Skip to Main Navigation
خطب ونصوص 04/10/2018

الأغنياء والفقراء: الفرص والتحديات في عصر يموج بالتغيرات

قبل عام 1800، كان الجميع تقريبا من الفقراء. كانت الأنظمة المَلكيّة سائدة، وكان هناك كبار ملاك الأراضي ، لكنهم كانوا أقلية صغيرة جداً، وكان كل فرد آخر تقريباً يعيش في فقْرٍ وعِوَز. وكان كل إنسان يعيش مرتبطاً ارتباطاً شديداً بأرضه. كان هذا هو تاريخ البشرية بأسرها. ثم حدثت بعض التغيُّرات الهائلة، ونعني هنا بالطبع: ظهور الزراعة. ما حدث هو أنَّه قبل الزراعة كان الناس في أغلب الأحيان يعملون في صيد الحيوانات وجمع الثمار والفاكهة ليقتاتوا عليها. وبعد ذلك، حينما بدأ نشاط الزراعة، أصبح المزارعون يأتون بالمنتجات الغذائية إلى الناس، لا أن يسعى الناس إلى جلْبها. فلم يعد يخرج الناس بحثاً عن الغذاء، إذ كانت هناك أماكن يعرفون أنَّها ستوفر إمدادات لا تنقطع من الغذاء.

لكن الثروة كانت مرتبطة بالأرض، ومن يسيطرون على الأرض، كانوا يسيطرون على الكثير من ثروات العالم. وكان من الصعب شحْن أي شيء أو نقله، . سواء من الأشياء أو الأفكار أو البشر. كان نقل أي شيء أمراً بالغ الصعوبة، لذا لم تكن التجارة رائجة. وهكذا، كانت تكلفة نقل الأشياء مهمةً حقاً، وتُؤثِّر على الطريقة التي تتشكل بها المجتمعات.

وفي القرن السابع عشر، لم يبحر إلى آسيا سوى 3000 سفينة أوروبية. وفي القرن الثامن عشر، في المائة عام التالية، أبحر نحو ستة آلاف سفينة. كم كان من الصعب نقل أيْ شيء.

وبعدئذِ، في فترة السنوات 1800 – 1820 حدثت أشياءٌ بالغة الأهمية. كان التطوُّران الأكثر أهمية اللذان اهتم بهما معظم المؤرخين هما الثورة الصناعية واكتشاف الطاقة البخارية. ثمَّ، في نحو سنة 1820 سهَّلت الطاقة البخارية نقل السلع والبضائع، وأذكى نقل البضائع حركة التصنيع، والتجارة، والنمو الاقتصادي.

ولكن في ذلك الوقت، كانت أيضاً بداية – ما تحدَّثَت عنه آنذاك ديردري مكلوسكي إحدى أبرز علماء الاقتصاد - مع ظهور الثورة الصناعية وطاقة البخار، لقد كانت بداية ما سمَّته التفاوت العظيم، قاصدةً به أن مناطق مُعيَّنة لاسيما في أوروبا والولايات المتحدة ازدادت غنى بسرعة هائلة.

إنها تتحدَّث عن نشوء ما يُسمَّى الطبقة البرجوازية. وكان البرجوازيون فلاحين سابقين قريبين جدا من الأسر المالكة حتى أنهم كانوا يطمحون إلى العيش كعيشتهم. وهكذا تعتبر مكلوسكي ظهور البرجوازية تطوراً بالغ الأهمية لأنهم كانوا طلائع نشوء الطبقة المتوسطة.

وفي القرنين التاليين من عام 1820 وحتى الآن، ما حدث هو أن المتاح من السلع والخدمات زاد زيادة هائلة. لم يكن تغيُّراً محدوداً، إنما كان تغيُّراً هائلاً، لأنه قبل عام 1820 كان الناس يولدون ويموتون في العالم نفسه تقريباً. العالم من وقت ولادتهم إلى وقت وفاتهم لم يكن يطرأ عليه تغيُّر كبير. ولكن ابتداءً من عام 1820 بدأ العالم يتغيَّر بخطى سريعة للغاية.

قبل قرنين من الزمان، كان أربعة من كل خمسة بالغين أمريكيين يعملون لزراعة ما يكفي من الطعام لأسرهم. والآن، فإن مزارعا واحدا يُطعِم 300 شخص.

والسبب في أنَّني أتحدَّث في هذا الأمر هو أنه ينبغي لنا أن ننظر إلى هذه الأمور من منظورها الصحيح. ينبغي لنا أن ننظر إلى التطوُّر في طريق تقدُّم البشرية – وهو ما نعمل من أجله في البنك الدولي، التنمية- أن ننظر إليه من منظور ما حدث.

الرئيس الصيني شي جين بينغ، كما تعلمون، يتحدث عن تحقيق نجاح عظيم على مدى آلاف السنين. ولقد كانت آسيا والشرق الأوسط، بحق، مصدر الكثير من الابتكار والإبداع قبل عام 1800. وبعد ذلك، كما يقول هو مراراً، لم تكن المائتا عام التي انقضت منذ 1800 على القدر نفسه من الأهمية للصين، ولكن الصين الآن تنمو بخطى سريعة للغاية.

ومرة أخرى، أقول لكم تذكَّروا ، قبل عام 1800، كان الجميع تقريبا من الفقراء.

وفي الوقت الحالي، هذا ما أراه أينما أذهب: أينما أذهب أرى شبابا قد لا يمتلكون هاتفاً ذكياً، لكن يتاح لهم استخدام الهواتف الذكية. ويقول الكثير من المحللين إنه بحلول عام 2025، سيُتاح للعالم كله الوصول إلى شبكات الإنترنت ذات النطاق العريض.

 والآن حينما يتاح للناس الوصول إلى شبكات النطاق العريض، وحينما يمكنهم مشاهدة الأشياء على الإنترنت، يحدث أمران. أولاً، يشعر الناس بقدر كبير من الرضا بمعيشتهم حينما يتاح لهم الوصول إلى شبكة الإنترنت. فعندما يتاح لهم ذلك يمكنهم أن يشاهدوا كيف يعمل العالم. يمكنهم مشاهدة الأفلام السينمائية، والعروض التلفزيونية. وتزداد درجة رضاهم عن معيشتهم.

ولكن الشيء الآخر الذي يحدث هو أن القيمة المرجعية لدخولهم تزداد، وهو ما نقوم بدراسته فعلاً في مجموعة البنك الدولي. يرتفع الدخل الذي يقارنون به دخولهم. وحينما يحدث ذلك، لابد أن يرتفع أيضا دخلك، وإلا فلن تشعر بالرضا.

