خطب ونصوص

كلمة الدكتور محمود محيي الدين أمين عام مجموعة البنك الدولي والمبعوث الخاص لرئيس البنك في منتدى التكامل والشراكة في تعزيز التنمية المحلية في السعودية

03/23/2015


الدكتور محمود محيي الدين الرياض, السعودية

بالصيغة المعدة للإلقاء

كلمة الدكتور/ محمود محيي الدين
أمين عام مجموعة البنك الدولي والمبعوث الخاص للرئيس

منتدى التكامل والشراكة في تعزيز التنمية المحلية بين وزارتي "الداخلية والشؤون البلدية والقروية"

(بمشاركة بعض الوزارات ذات العلاقة) 
الرياض، المملكة العربية السعودية، 23 مارس 2015
 

أصحاب السمو والمعالي

الضيوف الكرام، السيدات والسادة،

من دواعي سروري اليوم أن أكون بين هذا الجمع الكريم لمناقشة سبل مساندة جهود حكومة خادم الحرمين الشريفين لتحقيق نمو اقتصادي وتنمية تشمل كافة المواطنين من أبناء هذا البلد الطيب الكريم.

وفي هذا الصدد أود التأكيد على التزام مجموعة البنك الدولي أكثر من أي وقت مضى، بتبادل وإتاحة المعارف والخبرات حول تجارب التنمية وتطبيقاتها واثارها، ويشرفني أن استعرض معكم بعض تلك التجارب، التي استهدفت تحقيق التكامل والمشاركة في تعزيز التطوير الحضري والتنمية المحلية.

تراعي  التجارب الدولية ثلاثة أبعاد هامة عند تطوير وتطبيق سياسات للتنمية المحلية والحضرية، أولها: أن عملية النمو الحضري ليست جديدة، وهناك العديد من الخبرات التي يمكن الاعتماد عليها للتعرف على التجارب الناجحة في مختلف بلدان العالم التي يمكن الاستفادة منها وأخري لم توفق ينبغي تجنبها بالتعرف على أخطائها.

ثانياً، أن التنمية الحضرية عامل حاسم وضروري لتحقيق التنمية الشاملة المستدامة، لأن سبل التطوير الحضري تسمح بالاستفادة من عوائد النشاط الاقتصادي وثمار التنمية وتوزيعها بقدر أكبر من العدالة على المواطنين.

كما أتاحت سياسات التنمية الحضرية للعديد من الدول الانتقال من مصاف الدول الأقل دخلاٌ إلي تلك الأعلى دخلاً، كما أسهمت في تنوع الموارد الاقتصادية والانشطة الانتاجية من حيث الاهتمام بالتصنيع والانشطة ذات القيمة الضافة والاتجاه نحو الخدمات على النحو الذي يسمح باستمرار النمو. فتشير البيانات إلي أن مناطق التنمية الحضرية ساهمت بنحو 80% من النمو في البلاد ذات الدخل المرتفع.

وتصنف المدن إلى ثلاثة أنواع من حيث التوسع الحضري: مدينة كبرى، ومدينة متوسطة إلى كبيرة الحجم، ومدينة أصغر حجماُ ويخدم كل حجم لمدينة أهدافاً ووظائف تنموية مختلفة.

ثالثاً، يجب أن تدرك سياسات التنمية المحلية جيدأ أهمية عنصر التوطن البشري والتوسع الحضري، فالسياسات الفاعلة هي تلك التي يمكن تطبيقها بفاعلية على قدم المساواة في المناطق الريفية، وكذلك المناطق سريعة النمو حضريا، والمناطق التي تحولت بالفعل إلي الحضر بقدر أو أخر من التخطيط وحسن التنظيم.

فيجب ان تستوعب سياسات التنمية المحلية المتطلبات والاحتياجات الخاصة بقاطني تلك المناطق على إختلاف مساحاتها لضمان فاعلية هذه السياسات وقدرتها على تحقيق أهدافها، ففي المناطق الريفية، ينبغي أن تركز سياسات التنمية على بناء المؤسسات التي تقوم بتنظيم الأراضي وتخصيصها والاشراف على أسواقها وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية، مثل المدارس، والمرافق الصحية، والأمن.

