم على تمويلها صندوق دعم المانحين القومي للسودان. ويُعد الصندوق وسيلة للبلدان للمساهمة في تلبية احتياجات إعادة إعمار وتنمية المناطق التي مزقتها الحرب في السودان. وينتهي تمويل الصندوق في 30 ديسمبر 2013.

همشكوريب، ولاية كسلا، 4 أبريل 2013 - تلتف مجموعة من 44 شابة حول طاولة خشبية في فصلهن المدرسي الصغير حيث تشرح لهن المعلمة كيفية الولادة بطريقة آمنة. وتلمع وجوه الطالبات بأزيائهن الموحدة المؤلفة من ذلك الثوب الأبيض البراق. مرحبا بكم في أول مدرسة للقابلات الصحيات في همشكوريب، وهي قرية في شرق السودان معروفة بارتفاع معدلات الوفيات النفاسية (أثناء الوضع والنفاس).

وتعلو أصوات الطالبات بالنصائح كي لا تنسى المعلمة أي خطوة وهي تقوم في أناة وصبر بتوليد عروسة من القماش. فالطالبات، وكلهن أمهات بالفعل، يشاركن بكل قلوبهن ويدركن جيداً ضرورة النظافة والتطهير أثناء كل خطوة لضمان سلامة عملية الوضع بالنسبة لكل من الأم والمولود. لكن رعاية الأمومة لم يكن يُنظر إليها دائما بهذه العناية في هذه القرية.

وعن ذلك، تقول فاطمة، وهي إحدى الطالبات "اخترنا أن نتلقى التدريب كقابلات صحيات لأن أمهاتنا الشابات كن يمتن كل يوم أثناء الولادة. حتى صارت قريتنا تشتهر عبر الإذاعة بسبب الارتفاع الشديد في معدل الوفيات النفاسية، وأردنا أن نفعل شيئاً لتغيير ذلك."

 وهمشكوريب قرية تقليدية صغيرة تقع على الحدود مع إريتريا بمعزل عن مدينة كسلا التي تُعد واحة مزدهرة تبعد عن القرية مسافة 250 كيلومتراً إلى الجنوب. وحتى وقت قريب كان الطريق إلى مدينة كسلا غير ممهد، حتى أن وصول المرضى إلى المستشفى كان يستغرق منهم نحو يومين. ولم يكن بمقدور امرأة تعاني وضعاً طارئاً أثناء الولادة أن تتحمل رحلة اليومين هذه كي تصل إلى المستشفى.

وفي عام 2006، وهو وقت ليس ببعيد، أظهر استقصاء حول أوضاع الأسر السودانية أن النساء في ولاية كسلا يعانين من ارتفاع معدل الوفيات النفاسية الذي وصل آنذاك إلى 1400 حالة وفاة من بين كل 100 ألف ولادة حية - وهي أعلى معدل في أفريقيا وواحد من أعلى المعدلات على مستوى العالم النامي كله. وأظهرت دراسة انجزت في عام 2010 حدوث انخفاض في معدل الوفيات النفاسية.

 تعلُم أساليب إنقاذ الحياة

يقول آدم طلب عمدة قرية همشكوريب "اعتدنا أن نعتبر هذه الوفيات جزءاً من القضاء والقدر وإرادة الله. ولازلنا نعرف أنه لا راد لقضاء الله، ولكننا نعرف الآن أنه في الكثير من الأحيان كان السبب في هذه الوفيات هو إهمالنا كمجتمع محلي."

وتُعد همشكوريب واحدة من عدة مجتمعات محلية في السودان تعد ببطء برنامجاً لتوفير الرعاية الصحية للنساء. وتستفيد القرية من مشروع صندوق دعم المانحين القومي الذي يهدف إلى تعزيز قدرة المجتمعات المحلية الفقيرة على الحصول على الخدمات الصحية الأساسية بالولايات السودانية التي تأثرت بالحرب، وهي كسلا، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، والبحر الأحمر. ويخدم المشروع قرابة 5.1 مليون نسمة من السكان.