والآن ستُقدِّم لنا التكنولوجيا خدمة جليلة بتيسير وصول كل فرد إلى شبكة الإنترنت، ولكن الشيء الآخر الذي تُحدِثُه التكنولوجيا هو أنها ستؤدي إلى زوال بعض الوظائف.

 

Image

 

وهناك الكثير من التنبؤات المختلفة عن عدد الوظائف التي ستُفقَد. والبعض يكتفي بالتحدث عن الوظائف التي ستُفقَد.

دعوني أبلغكم ما يقوله أحد الأشخاص، هذا الشخص الذي أعرفه معرفةً جيدة، جاك ما مُؤسِّس الشركة العظيمة على بابا. إنه أغنى رجل في الصين. إنها شركة عملاقة.

يقول جاك ما في هذا الشأن: "دعني أُخبِرُك بشيء: "حينما كان جدي على قيد الحياة، كان يعمل 16 ساعة في اليوم، و6 أيام في الأسبوع، وكان يشعر أنه مشغول جداً. أمَّا أنا فأعمل ثماني ساعات في اليوم وخمسة أيام في الأسبوع وأشعر أنَّني مشغول جداً. وسيعمل أولادي ثلاث ساعات في اليوم، وثلاثة أيام في الأسبوع وسيشعرون أنهم مشغولون جدا."

وهو يقول إن التكنولوجيا ستُزيح كل وظيفة تعتمد على القوة العضلية. ويذهب إلى أبعد من ذلك فيقول إن كل وظيفة تستند إلى المعرفة ستزول أيضا، ربما لا يكون ذلك بنفس السرعة، لكنها ستزول. وهو يتنبأ بأنه حيثما تحدث هذه الأنواع من التصدعات –وهو يرى أن هذا تصدُّع كبير، الطريقة التي يتحرَّك بها الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا- سيقع تصدُّع كبير. وحينما يحدث ذلك، فإنه يرى أنه عند حدوث تلك الأمور سيشهد العالم صعوبات واضطرابات هائلة لمدة 30 عاماً على الأقل.

ومن ثمَّ، ماذا نفعل؟ وكيف نستجيب لهذه الاضطرابات؟ وكيف نستجيب لهذه الظاهرة التي يعرف فيها كل فرد كيف يعيش غيره ويرتفع سقف طموحاتهم. إنهم يريدون المزيد لأنفسهم، لكن التكنولوجيا في الوقت نفسه قد تؤدي إلى زوال الكثير والكثير من الوظائف.

حسناً، إذا رجعنا بذاكرتنا عبر التاريخ لنرى كيف نعالج مشكلة التفاوت وعدم المساواة، وكيف نعالج مشكلة الفقر، فإن هذا الرجل أندرو كارنيجي شخصية مهمة للغاية. لقد كتب في كتاب اسمه "إنجيل الثروة" يقول "إن الرجل الذي يموت تاركاً وراءه الملايين من الثروة المتاحة التي كان بإمكانه أن يديرها خلال حياته سوف يذهب دون أن يبكيه أحد أو يُكرِّمه أو يذكره. الرجل الذي يموت هكذا غنياً يموت ذميماً مخزيا."

وبذلك، ساعد كارنيجي شخصاً آخر هو جون روكفلر على أن ينظر إلى أمواله نظرة مختلفة. وهكذا بدأت تنتشر أعمال الخير والإحسان.

ودخلت كلمة philanthropy التي تعني الأعمال الخيرية اللغة الإنجليزية في حوالي القرن السابع عشر، وكانت ترجمة لكلمة يونانية معناها "حب البشر".

معذرةً، اسمحوا لي أن أرجع إلى الوراء قليلاً.

فقد أقر البرلمان البريطاني في عام 1601 قانون الاستخدامات الخيرية، وكانت هذه المرة الأولى التي يُعتقد أن حكومات اهتمت فيها بأمر الفقراء في أي منطقة مُعيَّنة.

وفي الوقت ذاته تقريبا، أوقف قادة مسلمون ممتلكات لإنشاء مراكز تعليمية كبرى. الشاه عباس –كنَّا نتحدث للتو مع باديديه في هذا الأمر- حاكم بلاد فارس الذي أوقف من ماله مدرسة في المسجد الملكي في خطوة أرست نمطاً يُحتذَى به لنظرائه.

وهكذا كان هذا التقليد من أعمال البر والإحسان. لكن الملاحظة المهمة هنا هي أن الأعمال الخيرية التي كانت طريقتنا التقليدية للتفكير في كيفية معالجة مشكلة التفاوت والفقر لم تعد صالحة بعد الآن.

دعونا نتأمَّل نموذجاً آخر، وهو نموذج مشهور، ألبرت شوايتزر. وأنا أجد نفسي في ورطة كلما تحدثت عن ألبرت شوايتزر على هذا النحو لأن الناس -ولأسباب وجيهة- يكنون له قدراً كبيراً من الإعجاب. لكن ألبرت شوايتزر كان جزءاً من تقليد مختلف. كان جزءاً من الحركة الاستعمارية. وكان أيضا مُبشِّراً. وكان هناك إحساس بأنه من مسؤولية أناس أمثال ألبرت شوايتزر جلب الحضارة إلى الشعوب غير المتحضرة. لكن ألبرت شوايتزر صنع لنفسه أيضا صورة طبيب بارع يُقدِّم الرعاية للفقراء.

وسمعت بهذا بادئ الأمر لأنه كان هناك طبيب لأمراض القلب من المستشفى الذي تدرَّبت فيه في بوسطن كان قد قام بالفعل بزيارة ألبرت شوايتزر في الخمسينيات. وحينما عاد كتب تقريراً مقتضباً يقول إنه أصيب بهلع شديد من الظروف التي وجدها في مستشفى ألبرت شوايتزر. وكان الرجل طبيب قلب يهتم على وجه الخصوص باضطرابات ضربات القلب. وقال إن الكثير من المرضى كانوا يعانون من هذه الأشياء، وكانت هناك أشياء يجب عملها للمرضى لكن لم يكن يحدث ذلك. كان تقريراً مقتضباً، لكن تبيَّن بعد ذلك أنه كان يوجد صحفي بريطاني يدعى جيمس كاميرون زار شوايتزر في عام 1953، وفيما يلي ما كتبه عن المستشفى الذي وجده:

"لقد شكلت أوضاع هذا المستشفى صدمة لي. كنت أتوقع بعض المخالفات للقواعد السليمة، لكن ليس إلى هذا الحد من القاذورات الصارخة. كان الطبيب قد أبعد كل صور التقدم الميكانيكي إلى درجة بدا فيها في شكل مروع. كانت العنابر كهوفاً بدائية، لا يدخلها الهواء، ومظلمة، وأسرة من ألواح خشبية، ووسائد جافة، وينتشر في أروقتها الدجاج والكلاب. ولا توجد مياه جارية إلا المطر، أو ولا يوجد بها غاز، أو مواسير صرف صحي، أو كهرباء، ماعدا غرفة العمليات وجهاز الجرامافون".