أما في المناطق سريعة النمو الحضري، فإلى جانب تطوير المؤسسات السابق الإشارة إليها، ينبغي أن يتم التركيز فيها على الاستثمار في البنية الأساسية بحيث يتم توزيع عوائد التنمية ومنافع التوسع الحضري على نطاق أوسع من خلال الاستفادة من عوائد الحجم الاقتصادي الكبير.

أما المناطق التي تطورت حضرياً بالفعل، فإلى جانب التأكد من تطوير المؤسسات المناسبة وفاعليتها وتوافر البنية الأساسية، فينبغي لسياسات التنمية المحلية  فيها أن تقوم بمعالجة مشاكل المناطق العشوائية قبل ظهورها من خلال سياسات الاستهداف التنموي، والتعامل معها بفاعلية إذا كانت قد ظهرت بالفعل.

كما أن السياسات العامة في مجملها يجب ان تراعي البعد الريفي والبعد الحضري في التنمية، فيتم وضع نظام للحوافز لتشجيع الاستثمار في مشروعات البنية الأساسية الكبيرة لتحقيق الانطلاق الاقتصادي في المناطق العمرانية الأدني تنمية.

وقد قام البنك الدولي من خلال أحد تقارير تقارير التنمية الصادرة حديثاً عن "إعادة صياغة الجغرافيا الاقتصادية" بتطوير النقاش الدائر حول سياسات التنمية المحلية، وذلك بالتأكيد على أهمية الربط وتجسير الفجوات بين المناطق المتقدمة تنموياً وتلك المتخلفة عنها، ومن أجل القيام بذلك، يجب علينا مراجعة مناطق تركز الانتاج في ذات الوقت الذي نراجع فيه مستويات المعيشة الأساسية للسكان في مواطن تركزهم، لأن البلدان تستطيع الاستفادة من مناطق التركز الاقتصادي بمراعاة قواعد للتقارب في مستويات المعيشة بين أماكن السكن المختلفة.

وتعتبر سهولة تنقل العمالة أكثر الآليات فاعلية في تنمية المناطق الأدنى نمواً فالسياسات التنموية الناجحة هي تلك التي تيسر انتقال الأفراد وتربط المناطق المختلفة في البلاد ببعضها البعض دون عائق.

ولتحقيق هذا يجب أن ترسم وتنفذ سياسات للتنمية تتجاوز التباين والاختلاف الجغرافي بين المناطق المختلفة.

ويمكن في هذا الصدد ذكر مجموعات ثلاث من الإجراءات التي يمكن تطبيقها للربط بين المناطق المتقدمة وتلك المتأخرة تنموياً عنها.

أولاً: وضع سياسات تنظيمية عامة، وحماية حقوق الملكية، وتحسين مستويات معيشة السكان. 

  • مثال على ذلك: وضع حد أدنى لنوعية الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية لضمان الوصول لحد مقبول من الرعاية الصحية والتعليم وحماية حقوق الملكية من خلال هيئات ومؤسسات متطورة وذات كفاءة عالية في تسجيل الأراضي والملكيات والعقارات.
  • وهنا يبرز دور السلطات المحلية والادارات الفرعية، ذلك لقربها من المواطنين والسكان وقدرتها على المتابعة والاشراف المباشر، بالإضافة إلى معرفتها الواسعة باحتياجات المنطقة.

ثانياً: العمل على إنشاء وتطوير بنية أساسية تتضمن استثمارات في وسائل نقل ومواصلات اقليمية، وتقلل من تكلفة تنفيذ القيام الأنشطة الاقتصادية وزيادة الاستثمارات في مجال الاتصالات بما يساعد على زيادة تدفق البيانات.  

ثالثاً: وضع حوافز بدرجة استهداف عالية لتطوير المناطق الأدنى تنمية من خلال إنشاء مناطق اقتصادية خاصة، وتطوير لوائح لمناطق التنمية الصناعية، وتطبيق إجراءات لتحسين مناخ الاستثمار.