وبمساندة من مشروع تنمية النظام الصحي اللامركزي، تقوم الحكومة المحلية بتدريب القابلات الصحيات على كيفية متابعة النساء أثناء فترة الحمل ورصد الحالات المعرضة للمتاعب قبل أن تصل المرأة إلى مرحلة المخاض، وتوليد الأطفال بطريقة سليمة ونظيفة، ومتابعة حالة الأم والطفل بعد الولادة. وفي منطقة همشكوريب، أتمت 66 قابلة صحية بنجاح البرنامج التدريبي الذي يستمر لمدة سنة (تخرجت 26 منهن في عام 2009 و 40 في عام 2011). وتم بناء مدرسة لتدريب القابلات في كلٍ من الولايات التي يشملها البرنامج، كما تم إنشاء أو إعادة تأهيل ستة مستشفيات ريفية. كما تم تدريب عدد إضافي يصل إلى 2240 شخصا من العاملين بمجال الرعاية الصحية وتقديم الخدمات الصحية الأساسية للمجتمعات المحلية الريفية في الولايات الأربع.

تمهيد الطريق

يقول محمد عثمان حامد المنسق الاتحادي لمشروع تنمية النظام الصحي اللامركزي بوزارة الصحة الاتحادية إن الحكومة اختارت إجراء المشروع التجريبي الرائد في همشكوريب خصيصاً لأن معدل الوفيات النفاسية بالقرية كان الأعلى على مستوى البلد كله.

وجاء قرار بناء مدارس القابلات في القرى بعدما أظهر مسح تم إجراؤه بمساعدة فنية من البنك الدولي أن النساء لا يُسمح لهن بالذهاب وحدهن إلى مدينة كسلا القريبة لحضور دروس القابلات الصحيات. ويقول حامد إنه بعدما تبين ذلك من المجتمع المحلي، تم اتخاذ القرار بأن تأتي المدارس إلى القرى.

وهو يصف المشروع التجريبي لتدريب القابلات الصحيات في همشكوريب بأنه قصة نجاح لأنه حظي بدعم كافة العائلات، ورؤساء البلديات، وقادة الولاية. ويقول "كل الولايات السودانية السبع عشرة تطالب الآن بتدريب القابلات."

وتحصل القابلات على حوافز على أساس مستوى أدائهن فيما يتعلق بتقديم المشورة الأولى بشأن رعاية ما قبل الولادة والمساعدة في الوضع فضلاً عن تقديم المشورة فيما بعد الولادة. ويساعد ذلك في تحقيق الهدف الأول للمشروع وهو: الحيلولة دون الوفيات النفاسية بإرسال المريضات المعرضات لخطر شديد إلى المستشفى حيث يمكن علاجهن على أيدي أطباء أمراض النساء والولادة المدرَبين على التعامل مع حالات الطوارئ.

 ويضيف أدم طلب، "قبل إنشاء مدرسة القابلات، كانت كل من تحتاج إلى ولادة قيصرية تموت في الحال وتُدفن على الفور."

وتقول فاطمة، وهي إحدى الطالبات "معلمتنا الأستاذة شادية عملت باجتهاد حقيقي وتحدثت إلى الرجال في قريتنا بشأن تحمل مسؤولياتنا كمجتمع محلي تجاه تلك الوفيات وبشأن محاولة إيجاد سبل لإنقاذ أمهاتنا الشابات من الموت أثناء الوضع."

وتتسلم كل قابلة، بعد تدريبها على العناية الأساسية بالمواليد الجدد، حقيبة أدوات بها الأدوية والعقاقير الأساسية التي تكفل توافر النظافة الأساسية أثناء الولادة الطبيعية. ولا تستطيع القابلات معالجة حالات الوضع التي تتسم بخطر شديد، ولكن يستطعن التعرف على ارتفاع ضغط الدم، وانتفاخ الساقين، وغير ذلك من الأوجاع بمجرد ملاحظة الأعراض.

وتشرح فاطمة الأمر بقولها "الآن أستطيع أن أعرف إذا كان الجنين في وضع سليم، ومتى تكون المرأة في حاجة إلى جراحة قيصرية، ومتى تسمح الحالة بالولادة في البيت. وأعرف كيف أطهر أدواتي وأعقمها باستخدام الماء المغلي والقطن. كما تعلمت أيضاً كيفية رعاية المولود الجديد إذا بدأ يختنق أثناء الولادة."

وجرت العادة على أن تخفي المرأة الحامل حالتها إلى أن تصبح جاهزة للوضع، وهو ما يجعل من الصعب تعليمها كيفية العناية بمولودها الجديد. كما أن ذلك يجعل من الصعب على القابلات أن يتابعن الحالة الصحية للأم الجديدة من خلال الزيارة المنزلية.