ويستطرد كاميرون قائلا "قُلْتُ حينئذٍ إن المستشفى وُجِد من أجله، وليس هو الموجود من أجل المستشفى. لقد كان المستشفى بشكل متعمَّد مهملاً وبدائياً عتيقاً، وبشكل متعمد جزءاً من الأحراش التي تحيط به، إنها خلفية من صنعه من الواضح أنها كانت تعني من الناحية الفلسفية أكثر كثيراً مما تعنيه من الناحية الطبية."

وجزء من الانتقادات المثارة في هذا الشأن هو أن شواتزر كان يتحمَّل المسؤولية – وهو تحدث في هذا الأمر بوضوح شديد. وتحدَّث في هذا الأمر، وكان مبعث إلهام للكثيرين. وتحدَّث عن رسالته في تصحيح الأخطاء التي حرَّض عليها آخرون باسم المسيحية.

ولكن على مدى 30 عاما، عملت في منظمةٍ تسمَّى شركاء في الصحة، وحاولنا جاهدين أن نفعل العكس تماماً مما رأينا شواتزر يفعله. ورأينا "أن هذا لم يكن يتعلَّق بنا. إنما يتعلق بتقديم أفضل رعاية طبية ممكنة في وسعنا بدافع الاحترام لإنسانية هؤلاء الآخرين."

وهكذا، هناك كثير من التطلعات والرغبة الشديدة في تيسير الحصول على التعليم، وضمان ألا يعاني أطفالنا من سوء التغذية. تلك التطلعات موجودة، وحالما يحصل الناس على وصلة الدخول على شبكة الإنترنت، سيستمر سقف هذه التطلعات في الارتفاع. فكيف يمكننا التعامل مع هذا الوضع؟

Image

 

إن هذا يتعلَّق بجوهر وجودنا كمؤسَّسة. لقد تأسَّس البنك الدولي للإنشاء والتعمير في عام 1944 منبثقا من تحت رماد الحرب العالمية الثانية، وكان آنذاك مجرد جزء من مجموعة البنك الدولي في شكلها الحالي. ففي خطوة عبقرية في رأيي، قال زعماء العالم، لاسيما في المملكة المتحدة، والولايات المتحدة إنه يجب علينا قبل انتهاء الحرب بناء المؤسسات، التي يمكنها من ناحية تحقيق الاستقرار، لأنه قبل الحرب العالمية الثانية وأثناء هذه الحرب كانت حروب العملات دائرة. وقد تعمد البلدان إلى خفض قيمة عملاتها، وقد تحاول عمل كل ما في وسعها لتحقيق ميزة، وكانت العملات العالمية في حالة من الفوضى العارمة. ولذلك، كانت البلدان في حاجة إلى تحقيق بعض الاستقرار في النظام العالمي.

ولكن الزعماء رأوا أيضاً أنه يجب إقامة منظمة تضطلع بإعادة بناء أوروبا، وكانت هذه المنظمة هي البنك الدولي. وكان اسمها الأصلي البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وهدفها إعادة بناء أوروبا.

ولكن بعد ذلك، حدث شيء في حوالي ذلك الوقت، وكان في عام 1946 وأُعلِن في كلمة افتتاح ألقاها في هارفارد عام 1946 الجنرال جورج مارشال وسُمي خطة مارشال. هيمنت خطة مارشال على الساحة من حيث إعادة بناء أوروبا، واضطر البنك الدولي إلى إيجاد أعمال أخرى ليؤديها.

وكان القرض الأول من البنك الدولي إلى فرنسا. ولكن منذ ذلك الوقت شهد البنك الدولي تحوُّلات، ثم ازداد تركيزه على معالجة الفقر.

المبادئ التأسيسية - - افتتح وزير الخزانة هنري مورجنثو المؤتمر وقال إن هدف البنك الدولي، وهدف الاجتماعات، هو خلْق اقتصاد عالمي مفعم بالحيوية- أو بحسب كلماته التي اقتبِسُها "اقتصاد عالمي مفعم بالحيوية يستطيع فيها سكان كل دولة تحقيق إمكانياتهم في سلام، ورفع مستويات معيشتهم، وأن ينعموا باطراد بثمار التقدم المادي. لأن حرية الفرص هي أساس كل الحريات الأخرى."

ورأى أيضاً أن "... الرخاء ليس له حدود ثابتة. وهو ليس مادة منتهية تتضاءل بالقسمة. بل على العكس، كلما زاد ما تتمتع به البلدان الأخرى، زاد ما يحصل عليه كل بلد لنفسه."

وكانت هذه رؤية رائعة، ولا أظن أننا ابتعدنا كثيراً عن ذلك، حتى اليوم.

بالمناسبة، الشخص الآخر الذي أسهم في إعداد المؤتمر إلى جانب وزير الخزانة هنري مورجنثو كان الرجل العظيم جون مينارد كينز، وهو على الأرجح ثاني أشهر علماء الاقتصاد على مر العصور بعد آدم سميث، لكنه كان شخصية بالغة الأهمية. وأدَّى ذلك المؤتمر الذي لم يكن سهلاً إلى إنشاء هذه المؤسسة.

فماذا نفعل؟ على مدى السبعين عاماً الماضية ساهمت البلدان في رأس المال المدفوع، وأعطتنا أموالاً، ولكننا لا نأخذ هذه الأموال، ونكتفي بمجرد توزيعها. إننا نفعل ذلك بجزء منها، منذ عام 1962، لكن تم دفع ما مجموعه 19 مليار دولار في رأس مال مجموعة البنك الدولي، بما فيها كل من البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وكذلك مؤسسة التمويل الدولية (IFC) وهي ذراعنا للتعامل مع القطاع الخاص.

وبتلك التسعة عشر مليار دولار قدمنا ما يقرب من تريليون – أو أكثر من 900 مليار دولار من القروض والمنح. فما يحدث هو أنك إذا أنشأت فعلياً بنكاً وقدمت له رأس المال، فإنه يستخدم رأس المال هذا، وقد يقصدون -ونحن كذلك على أي حال- أسواق رأس المال طلباً لتعبئة تمويل. واستطعنا أن نفعل ذلك في حدود 900 مليار دولار.

