خطب ونصوص

ملاحظات رئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم في مؤتمر كير عن المساواة بين الجنسين

03/05/2014


رئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم الولايات المتحدة, الولايات المتحدة

بالصيغة المعدة للإلقاء

لي عظيم الشرف أن أكون هنا بينكم. أريد أولا أن أتوجه بالشكر لكل ما تقومون به حول العالم من عمل هام. إننا نقوم بمعظم هذا العمل معا، وأعلم أني أشكركم في حديثي مع الجميع في مجموعة البنك الدولي لكونكم شركاء عظماء في تعاملكم مع الفقر، ونقص الرعاية الصحية، ومع الكوارث وغير ذلك من الكثير من القضايا التي نهتم بها اهتماما كبيرا. وأود أن أشكر هيلين بشكل خاص لدعوتها لي إلى هنا اليوم. فقد عملت أنا وهيلين معا لسنوات طويلة، وبشكل مكثف أثناء حركة الإيدز، وحديثا جدا في الأسبوع الماضي حين كنا ضمن مجموعة من ممثلي المجتمع المدني نتحدث عن بناء حركة لإنهاء الفقر. هيلين، إن قيادتك الملهمة في كثير من الجوانب هي منحة لنا جميعا ومنحة للفقراء. ويشرفني وجودي هنا معكم اليوم.

مع اقترابنا من اليوم العالمي للمرأة، من المهم الاحتفال بما حققه العالم من تحسّن من أجل المرأة والفتاة. ففي كثير من البلدان، أصبحت معدلات قيد الفتيات والفتيان بالمدارس الابتدائية والثانوية متماثلة. وتعيش النساء في المتوسط أطول ويتمتعن بالصحة أكثر من الرجال. ويتفق معظم صانعي السياسات على أنه ليس بمقدور أي بلد أن ينتشل نفسه من براثن الفقر أو تحقيق إمكانياته حين يُحرم نصف مواطنيه من الحقوق والفرص المتساوية.

وكثير من القضايا الإنمائية تجبرنا على مواجه اختيارات صعبة. فالبلدان النامية تحتاج إلى الطاقة لكن بأي تكلفة تتحملها البيئة؟ ويعيش معظم الناس الأشد فقرا في بلدان يتفشى فيها الفساد، فكيف نساعدهم بدون التعرض أيضا لنظام يخدم ذاته؟ في وسط هذا الوضع المعقد، تأتي الأخبار السارة بأن المساواة بين الجنسين لا تتطلب مفاضلات، بل تأتي فقط بالمنافع. وتصل المنافع للجميع لا للنساء والفتيات فحسب، فالمجتمعات تستفيد - وكما بدأ الرجال يفهمون - فإن الاقتصاد يستفيد أيضا.

هذه أخبار سارة لنا جميعا. وقد وضع محافظو مجموعة البنك الدولي أهدافا طموحة لإنهاء الفقر المدقع بحلول عام 2030 وتعزيز الرخاء المشترك لأشد 40 في المائة فقرا من السكان في البلدان النامية. وإذا كان لنا أن نحقق هذين الهدفين، فإن الاستثمار بحكمة في النساء والفتيات يحتاج أن يكون جزءا رئيسيا من عملنا. لكن رغم ما شهدناه من تقدم مطرد خلال العقود الماضية، فإن أحد أكبر تحدياتنا يتمثل في تجنب السقوط فريسة للشعور بالرضاء عن الذات. فنحن لا نستحق ذلك بعد.

بل نحتاج إلى تجديد الشعور بمدى إلحاح القضية وإلى فهم العقبات الباقية أمامها فهما أكثر وضوحا. فحين يتعلق الأمر بتحسين حياة النساء والفتيات، تتكون لدينا نقاط عمياء. لا يعني هذا أننا لا نرى المشكلة بوضوح، لكننا نتجاهل أحيانا ما هو ماثل أمامنا تماما، خاصة إذا كنا على مسافة قريبة للغاية منه. فعقولنا مصممة بحيث تملأ تلقائيا أي نقاط عمياء كي تصبح الصورة كاملة." لكن الصورة ليست كاملة. فمازال أمامنا الكثير للقيام به.

فعلى سبيل المثال، لقد حققنا مكاسب باهرة في تعميم التعليم، لكن ما نخفق في رؤيته هو أن الفتيات الفقيرات – من بين الفئات الأشد ضعفا - يتعرضن لتركهن في الخلف.