وأود سريعاً أن استعرض بعض الدروس المستفادة من عمل البنك الدولي في الدول المختلفة، والتي مازالت تشهد فوارق إقليمية وفقاً لمعيار مستويات المعيشة، وتباينها بين المناطق الريفية والحضرية، وبين مناطق حققت تقدماً تنموياً وأخرى لم تحظ بشيء ملموس منه.  

فعلى سبيل المثال تتضمن تلك الفوارق، ارتفاع مستويات البطالة خاصة في المناطق الريفية وتلك البعيدة عن مراكز الانتاج والنمو الاقتصادي. كما وجدنا فوارقاً كبيرة في دول تتركز انشطتها الانتاجية في اماكن محدودة تاركة باقي المناطق دون مصادر للتنمية.

ووجدنا فوارقاً كبيرة في الدخل ومستويات المعيشة في دول أسهمت السياسات الزراعية والصناعية فيها ولوائح سوق العمل المطبقة في تعميق الفوارق، بدلاً من تضييقها بين الأقاليم المختلفة وعلاجها.

والذي يفسر الاختلافات الكبيرة في مستويات الدخل ومعدلات التشغيل والبطالة بين الاقاليم المختلفة وداخلها، هو مدى التباين في الحصول على الخدمات الأساسية واختلاف الاستثمار في رأس المال البشري. فرغم تحسن الحصول على الخدمات الأساسية في دول عديدة بشكل ملحوظ إلا أن التباين بين المناطق المتقدمة والمتأخرة فيها ظل قائماً وخاصة في الريف.

كما أن التباين في مدى شمول البنية الأساسية للنقل والمواصلات والقدرة على الوصول للأسواق يجعل بعض المناطق متصلة بصورة أفضل بالأسواق عن غيرها التي تتراجع عنها.

وترجع أسباب تركز المنشأت وفرص العمل في مناطق معينة من تلك الدول إلي تركز نشاط القطاع الخاص بشكل كبير في مناطق مكنت طبيعة الجغرافيا فيها من الاتصال والتواصل مع الأسواق المحلية والدولية، وقد ترتب على ذلك أن توفر فرص العمل اختلف بحدة من منطقة إلى اخرى.

كما يرجع التباين الكبير في معدلات الدخل والعمالة بين الأقاليم وبين المناطق المختلفة في الأقليم الواحد إلي وجود فجوة في الاستهلاك بين المناطق الريفية والحضرية داخل المنطقة نفسها، نظراً للاختلافات في خصائص الأسر من حيث التعليم والرعاية الصحية والحصول على الخدمات.

وللسياسات العامة دور هام في دعم موارد وتطوير ثروات الدولة، وتعزيز تنمية المناطق الادني في مستويات التنمية.

  • اذ يمكن تطوير سياسات عامة لجعلها مراعية لتباين واختلاف مستويات التنمية بين الحضر والريف وبين المناطق السكانية المختلفة.
  • كما يسهم توسيع نطاق الخدمات لتشمل تطوير مشروعات البنية الأساسية والسعي الدؤوب لتطوير الخدمات الصحية والتعليمية. ويمكن في هذا الشأن  الاستفادة من القطاع الخاص وتشجيع استثماراته لتحسين نوعية وجودة الخدمات المقدمة. وتدعيم قدرات السلطات والادارات المحلية في توفير هذه الخدمات.
  • كما يحقق ربط المناطق الأدني تنمية بالأسواق ومعالجة إختلالاتها من خلال تحسين التواصل بين المناطق المختلفة. وهذا يتطلب جهداً حكومياً عن طريق تحسين التنسيق ورفع كفاءة مرافق الطرق والمواصلات لزيادة القدرة التنافسية.
  • وكذلك فإن وضع حوافز للشركات والأفراد للانتقال إلي حيث فرص العمل والكسب، يسهم في تحقيق التطوير المنشود لأن الحوافز المالية للتنمية الإقليمية غير قادرة وحدها على تحقيق هذا بل يجب العمل على تحفيز الشركات والأفراد أنفسهم.