علاوةً على ذلك، تمكنَّا من إيداع 28 مليار دولار بشكل مباشر في حسابٍ نُخصِّصه لأشد البلدان فقراً. ويُسمَّى هذا البرنامج المؤسسة الدولية للتنمية (IDA). وتُقدِّم المؤسسة مِنَحاً لأشد البلدان فقراً. ويمكن لهذه البلدان ردها على مدى 40 عاماً. لا شك أن الحصول على قرض بأجل استحقاق يصل إلى 40 عاماً بسعر فائدة صفر في المائة هو أمر بالغ الصعوبة، لكننا نفعل ذلك لمساعدة البلدان على النمو. وهذا ما فعلناه من وقت لآخر.

 

Image

عندما دخلت البنك الدولي أول مرة، شاهدت لافتةً مكتوباً عليها: "حلمنا هو عالم خالٍ من الفقر". وتساءلت لماذا هو حلم؟ لماذا لا نحوِّل هذا إلى هدف حقيقي وغاية، وقد فعلنا.

وبعد ثلاثة إلى أربعة أشهر من المناقشات، وهذا ما نفعله في البنك الدولي، فنحن نتناقش. نتناقش حول البيانات، نتناقش حول المسائل السياسية، نتناقش حول الإيديولوجيات-- نتناقش حول أنواع مختلفة كثيرة من الأدوات. توصلنا إلى نتيجة مؤداها: أننا نريد إنهاء الفقر المدقع، أي أوضاع من يعيشون على أقل من 1.90 دولار للفرد يومياً بحلول عام 2030. والتزمنا أيضا بتعزيز الرخاء المشترك والحد من التفاوت وعدم المساواة. وقررنا أنه توجد ثلاث سبل لبلوغ تلك الغاية.

الأولى، كما جرت العادة، أننا ركَّزنا دائماً على النمو الاقتصادي، ولكن في هذه الحالة، نحن نُركِّز على نمو اقتصادي شامل ومستدام، شامل بمعنى أنه يعود بالنفع على الجميع، ومستدام بمعنى أنه لا يضر كوكب الأرض.

الثانية، لأن أزمات كثيرة تُؤثِّر على العالم كل يوم، من حيث انتشار الأوبئة وتغيُّر المناخ واللاجئين والهشاشة والصراعات والعنف، أردنا التركيز على تعزيز القدرة على الصمود في وجه كل أنواع المشكلات في العالم التي تُؤثِّر على المزيد والمزيد من البشر.

وأخيراً، الركيزة الثالثة هي الاستثمار بقدر أكبر من الفاعلية في البشر. الركائز الثلاث هي النمو الاقتصادي الشامل والمستدام، والقدرة على الصمود في وجه مختلف الصدمات التي تحدث في العالم اليوم، والاستثمار بمزيد من الفاعلية في البشر.

والآن اضطررنا إلى التغيير، لأن العالم يتغيَّر، والعالم تغيَّر تغيُّراً جذرياً.

 

Image

 

في ستينيات القرن الماضي، جاء على الأرجح 70% من كل تدفقات رؤوس الأموال، من كل الأموال التي ذهبت إلى البلدان النامية من المساعدات الإنمائية الرسمية، التي كنَّا جزءاً منها. بعبارة أخرى، جاءت الأموال التي كانت تذهب إلى البلدان النامية، جميعها من المؤسسات المانحة، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ومؤسسات كتلك المؤسسة، ومجموعات مثل مجموعتنا. ولكن تأمَّل هنا، وانظر إلى أي مدى كان انخفاضها. تمالك أعصابك.

حتى في عام 1990، كان 50% من كل رؤوس الأموال التي تتدفق على البلدان النامية عبارة عن مساعدات إنمائية رسمية. ولكنها ابتداءً من عام 1990 انخفضت، وتقل الآن عن 10%. ولذلك، كان بمقدورنا أن ننصح البلدان ماذا تفعل، وكانوا يستمعون إلينا لأننا لاعب كبير. ولكن الآن لا تتجاوز كل المساعدات الإنمائية الرسمية 9%.

وفي هذه الظروف، ماذا نفعل؟ كيف نقوم بدورنا؟ كيف يمكننا مساعدة مليارات ومليارات من البشر في العالم الذين وُلِدوا اليوم أو الذين هم من الشباب، أو الذين سيبحثون عن وظائف، وكيف نساعدهم على تحقيق غاياتهم؟

أول شيء حدَّثتكم عنه هو المرونة والقدرة على الصمود في وجه الصدمات. هذه امرأة تعيش في مجتمع للاجئين. هناك الكثير من الناس يعيشون الآن في أوضاع من الهشاشة. ملياران من البشر في العالم يعيشون في مناطق هشة ومتأثرة بالصراع. وبحلول عام 2030 سيعيش 46% - قرابة نصف كل الذين يعانون من الفقر المدقع في مناطق هشة ومتأثرة بالصراع. إننا نضاعف الجهود التي نبذلها في الدول الهشة والمتأثرة بالصراع، لكننا ندرك أيضاً أننا نُؤدِّي كل عام أعمالاً تبلغ قيمتها 60 مليار-65 مليار دولار. وندرك أيضاً أن هذا المبلغ ليس سوى غيض من فيض. ولا سبيل لدينا يمكننا به حل أي من هذه المشكلات - أزمة اللاجئين، والأوبئة، والمجاعة وكل هذه المشكلات لا يمكننا حلها برأس مالنا. لابد لنا من إيجاد سبل لتعبئة التمويل من الآخرين.

وهكذا، أنشأنا، على سبيل المثال، أداة للتأمين من الأوبئة، وذلك بعد ويلات وباء الإيبولا. لقد كنا مستاءين للغاية لماذا انتظرنا طويلا حتى نتعامل مع هذا الوباء. وأصبحت لدينا الآن للمرة الأولى في التاريخ أداة تأمين سيتم تفعيلها تلقائيا حينما تصل أمراض مثل الإيبولا إلى مرحلة معينة. ولو كانت موجودة، لساعدت في صرف التمويل بسرعة أكبر كثيراً من الوتيرة التي تم بها توصيل التمويل بالفعل إلى ليبريا وسيراليون وغينيا أثناء أزمة الإيبولا.

 وما فعلناه كان واضحاً وصريحاً: فبدلا من تخصيص مبالغ من المال أو اللجوء إلى المانحين طلباً للتمويل، لجأنا إلى أسواق رأس المال وسألنا: "هل يهتم منكم أحد بشراء سند، سند مدته ثلاثة أعوام، لكن رأس المال معرض للخطر" -وهو ما يعني إنه إذا حدث وباء فسوف تفقد كل مالك-"ولكننا سندفع لك عائدا قدره 8% سنويا."