حقيقةً لقد تضاءلت الفجوة بين الجنسين في مجال التعليم. إذ وصل ثلثا بلدان العالم إلى المساواة بين الجنسين في التعليم الابتدائي، وفي أكثر من ثلث البلدان يزيد عدد الفتيات كثيرا عن عدد الفتيان في التعليم الثانوي. وعلاوة على ذلك، فإن هذه المكاسب سريعة التحقق: ففي التعليم الابتدائي، على سبيل المثال، حقق المغرب خلال عقد واحد ما حققته الولايات المتحدة خلال أربعة عقود.

لكن الوضع أكثر سوءا للفتيات الفقيرات. ففي حين أن الفتيات الموسرات في بلدان كالهند وباكستان قد يجلسن في المدرسة إلى جانب الصبيان من نفس الفئة العمرية، تحصل الفتيات من بين العشرين في المائة الأشد فقرا من الأطفال على قدر من التعليم يقل في المتوسط خمس سنوات عن نظرائهن من الصبيان. وفي النيجر، حيث لا ينتظم في الدراسة الابتدائية سوى فتاة واحدة من كل فتاتين، تذهب فتاة واحدة من بين كل 10 فتيات إلى المدرسة الإعدادية، والمذهل أن واحدة فقط من بين كل 50 فتاة تذهب إلى المدرسة الثانوية. إنه أمر مشين.

ويقودني هذا إلى نقطة عمياء ثانية. فرغم أن الفتيات يحصلن على قدر أكبر من التعليم في بعض البلدان، فإن هذا التعليم لا يُترجم إلى فرص تتاح لهن في قوة العمل.

فلننظر إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. إذ توجد سيدة واحدة فقط في المتوسط من بين كل أربع سيدات في قوة العمل. وكان معدل الزيادة بطيئا للغاية - يقل عن 0.2 في المائة سنويا - طوال السنوات الثلاثين الماضية. وبهذا المعدل، سيستغرق الأمر 150 عاما كي تلحق المنطقة بالمتوسط العالمي الحالي.

لقد خلصت دراسة في العام الماضي إلى أن ضعف المشاركة الاقتصادية للمرأة يؤدي إلى فقدان الدخل بنسبة 27 في المائة في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتقدر الدراسة نفسها أن رفع مستويات توظيف النساء وعملهن في أعمال حرة كي تعادل مستويات الرجال يمكن أن يزيد متوسط الدخل بنسبة 19 في المائة في جنوب آسيا و14 في المائة في أمريكا اللاتينية.

ومن أمريكا اللاتينية تلوح بارقة أمل للمستقبل. فقد ازدادت الفرص الاقتصادية للنساء هناك مع ارتفاع مستوى التعليم وانخفاض معدل الخصوبة. وأسفرت هذه الزيادة في النشاط الاقتصادي للمرأة عن انخفاض معدل الفقر بنسبة تصل إلى 30 في المائة، وساعدت على تحصين أسرهن ضد الصدمات المالية التي نشبت في الآونة الأخيرة.

وفي الختام، ربما تتمثل النقطة العمياء الأكثر اتساعا في إخفاقنا في معرفة أنه ليس من المهم تعليم الفتيات أو محاولة خلق الوظائف لهن إن لم يتمتعن بالسلامة والأمن في منازلهن.

ويعد العنف ضد المرأة خلال الحروب والصراعات من الحقائق المدمرة في عالمنا. وهي مشكلة غير مقبولة تنتشر كالوباء وجيدة التوثيق نسبيا. بيد أن العنف الذي لا نتحدث عنه بالقدر الكافي هو العنف المنزلي.

وأكثر أشكال العنف شيوعا ضد المرأة تلقاه على يد زوجها أو صديقها أو شريكها. وحوالي ثلث نساء العالم ممن كنّ في علاقة ما تعرضن لهذا العنف. وهو أمر مشين أيضا.

ومن أسباب اتساع النقطة العمياء بالنسبة للعنف المنزلي أن كثيرا من الناس يعتبرونه أمرا خاصا. وأؤكد أن العنف المنزلي هو قضية عامة، ويجب أن ننظر إليه باعتباره تحديا رئيسيا أمامنا كافة نحن العاملين في التنمية.

وإذا بقي العنف المنزلي دون أن يلقى القدر الملائم من الاهتمام، فإنه يمثل رسالة للنساء بأنهن أقل قدرا من الرجال وأقل قوة منهم. إنه يقوض قدرتنا على اتخاذ الخيارات والعمل وفقا لها بشكل مستقل، ولا يؤثر على المرأة فحسب بل على أسرتها ومجتمعها المحلي واقتصاد بلدها."