هذا وبالاطلاع على المقترحات الجاري إعدادها من قبل الامم المتحدة بشأن أولويات التنمية لما بعد 2015 وحتي عام 2030 تجد فيها تأكيداً على أهمية جعْل المدن وأماكن التركز السكاني ومعيشتهم آمنة، وقادرة على التوافق مع البيئة، مع ضمان الحصول على المساكن والخدمات الأساسية الملائمة ميسورة التكلفة، ورفع مستوى الأحياء الأفقر، وتعزيز التوسع الحضري الشامل للجميع، مع زيادة القدرة على التخطيط العمراني، ودعم الروابط الإيجابية الاقتصادية والاجتماعية بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية، هذا كله مع حماية البيئة وحسن استخدام مواردها من خلال إدماج  الأبعاد البيئية في عمليات التخطيط الوطني والإقليمي والمحلي.

ستتم مناقشة هذا مع أهداف أخري تراعي تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية و البيئية، في اطار أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال شهر سبتمبر من هذا العام تمهيداً للاعلان عن الاهداف الجديدة للتنمية المستدامة، والتي ستطلب تمويلاً ضخماً، وسياسات متطورة، ومؤسسات ذات فاعلية وكفاءة، وقواعد بيانات تفصيلية ترشد متخذي القرار وتفعل عمليات الاشراف والمتابعة.

وفي هذا الشأن وبالاطلاع على كلمة خادم الحرمين الشريفين الشاملة في اليوم العاشر من هذا الشهر، نجد أن هناك قواعد هامة في السياسات العامة المتبعة في المملكة العربية السعودية تيسر من تحقيق أهداف التنمية المحلية على النحو المنشود وألخصها في ثلاثة نقاط أقتطفها من هذه الكلمة:

أولاً: ما أكدته هذه الكلمة الهامة بأنه لا فرق بين مواطن واخر ولا بين منطقة وأخرى، التأكيد على أهمية الاستماع للمواطنين ورفع ما قد يبدونه من أفكار ومقترحات تخدم الوطن والمواطن.

ثانياً: التأكيد في هذه الكلمة على أن التطوير سمة لازمة للدولة منذ أيام مؤسسها -رحمه الله – وأن  التحديث سيستمر وفقاً لما يشهده المجتمع من تقدم.

ثالثاً: السعي إلى الحد من تأثير انخفاض أسعار البترول في المرحلة الحالية على دخل المملكة، والاستمرار في عمليات استكشاف البترول والغاز والثروات الطبيعية الأخرى، والعمل على تطوير أداء الخدمات الحكومية ومن ذلك الارتقاء بالخدمات الصحية وجعلها في متناول الكافة حيثما كانوا، وتطبيق الإجراءات التي تكفل توفير السكن الملائم للمواطن، وتطوير التعليم من خلال التكامل بين مراحله وأن تكون مخرجاته متوافقة مع سوق العمل وخطط التنمية، وأن تشترك الحكومة مع القطاع الخاص في توفير فرص العمل.

****

أصحاب السمو والمعالي      

السادة الحضور:

 أود التأكيد في نهاية هذه الكلمة على أن سياسات التنمية المحلية لها دور حيوي في تحقيق التقدم والتطور والأرتقاء بمستويات المعيشة وأن مفتاحا رئيسيا من مفاتيح التنمية المحلية يكمن في القدرة على التواصل، ويسر الانتقال بين الريف والحضر وبين المدن الصغيرة والكبيرة، وبين المناطق الأعلى تنمية وتلك الادني منها دون عائق، والاستثمار في البنية الأساسية اللازمة لتحقيق هذا اليسر في النقل والانتقال، والاستثمار في رأس المال البشري تعليما ورعاية صحية للكافة، وتمكين السلطات والادارات المحلية لتعاون الحكومة المركزية في تقديم الخدمات، والمشاركة الفعالة مع القطاع الخاص لتقديم الخدمات الاساسية ورفع نوعيتها استفادة من مزاياه النسبية في تحقيق هذه الاهداف وفقا لقواعد الرقابة الفاعلة والاشراف الكفء.

أشكركم مرة أخرى على هذه الدعوة الكريمة للمشاركة في هذا المنتدى الهام.


Api
Api

أهلا بك