وكان كثير من الناس متلهفين بشدة للحصول على عائد 8% سنوياً، حتى أن الاكتتاب في إصدار السند فاق المعروض، ولدينا ألان 450 مليون دولار مودعة في حساباتنا وجاهزة للصرف إذا حدث وباء. وكان علينا دفع مبلغ العائد، ولكنه جزء ضئيل من المبلغ الإجمالي.         

ونحن نستخدم الآن المبدأ نفسه، ونعكف على إعداد أداة تأمين من المجاعة. فالمجاعات تحدث بين الحين والآخر، ونتأخر دائماً في الاستجابة لها. وتساءلنا "لماذا لا نقوم بإنشاء أداة تأمين تستجيب على الفور حتى يمكننا مواجهة المجاعات في مرحلة مبكرة، وإيقافها، بالمعنى الحرفي للكلمة، بدلا من أن نسمح لها بأن تزداد سوءا على سوء؟"         

إننا نفعل هذا، ونحاول تعبئة كل ما يمكننا من تمويل. وأصبحنا الآن أكبر ممولين لأنشطة مكافحة تغيُّر المناخ في العالم. ونحن ملتزمون بهذا، لكن مرة أخرى، لا يمكننا القيام به بأموالنا الخاصة. لابد لنا من تعبئة التمويل من آخرين.         

هذه حقاً أكبر لعبة. فحجم الاقتصاد العالمي يبلغ نحو 78 تريليون دولار. ويوجد نحو 7 تريليونات دولار مستثمرة في سندات ذات أسعار فائدة سلبية. ويعني ذلك، أنك تضع مالك في البنك، ولكن بدلاً من أن يعطيك البنك فائدة، فإنك تدفع لهم سنويا ليحتفظوا بمالك.         

فإذا أعطيتهم 100 دولار، في نهاية العام سيكون لديك 98 دولاراً أو 99 دولاراً بدلاً من 100 دولار. والسبب في أن الناس يفعلون ذلك هو أنهم يخشون تحمُّل المخاطرة إلى درجة تجعلهم مستعدين أن يدفعوا لمن يحتفظ لهم بأموالهم لأن ذلك مأمون على الأقل.         

ويوجد 10 تريليونات دولار أخرى مستثمرة في سندات حكومية ذات عائد منخفض للغاية. و9 تريليونات دولار أخرى خاملة في شكل سيولة نقدية. في الواقع، الناس يأخذون أوراق نقد من فئة ألف يورو ويحتفظون بها في خزائنهم.         

والآن، نشعر أن ذلك هو نوع الأموال التي نحتاج إليها حتى يمكننا أن نُتيح لكل فرد في العالم فرصة، ولِمَ لا؟ فهم يحصلون على عائد ضئيل جدا ويمكننا مساعدتهم في الحصول على عائد أعلى وفي الوقت نفسه إتاحة فرص لكل فرد، لاسيما في مجال البنية التحتية.         

والفكرة –هذه بورصة غينيا للأوراق المالية. ولا أدري لماذا أعرِض لكم هذا، لكنها مجرد صورة رائعة، بورصة غينيا للأوراق المالية. الفكرة الآن هي أنه بدلا من رؤية أنفسنا كمُقرِضين، رؤية أنفسنا كقائمين بتدخلات مباشرة، نرى أنفسنا كمُسهِّلين. والفكرة التي نتحدَّث عنها الآن للجميع هي فكرة زيادة التمويل المتاح للتنمية إلى أقصى حد.         

كيف يمكننا تعبئة تريليونات الدولارات تلك التي تقف موقف المتفرج لما فيه منفعة أشد الناس فقراً في العالم؟ إنَّنا نعلم أنه يجب أن يقوم القطاع الخاص بدور في التنمية أكبر كثيراً من ذي قبل، لأنه يوجد الكثير والكثير من الأمثلة لحالات تعود بالنفع على الجميع. اسمحوا لي أن أُريكم أحد الأمثلة:         

مطار الملكة علياء الدولي، إن كنتم شاهدتموه من قبل، إنه مطار رائع. لقد جاءت إلينا الحكومة الأردنية وقالت :"نحن نحتاج إلى إعادة بناء المطار ونريد قرضاً. وإذا أعطيتمونا قرضاً – إذا أعطيتم الحكومة الأردنية قرضاً، فإن موظفيها سيقومون بإدارته."         

وقلنا لهم "ربما هناك وسيلة أفضل لعمل ذلك. فبدون أخذ بنس واحدٍ قرضاً، وبدون دفع بنس واحدٍ في شكل فوائد على القروض، استطعنا إقناع القطاع الخاص بتمويل هذا بشكل كامل."         

ومع ذلك، لا تزال الحكومة الأردنية تمتلك نسبة 54% ومن ثم تحصل على 54% من الأرباح. وبدون إنفاق بنس واحد في هذا المطار، حصلوا على أكثر من مليار دولار أرباحاً من المطار خلال الأعوام التسعة الماضية. لقد كانوا على وشْك السير في اتجاه مختلف تماماً، ولكن خبراء رائعين حقاً في مجموعة البنك الدولي قالوا "لماذا لا تُجرِّبون هذا الطريق الآخر."         

هذا مثال رائع كيف يمكننا تغيير الطريقة التي نُؤدي بها أنشطة الأعمال، لا تقليص مديونية البلدان فحسب، وإنما أيضا منحها عائداً. هذا هو نوع الاستثمار الذي يريد الآن الكثير من الناس القيام به. فجيل الألفية يوشك أن يرث 5 تريليونات دولار من آبائهم من الجيل الذي ازدهر فيه المواليد فيما بعد الحرب العالمية الثانية. وما أسمعه كل يوم هو "نحن لا نريد ترك هذه الأموال خاملةً. نريد أن يكون لهذه الأموال تأثير على العالم."         

وهذه الظاهرة التي تُسمَّى "استثمار التأثير" ذات أهمية بالغة. ما يقوله الناس هو إن الأمر لا يتعلَّق بالمخاطرة والعائد فحسب – ما هي مخاطر الاستثمار وما هو العائد. وإنما هو المخاطرة، والعائد، والتأثير. وإذا كان التأثير كبيراً، فإننا لا نمانع في تحمل مخاطرة أكبر والحصول على عائد أقل.         