أما اليوم، فقد ارتفعت نسبة النساء اللائي يُعرضن على عاملة صحية مدرَبة أثناء الحمل من 48 في المائة في عام 2009 إلى 69 في المائة في عام 2012 (بالولايات الأربع المستهدفة جميعها). وفيما مضى، كانت نسبة حالات الولادة الحية التي تتم على أيدي قابلات مدرَبات لا تتجاوز 19 في المائة، أما اليوم فقد قفزت النسبة إلى 51 في المائة.

تمكين المرأة

يقوم أيضاً مشروع النظام الصحي اللامركزي، بالتعاون مع شريكه وهو وزارة الصحة السودانية، بتعليم النساء أساسيات التمريض ومهارات الإسعافات الأولية. وسافرت الممرضات المدرَبات من مستشفى مدينة كسلا إلى همشكوريب كي يعلمن القابلات كيفية توصيل "الكانيولا" لتقطير الدواء بالوريد، وكيفية الحقن بطريقة سليمة، والعناية بالجروح، وغير ذلك من المهارات الأساسية. والآن صار لدى القرية 27 امرأة مدربة كممرضة وقابلة صحية في الوقت نفسه.

وتعليقا على ذلك، تقول إيزابيل سواريس، كبيرة مسؤولي العمليات بالبنك الدولي المشرفة على مشروع صندوق دعم المانحين القومي "في بعض الحالات يكون أقرب مستشفى على بعد 500 كيلومتر، ولا يستطيع الكثير من العائلات تحمل تكاليف إرسال امرأة إليه لكي تضع مولودها في حالة الطوارئ. ولهذه الأسباب، إذا أردت إنقاذ الأرواح فعليك نقل المهارات الفنية إلى الناس بالمجتمعات المحلية نفسها." وتضيف قولها إن "هذا النوع من التدريب يسمح بتحديد النساء اللائي يعانين من متاعب تعرض حياتهن للخطر ونقلهن إلى المستشفى."

وبفضل تركيزه على تحسين صحة النساء، كان لمشروع تنمية النظام الصحي اللامركزي أثر ملموس على نظرة النساء إلى أنفسهن داخل مجتمعاتهن المحلية. ويقول أحمد بيطاي مفوض همشكوريب إن البرنامج التجريبي أتاح فرصاً هائلة أمام النساء بالقرى، بما في ذلك تحفيزهن على تعلم كيفية القراءة والكتابة. ويقول بيطاي إن "القابلات، أثناء زياراتهن المنزلية المنتظمة، يتحدثن إلى الأمهات عن أهمية محو أمية النساء، ولدينا حوالي 400 امرأة التحقن بمدارس تحفيظ القرآن ويستطعن الآن تلاوة القرآن كله." وحسب قوله، فإن القابلات الصحيات يساعدن أيضاً المنظمات غير الحكومية غير الهادفة للربح على اكتساب ثقة المجتمعات المحلية.

وتريد الحكومة الاتحادية دمج برنامج تدريب القابلات بالمناطق المحرومة في صلب النظام الصحي بأنحاء البلد، بما يكفل استمرار البرنامج بعد انتهاء مشروع تنمية النظام الصحي اللامركزي. ويقول محمد عثمان حامد، المنسق الاتحادي للمشروع بوزارة الصحة الاتحادية، إن "البلد سيكون في حاجة إلى 13028 قابلة صحية إضافية بحلول عام 2015 كي يكفل أن تتاح لكل امرأة حامل فرصة وضع مولودها بمساعدة قابلة مدرَبة." ويضيف قوله إن وزارة المالية خصصت بالفعل مبلغ 37 مليون جنيه سوداني (15 مليون دولار أمريكي) لتمويل تدريب القابلات الصحيات خلال سنة.

وعودةً إلى همشكوريب، تقول مدينة، وهي إحدى الطالبات بمدرسة القابلات الصحيات، إنه لا يوجد ما هو أكثر إسعاداً للإنسان من إحساسه بأنه يعرف كيف ينقذ الأرواح، مضيفة: "نريد إنقاذ مجتمعاتنا المحلية من فقدان الأرواح نتيجةً للجهل؛ نحن نعرف الآن مدى أهمية معرفة كيف نحمي نساءنا الحوامل."


Api
Api

أهلا بك