إذ تشير التقديرات المحافظة إلى أن الإنتاجية المفقودة نتيجة للعنف المنزلي تعادل تقريبا ما تنفقه معظم الحكومات على التعليم الأساسي.

بالنسبة لي، فإن المبررات الاقتصادية لمنح النساء والفتيات الفرص ذاتها التي يتمتع بها الرجال والفتيان هي مبررات واضحة تمام الوضوح. وفي العام الماضي، ألقى رئيس الوزراء الياباني شينزو أبي بثقله وراء "اقتصاديات المرأة" وهو مصطلح يشدد على أن تعزيز وضع المرأة في المجتمع يحسّن الإنتاجية، حيث يمكن توظيف أفضل المواهب بصرف النظر عن الجنس. غير أن المبررات الاقتصادية القوية القائمة على الأدلة، بصرف النظر عن كونها غير قابلة للتفنيد، لن تثني قلوب وعقول بعض الناس ممن يرون أن التفاوتات بين الجنسين لها ما يبررها باعتبارها "من الأعراف الثقافية".

وبوصفي من المتخصصين في علم الإنسان (الأنثروبولوجيا)، فإني أرى في الأعراف الثقافية هياكل اجتماعية قابلة للطعن فيها، وهي كامنة في علاقات للقوة ظالمة، وبالتالي فهي قابلة للتغيير. لكن في مجتمعات عديدة، يمكن للأعراف الثقافية أن تسحب البساط من تحت أقدام النساء والفتيات في اللحظة التي يبدأن فيها تحقيق مكاسب. ففي فصل الرياضيات، يمكن أن تتعلم الفتيات عمليات الضرب، لكن معلميهن من الرجال، وللأسف، أمهاتهن وذويهن قد يعلمونهن محدودية الطموحات. ونتيجة لذلك، يتقدم كثير من النساء إلى العمل لشغل مجموعة ضئيلة من الوظائف التي يقف أمام تقلدها عدد بسيط من الحواجز، لكنها توفر قدرا أقل من الاستقرار ومستويات أضعف من الرواتب. إن الأغلبية العظمى من النساء يؤدين أعمالا بلا أجر، ما يفرض عليهن الفقر في الشيخوخة.

وأسوأ ما في الأمر، أن الأعراف الثقافية يمكن أن تحول التمييز ضدهن إلى عقيدة مؤسسية.

ففي 128 بلدا تمثل الاختلافات القانونية في معاملة الرجال والنساء قيودا على فرصهن الاقتصادية. ويتضمن هذا القوانين التي تجعل من المستحيل على المرأة أن تحصل بنفسها على بطاقة هوية، أو تملك عقارا أو تستخدمه، أو تحصل على ائتمان، أو تحصل على عمل. وفي 15 بلدا، يمكن للزوج أن يمنع زوجته من العمل. إن الأعراف الثقافية يمكن أن تكون مترسخة بشدة، لكننا نعلم - استنادا إلى كم هائل من الأدلة حول العالم - أن الأعراف والاتجاهات يمكن أن تتغير، وأحيانا ما يحدث هذا التغير بسرعة كبيرة للغاية.

ومن الأمثلة الواضحة على ذلك تفضيل الابن الولد. ففي البلدان حيث يفضل الآباء الأبناء الأولاد بشدة تُسجل ولادات الإناث انخفاضا بمقدار 1.5 مليون ولادة كل عام عما يتوقعه خبراء الدراسات السكانية. لكن انظروا إلى كوريا الجنوبية. ففي التسعينات، كان لديها واحد من أسوأ المعدلات لنوع الجنس عند الولادة في العالم - أكثر من 116 ولدا يولدون كل عام مقابل كل 100 بنت - لكن المعدلات الآن أصبحت قريبة من المعدلات الطبيعية.

فما هي خطواتنا القادمة؟ وما هي الخطة؟ من الواضح أننا بحاجة إلى معالجة نقاطنا العمياء. ونحتاج إلى زيادة الاهتمام بالقيود الرئيسية أمام النساء والفتيات والتي تنتصب أمامنا تماما.