إنها فكرة عظيمة، لكنها صغيرة نسبياً. إنها تتعلَّق بنحو 200 مليار دولار سنوياً الآن، وهو مبلغ صغير جدا إذا ما قُورِن بحجم الاحتياجات. وتبلغ الاحتياجات اللازمة لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، أو الأهداف العالمية كما يُطلَق عليها، نحو 4 تريليونات دولار سنوياً. وتبلغ كل المساعدات الإنمائية الرسمية نحو 140 مليار دولار، أضِف إليها استثمار التأثير 200 مليار دولار أخرى. ومع ذلك، فإننا بعيدون كل البعد عن الأربعة تريليونات دولار المطلوبة لتلبية احتياجات استثمار التأثير.         

وها هو ما فعلناه، بدلاً من أن نقول "خذ عائداً أقل"، بدلاً من أن نقول "هذه مسألة بر وإحسان" وضعنا نظاماً نذهب فيه للبلدان الأفريقية، ونساعدهم في كل جوانب إقامة مناقصة للطاقة الشمسية.         

ومرةً أخرى، بدون أن ننفق أي أموال، بل مجرد مساعدتهم فنياً- لدينا الآن برنامج يُسمَّى التوسُّع في استخدام الطاقة الشمسية. والآن يُؤتي هذا المشروع ثماره – وكانت أحدث نتيجة 4.7 سنت للكيلووات/ساعة في السنغال. فالسنغال تدفع 15 إلى 20 سنتا للكيلووات/ساعة من الكهرباء، ولكن بفضل مناقصة الطاقة الشمسية، ولأننا قدَّمنا لهم المساعدة فيها، سيدفعون الآن 4.7 سنت فحسب. وهذا نصر عظيم، وسننقل الآن هذه التجربة إلى مكان آخر.         

ومرة أخرى، لم ننفق أي أموال، بل ساعدنا في هيكلة الصفقة. وبهيكلة الصفقة، استطعنا الحصول على الطاقة الشمسية بسعر منخفض.         

لكن الأزمة التي تثير أشد القلق في نفسي هي أزمة رأس المال البشري. فنحو 400 مليون شخص لا يحصلون على الخدمات الأساسية. و100 مليون شخص يسقطون في هوة الفقر كل عام بسبب المصاريف الصحية الباهظة. ولا تغطي شبكات الأمان سوى ثلث فقراء العالم.         

أنتم جميعاً تشملكم التغطية بشبكات الأمان، لكن ثلث فقراء العالم محرومون من هذه التغطية. وأسوأ ما في هذه المشكلة، في رأيي، هو تعرض الأطفال للإصابة بالتقزُّم.         

مسألة تقزُّم الأطفال واضحة ومباشرة، وهي قِصَر قامة الطفل بالنسبة للعمر بمقدار انحرافين معياريين. ونحن نعلم الآن أن كل الأطفال في العالم تنمو قاماتهم بمقدار 25 سنتيمترا في العام الأول و12 سنتيمترا في العام الثاني. ويوجد بعض التفاوت، لكن كل طفل في العالم إذا كان يحصل على تغذية كافية فإنه ينمو بذلك القَدْر.         

الأرقام مذهلةٌ حقاً. ففي إثيوبيا، يوجد 38% من الأطفال يعانون من التقزُّم، ونحن نعلم أن الأطفال المصابين بالتقزُّم لا يحصلون على تعليم جيد، ومن المؤكَّد أنهم لا يكسبون دخلا جيداً حينما يكبرون. بعبارة أخرى، ما يحدث لهؤلاء الأطفال المصابين بالتقزُّم هو أن أدمغتهم لا تنمو فعليا.         

وهذه دراسة لأستاذ جامعي في هارفارد من بنغلاديش. على اليسار طفل مصاب بالتقزُّم، وفي اليمين طفل موفور الصحة، والاختلاف في المسارات العصبية. بعبارة أخرى، الأطفال المصابون بالتقزم لديهم عدد أقل من الوصلات العصبية، ولذلك لن يكون أداؤهم على المستوى نفسه من الجودة كالأسوياء، والنسب المئوية غير عادية.

 

Image

تبلغ كل المتوسطات في أفريقيا جنوب الصحراء نحو 30-35% وفي الهند 38%، وفي إندونيسيا 37%، وفي باكستان 45%.         

وعليه، فإن تلك النسبة من الأطفال لن تكون على الأرجح قادرة على المنافسة في اقتصاد المستقبل الذي سيكون قطعاً أكثر احتياجاً للمهارات الرقمية.         

وفي التعليم، نجد أيضاً مشكلاتٍ هائلة. فنحو 250 مليون طفل لا يستطيعون القراءة أو الكتابة. وفي الهند، لا يستطيع ثلاثة أرباع تلاميذ الصف الدراسي الثالث حل مسألة طرح بسيطة من رقمين. وفي الصف الدراسي الخامس، لا يستطيع نصف الطلاب في الهند حل مسألة حسابية بسيطة.         

وفي البرازيل، تحسَّنت مهارات الطلاب الذين يبلغون من العمر 15 عاماً، ولكن بالمعدل الحالي للتحسُّن لن يصلوا إلى متوسط درجات نظرائهم في البلدان الغنية في الرياضيات قبل مضي 75 عاماً، وفي القراءة سيستغرق وصولهم إلى المتوسط 263 عاماً بالمعدلات الحالية. ومع ذلك، 260 مليون طفل غير ملتحقين بالمدارس.         

وما هو أسوأ أنه حتى في البلدان التي يكون فيها الأطفال ملتحقين بالمدارس، ما وجدناه من خلال مشروع نقوم بإدارته – نحن لدينا بعض خريجي الجامعة الأمريكية من البنك الدولي هنا.         

أين أنتم يا شباب؟         

كما ترون، ها هو المستقبل.         

وقد أجرينا واحدةً من أهم دراسات نواتج عملية التعلُّم. وهي تُسمَّى قاعدة البيانات المُوحَّدة لنواتج التعلُّم. والآن نعرف بالنسبة لأي بلد مُعيَّن مقدار ما حدث من تعلُّم في سنوات الالتحاق بالمدارس. ففي اليمن أو ملاوي، حتى إذا قضى الطالب في المدارس 12 عاماً، فإنه لن يحصل إلا على نحو نصف المزايا التي ينالها لو كان ملتحقا بالمدارس في سنغافورة. فسنغافورة لديها نظام تعليمي ممتاز. وإذا كانت سنغافورة هي المعيار، فإن ما وجدناه، لسوء الحظ، هو أنه في الكثير من بلدان العالم يفقد الطلاب قرابة خمسة أعوام من التعليم.         