ففي الأسبوع الماضي فقط، تحدثت عن تطبيق قوانين قاسية تتعصب ضد المثليين من الرجال والنساء في 83 بلدا وتجعل من الشذوذ الجنسي أمرا غير قانوني. فالتمييز المؤسسي بكل أشكاله أمر سيئ للمواطنين وأمر سيء للمجتمعات. فالتمييز ضد المرأة، وضد المثليين من الرجال والنساء، وضد الأقليات، وضد الناس بسبب اللون، وضد الشعوب الأصلية، ليس أمرا خطأ أخلاقيا فحسب بل هو حتى سيء للاقتصاد. ففي حين تبحث البلدان المختلفة عن سبل لتعزيز نموها الاقتصادي في هذا العالم المترابط القاسي الذي تسوده المنافسة، تقيدّها سياساتها التمييزية وتعوق تقدمها. فالتعصب يقتل الأمل والربح، وهو يدمر التفاؤل والفرصة الاقتصادية لبعض أكثر الناس قدرة على الإنتاج على وجه الأرض.

ولا يمكن أن نسمح بحدوث ذلك. يجب أن نجد سبلا لمواجهة التمييز حيثما رأيناه وفي أي شكل يبدو. إننا بحاجة على وجه الخصوص إلى زيادة تدعيم الحركة الداعية للمساواة لنصف سكان هذا الكوكب، لجميع النساء والفتيات، وهي حركة تسير جنبا إلى جنب حركة إنهاء الفقر. وكما تعلم هيلين وأنا وكثير من الحاضرين هنا اليوم، فإن الحركات الاجتماعية يمكن أن تغير العالم. لكننا بحاجة أيضا إلى خطة، بحاجة إلى إلزام أنفسنا بتحقيق نتائج شديدة التحديد في آجال شديدة التحديد. إننا جميعا ملتزمون بوضع هذه الخطة معكم جميعا، ويجب أن نلتزم أيضا بأن نخضع للمساءلة عن تحقيق التقدم الحقيقي الذي نعلم أننا نستطيع - ويجب - أن نحققه.

في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان لي عظيم الشرف أن استضيف في البنك الدولي مراهقة باكستانية باهرة، هي ملالا يوسفزاي، بعد عام من إطلاق النار عليها في الوجه بسبب دفاعها العلني عن تعليم الفتيات. إن هذا الشابة الشجاعة اجتذبت أكبر عدد من المستمعين شهدته في البنك الدولي. فقد جاء عدد أكبر من الناس لمشاهدة ملالا ممن جاءوا لمشاهدة بونو. وهي خفيفة الظل أكثر من بونو أيضا!

وخلال حديثنا، أبلغتني ملالا كيف بدأت حركة اجتماعية حول تعليم الفتيات أولا في باكستان، ثم حول العالم.

وقالت لي، وأنا أنقل عنها هنا:‏ "أول شيء هو أني أومن بقوة تعبير المرأة عن رأيها. ثم أومن بأننا حين نعمل سويا، يسهل علينا حقيقة تحقيق هدفنا. ففي حين كنت في سوات، كان القليل منا يتحدث، ومع ذلك كان لصوتنا أثر. والآن، لا أعبر أنا فقط عن رأيي، بل ملايين الفتيات يفعلن ذلك، وهن يرفعن صوتهن. ولذا فإني أعتقد أنه من خلال تعبيرنا عن رأينا، ومن خلال رفع كتبنا وأقلامنا، يمكن أن نحقق أهدافنا، وبأسرع وقت ممكن." نهاية الاقتباس.

لو حصلت المرأة على الفرصة، ستكون أفضل مدافع عن قضاياها. إننا بحاجة إلى سماع أصواتهن. وبحاجة إلى ضم عدد أكبر من الرجال والفتيان إلى الحركة لتحقيق المساواة بين الجنسين. وبحاجة أيضا إلى أن نزيد من صعوبة أن يفرض أحد ما الثقافة أو الدين كمبرر للقمع أو الوحشية على مستوى البشر. فبالنسبة للكثيرين منا هنا في هذه القاعة ممن يتمتعون بالكثير من الامتيازات وأوجه الراحة، ماذا يعني أن نواجه القمع والوحشية فيما يتعلق بالمرأة بنفس القدر من الجرأة والشجاعة الذي أظهرته ملالا في وجه مسلحي طالبان؟ إذا استطعنا أن نتحرك معا بهذا القدر من العزم، في ضوء ما لدينا من أدلة عن دور المرأة، سيكون العالم أكثر سلاما وأكثر رخاء وأكثر عدلا وجديرا بالأمهات اللاتي ولدننا جميعا.

شكراً جزيلاً لكم.



Api
Api

أهلا بك