وهكذا، لا يعمل النظام التعليمي بكفاءة. في البداية، ماذا يحدث إذا كنت مصاباً بالتقزُّم، ونظامك التعليمي لا يزودك بما تحتاج إليه لتكون قادراً على المنافسة في اقتصاد المستقبل؟         

لقد اشتغلتُ في مجالات الصحة والتعليم العالمية معظم سِنين شبابي. ومن الأمور التي أدركتُها، أننا حقَّقنا نجاحاً كبيراً في الدعوة من أجل زيادة التمويل لمكافحة فيروس ومرض الإيدز، ومزيد من التمويل لمكافحة مرض السل، ومزيد من التمويل لمرض الملاريا، وحتى مزيد من التمويل للتعليم. ولكن ذلك خلق وضعاً جعل الكثير من رؤساء الدول ووزراء المالية يتقاعسون ويشعرون بالتراخي وينتظرون الحصول على المِنَح، ولسان حالهم يقول "إذا أعطيتمونا المال للقيام بهذه المهمة فسوف نفعل. وإن لم تعطونا، فإن لدينا أموراً أهم ينبغي أن ننفق أموالنا عليها. يجب علينا أن ننفق أموالنا على البنية التحتية المادية. يجب علينا أن ننفق أموالنا على الطرق والكهرباء." وهذا كله صحيح، ولكننا وجدنا أيضاً أن رأس المال البشري قد يكون أهم استثمار يمكنهم القيام به.

Image

هذا من دراسة عن ثروة الأمم، ونحن نُسمِّيها الثروة المُتغيِّرة للأمم. وللمرة الأولى – وكوينتين. أين كوينتين؟      

لقد كان كوينتين وودون الذي نال شهادة الدكتوراه في الاقتصاد هنا في الجامعة الأمريكية كبير الخبراء الاقتصاديين الذي أضاف رأس المال البشري للمرة الأولى إلى ثروة الأمم. ورأس المال البشري هو الجانب المظلم في هذه المعادلة، أليس كذلك؟ إنه رأس المال البشري. ولذلك، في البلدان مرتفعة الدخل، والبلدان متوسطة الدخل، وحتى البلدان منخفضة الدخل يُؤلِّف رأس المال البشري نسبة لا يستهان بها من الثروة الكلية لأي أمة. وهذه هي المرة الأولى التي قمنا فيها بتضمين ثروة الأمم رأس المال البشري.        

ومع ذلك، إذا نظرت إلى رأس المال البشري ونصيب الفرد من الثروة، لوجدت أولاً وقبل كل شيء أن متوسط نصيب الفرد من الثروة في البلدان مرتفعة الدخل أعلى كثيراً من نظيره في البلدان متوسطة الدخل أو منخفضة الدخل.         

ثم انظر إلى نسبة رأس المال البشري، الجانب المظلم، لنرى مسافة الشوط الذي يجب على البلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل أنتقطعه للحاق بالآخرين من حيث استثماراتها في رأس المال البشري.

Image

 

ولذلك، اتخذنا قراراً. لقد أقلقني أن الكثير من البلدان كانت تكتفي بانتظار وصول المنح إليها. ولم يكن لديها شعور بضرورة المسارعة إلىالاستثمار في البشر وثروتهم وتعليمهم. ولذلك سنُصدِر تصنيفاً للبلدان في هذا المجال.

والتصنيفات مثيرة جدا للجدال، ولكن ما نعرفه عن التصنيفات هو أنها تثير انتباه الناس. ولذلك، سنقوم حقاً بتصنيف البلدان، البلدان الأعضاء في مجموعة البنك الدولي، وسننظر في معدلات البقاء على قيد الحياة، وننظر في سنوات الدراسة المعدلة بحسب الجودة --ومن ثمَّ فما يهم ليس هو مجرد عدد السنوات التي يقضيها المرء في المدرسة. وسوف نستخدم قاعدة البيانات التي نقوم بإعدادها في البنك الدولي، وسوف نُصدِر تقييمنا لكم على أساس سنوات الدراسة التي تعلَّمتم فيها حقاً.         

وإذا نظرتم إلى اثنين من مؤشرات الصحة وهما معدل بقاء البالغين على قيد الحياة وتقزُّم الأطفال، في مرحلة الطفولة، فيمكنكم أن تُضيفوا إلى المعادلة تأثير الصحة على وضعكم من حيث رأسمالكم البشري العام.         

ولذلك، سنقوم بإعداد تصنيف للبلدان. وسُنصدِر تقييماً من حيث مستوى الإنتاجية. ويمكنني التحدث بإسهاب في هذا الأمر في وقت لاحق إذا أردتم معرفة التفاصيل. وسنُعلِن هذا — وسننشر هذا التصنيف في أكتوبر/تشرين الأول أثناء اجتماعاتنا السنوية، وسيكون مثار جدال شديد.

وسيغضب مِنَّي الكثير من الزعماء، لاسيما البلدان التي سيكون تصنيفها أقل من بلدان كانوا يشعرون دائما أنهم أفضل منها.         

ولكن ما نعرفه من تصنيف ممارسة أنشطة الأعمال هو أنه إذا لم نقم بإعداد هذا التصنيف، فلن يسترعي اهتمام الناس. لقد أجرينا دراسات الواحدة تلو الأخرى وأظهرت أهمية الاستثمار في البشر والصحة، لكن تلك الدراسات لم تُؤدِّ إلى نوع الاستجابة التي نحتاج إليها.         

فهل من الممكن أن نفعل شيئاً؟ بالتأكيد.         

هذه بيرو. لقد عَمِلتُ في بيرو سنوات، وفي بيرو حاولنا على مدى سنوات وسنوات تقليص معدل تقزم الأطفال ولكن ذلك لم يتحقَّق قط. ثم أخيراً، في حوالي عام 2007 أو نحو ذلك، أخذ البنك الدولي مبلغاً من المال لم يكن يستخدمه في شيء آخر، ووضعه في مشروع وطني هدفه مكافحة التقزُّم، وفي خلال سبع سنوات، نجحوا في تقليص مستوى التقزُّم بمقدار النصف.         

وتعلَّمنا من ذلك الكثير من الدروس، والخلاصة التي سننقلها إلى كل المتعاملين معنا هي أننا لا نستهجن أداءكم بهذا التصنيف. إنما نحاول إقناعكم بأن تولوا اهتماماً للأمر، وسنفعل بعد ذلك كل ما في وسعنا لمساعدتكم في ترقية تصنيفكم، لأنكم في الواقع إن لم تفعلوا فقد لا يستطيع شعبكم المنافسة في اقتصاد المستقبل.         

وأختتم كلمتي هنا – هل داهمني الوقت. لا بأس، لدينا متسع من الوقت بعد ذلك. وأُريد أن أُحدِّثكم في سياق التاريخ—تاريخ التنمية الذي حدَّثتكم عنه. إنَّني أشعر حقاً، لاسيما مع كل الجدال الذي رأيتموه اليوم، أعتقد أنه يجب إيجاد طريقة جديدة للتفاعل فيما بيننا كبشر.         

حينما أقول إنه قبل 200 عام الجميع تقريبا كانوا من الفقراء، وقبل 50 عاماً حينما كنتُ حدثا صغيرا --قبل 54 عاماً وحينها كنت ما أزال أعيش في كوريا، كان هناك شعور بأن بلدانا مثل كوريا أفقر بلدان العالم ستظل دائما فقيرة، "نعت "الفقر سيلاحقها دائما".         

كان هناك كمٌ هائل من الدراسات عن كيف ينبغي للبلدان الغنية ومؤسسات مثل البنك الدولي أن تمعن النظر في رسالتها فيما يتعلق بالفقراء. وكان هناك كمٌ هائل من الدراسات التي تم إعدادها.         

وحينما كنت طالباً جامعياً في دراسات علم الإنسان وأقرأ تلك الروايات التاريخية عن بلدي كوريا، لم أكن أُدرِك ما يكتبون عنه.         

وقرأت كتابا أثناء دراستي الجامعية العليا كان من أكثر الكتب تأثيراً في نفسي. إنه كتاب "الاستشراق" لإدوارد سعيد.         

هل يعرف أحد بذلك الكتاب؟ نعم.         

أود أن أخبركم أنني حيثما ذهبتُ في الشرق الأوسط وحتى في آسيا أجد الناس قد قرأوا هذا الكتاب.         

وفيما يلي ما قاله إدوارد سعيد – جادل إدوارد سعيد بأنه حينما يقرأ المرء روايات عن الشرق—وفي نظره يقصد به الشرق الأوسط وفارس، بلدان الشرق الأوسط لكنها تمتد حتى اليابان وشرق آسيا. وقال إنك حينما تقرأ روايات عن تلك البلدان، فإنك لا تقرأ حقاً عن تلك البلدان. إنما تقرأ عن المؤلفين، لأن المؤلفين يستخدمون رواياتهم عن تلك البلدان لأغراض أخرى غير الوصف المتواضع.         

وكتب يقول "هناك فرق بين معرفة الشعوب الأخرى والأزمنة الأخرى، والتي تكون نتاج الفهم والتعاطف والدراسة الواعية والتحليل لذاته. ومن ناحية أخرى المعرفة –إذا كان ما نقول صحيحاً- التي تكون جزءاً من حملة شاملة لتأكيد الذات والعدوانية وحتى الحرب الصريحة."         

والآن، أشعرُ أنني عدتُ أستاذاً جامعياً، فدعني أنقل إليكم رأيي في أن الرسالة الأنثروبولوجية لعلم الأجناس، والمحاولة الصادقة لفهم ما يبدو عليه العالم من منظور الآخرين أمر على القدر نفسه من الأهمية مثل كل الأشياء التقنية التي حدثتكم عنها. وهذا تغيُّر نحتاج بالأساس إلى رؤيته.         

ويرجع الأمر كله إلى هذا: هؤلاء الأطفال يريدون أن تتاح لهم فرصة أن يصبحوا كما يريدون. وأنا أتأمل نفسي في عام 1963 حينما كنت أعيش في كوريا. وهذا ما كانت تبدو عليه كوريا في عام 1963، إحدى أفقر بلدان العالم، نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي فيها أقل من نظيره في غانا، أقل من الصومال، أقل من كينيا.         

وهذا ما قاله البنك الدولي "كوريا فقيرة جداً، إنها بلد مُتخلِّف جداً، ولن نُقدِّم لهم قرضاً لأنهم لن يستطيعوا سداده أبداً." وقد كانوا مخطئين في ذلك، لكن هذا ما قالوه.         

وفي العام الماضي، كنتُ في تنزانيا، وكنت في هذا الفصل الدراسي. وأحب أن أسأل الأطفال "ماذا تحبون أن تصبحوا حينما تكبرون؟" رفع طفلان يديهما وقال كل منهما "أريد أن أكون رئيس البنك الدولي."

 

Image

 

مثلما فعلتم تماماً، ضحك الموظفون التابعون لي والمُعلِّمون. لكنني أشرتُ إليهم أنْ كُفوا عن الضحك، وقلتُ "في عام 1963، حينما كان رئيس البنك الدولي آنذاك جورج ديفيد وودز، لو أنه زار كوريا" –ومن المنطقي أن يزور كوريا ليرى هل هذا البلد مؤهَّل للحصول على قروض وقتئذٍ—"لو أنه زار كوريا ولو أنه زار روضة الأطفال التي كنت فيها، فإنني أشك في أنه كان سيتوقع أو سيتصوَّر أن أحد الذين سيخلفونه في هذا المنصب جالس في تلك القاعة."         

فهل يمكننا تحقيق هذا؟ هل يمكننا حقاً تهيئة تكافؤ الفرص للجميع. أود أن أقول إنَّنا إذا لم نفعل، فإننا سنواجه مشكلة كبيرة. قبل 55 عاماً، جاء الرئيس جون كنيدي إلى الجامعة الأمريكية في يونيو/حزيران ليلقي خطبة الافتتاح في حفل التخرُّج، وقال في تلك الكلمة:
        

"لا توجد مشكلة تخص مصير البشر تتخطَّى الحدود الإنسانية. وبعقل الإنسان وروحه أمكن غالباُ حل ما بدا مستعصياً على الحل، ونعتقد أن بإمكاننا أن نفعل ذلك ثانيةً."         

وكان يتحدث عن معاهدة حظر التجارب النووية، لكنني أعتقد أن المهمة التي يجب علينا إنجازها اليوم أكبر. فهل يمكننا إتاحة فرص متكافئة لكل شخص لكل طفل على وجه الأرض ليصبح ما يتمنَّاه. مهلاً، لقد أتيحت لي تلك الفرصة.

إنَّني أُؤمِن حقاً بأنَّ كل طفل يستحق هذه الفرصة. وإذا لم نستخدم أدوات التمويل لتحقيقها، فلن ننجح. لكنها ستكون مشكلتكم، لأن الآمال المُحبَطة لشاب في أفريقيا والشرق الأوسط لن تكون بعيدةً عنكم. أمَا وقد علمنا هذا. فإن العالم مترابط جدا، ولذا يتعين عليكم تأمُّل آفاق مستقبله، وكذلك آفاق مستقبلكم.

شكراً جزيلاً لكم.

 

Api
Api