تأثير العاصفة دانيال على شرق ليبيا
في يوم الأحد 10 سبتمبر/أيلول 2023، وقعت كارثة طبيعية مدمرة في شرق ليبيا، عندما أدت العاصفة دانيال التي صاحبتها أمطار غزيرة ورياح عاتية إلى الدمار. وشعرت المدن الساحلية في الشمال الشرقي بأثر هذه العاصفة، بما في ذلك بنغازي وسوسة والمرج. وقد وقع الجزء الأسوأ من هذه الكارثة ليلة الأحد 10 سبتمبر/أيلول، وحتى 11 سبتمبر/أيلول، عندما انهار سدان بصورة مأساوية في مدينة درنة الساحلية، الواقعة على نهر وادي درنة. وأدى ذلك إلى فيضان ملايين الأمتار المكعبة من المياه، وإغراق سهل النهر، وفيضانات واسعة النطاق في درنة، وهي مدينة يسكنها حوالي 100 ألف نسمة. وتسببت الفيضانات في تدمير أحياء بأكملها، تم جرف بعضها إلى البحر الأبيض المتوسط. وأشارت التقارير إلى أن الأضرار التي لحقت بالمباني والبنية التحتية كانت جسيمة للغاية، وأدت إلى إغلاق العديد من الطرق. وفي 18 سبتمبر/أيلول 2023، أفادت التقارير أن عدد القتلى تجاوز 4 آلاف شخص، وأكثر من 10 آلاف شخص لا يزالون في عداد المفقودين، ونزح ما لا يقل عن 34 ألف شخص من منازلهم. وقد وقعت هذه الكارثة في شرق ليبيا خلال فترة شهدت أعمال عنف مستمرة وجمود سياسي وانقسام. ومن المأمول أن وجود ضرورة لاستجابة مشتركة، ورغبة في تجنب المزيد من هذه الكوارث، سيؤدي إلى تحفيز التطورات الإيجابية في الحوار السياسي.
وفي إطار جهود مواجهة هذه الكارثة والفيضانات المأساوية، يعكف البنك الدولي على إعداد تقييم سريع للأضرار والاحتياجات. وهذا التقرير يتبع منهجية عالمية لتقييم مدى الأضرار والخسائر الواقعة في أعقاب كارثة طبيعية أو نزاع. ومن خلال العمل عن بعد، مع البيانات والتكنولوجيات المبتكرة، وإشراك أصحاب المصلحة الليبيين في طرابلس والمناطق المتضررة، يعمل البنك الدولي على تقدير تكلفة التعافي وإعادة الإعمار. وسيعمل هذا التقييم على توجيه جهود التعافي وإعادة الإعمار وتوفير المعلومات اللازمة بعد هذه الكارثة والفيضانات التي ضربت ليبيا. وبالإضافة إلى ذلك، يتعاون البنك الدولي مع الشركاء المحليين والدوليين، للاستفادة منهم في تصميم برنامج للتحويلات النقدية للسكان المتضررين. وسيواصل البنك الدولي مساندة عملية التعافي من هذه الكارثة وإعادة الإعمار. وستعتمد سرعة وفعالية جهود إعادة الإعمار في ليبيا بعد الكارثة، إلى حد كبير، على وحدة الهدف والنهج، من جانب جميع أصحاب المصلحة في ليبيا.
------------------------------------------------------------------
السياق العام
لا تزال ليبيا تعاني من حالة من الجمود السياسي، حيث تدعي السلطات المتنافسة، في شرق ليبيا وغربها، امتلاكها للشرعية، من أجل السيطرة على البلاد. ولم تتوصل المفاوضات بعدُ، إلى اتفاقٍ بشأن إطار دستوري، يمكن أن يمهد الطريق لإجراء الانتخابات، ويسمح باستعادة الحكومة الليبية الموحدة. ويسهم الطعن في شرعية المؤسسات والقيادة السياسية، بشكل كبير، في حالة انعدام الأمن، والخسائر الاقتصادية، والتفتت الاجتماعي.
لا شك أن تمتع ليبيا بالاستقرار والأمن ستكون له آثار إيجابية إقليمية غير مباشرة على قارتين، نظراً لموقعها الإستراتيجي على مداخل أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط. وفي نهاية عام 2021، حلت ليبيا ضمن أكبر عشرة بلدان من حيث احتياطيات النفط والغاز الطبيعي المؤكدة على مستوى العالم، حيث تمتلك نحو 3% من هذه الاحتياطيات. وفي عام 2021، استوردت أوروبا نحو 71% من صادرات ليبيا من النفط الخام والمكثفات (لاسيما إيطاليا وألمانيا وإسبانيا). لكن الصراع الذي طال أمده في ليبيا، جعل إنتاجها من النفط أقل كثيراً عن طاقتها الإنتاجية. ويمكن أن يساعد تحقيق الاستقرار والأمن ليبيا على تنفيذ الأهداف الرامية إلى مضاعفة إنتاج النفط تقريباً بحلول عام 2025، مع تأثير ذلك على إمدادات النفط العالمية. ويمكن أن يساعد الاستقرار في ليبيا أيضاً على استيعاب المهاجرين لأسباب اقتصادية من البلدان المجاورة، مثل تونس ومصر، وكذلك أفريقيا جنوب الصحراء. وستؤدي هذه التطورات إلى الحد من الضغوط على إدارة الحدود في أوروبا، وتساعد على زيادة تدفق التحويلات إلى البلدان الأصلية. وليبيا التي يسودها السلام تعني تراجع عمليات الاتجار بالأسلحة والبشر، مما قد يؤدي إلى تعزيز الاستقرار في منطقة الساحل.
إن الاقتصاد الليبي، الذي تضرر بالفعل من الصراع، وجائحة كورونا، والغزو الروسي لأوكرانيا، سيتأثر تأثرا كبيرا بالفيضانات الكارثية التي ضربت شرق البلاد. وتتسبب الأوضاع الهشة في البلاد في آثار اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى، حيث انخفض نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنسبة 50% بين عامي 2011 و2020، في حين كان من الممكن أن يرتفع بنسبة 68% لو واصل الاقتصاد السير في اتجاهه قبل اندلاع الصراع. ويشير هذا إلى أن نصيب الفرد من الدخل في ليبيا كان يمكن أن يكون أعلى بنسبة 118% في حالة عدم وجود الصراع. وقد ظل النمو الاقتصادي في عام 2022 منخفضاً ومتقلباً بسبب الاضطرابات المرتبطة بالصراع في إنتاج النفط. وتشير تقديرات خبراء البنك الدولي إلى أن الاقتصاد الليبي انكمش بنسبة 1.2% في عام 2022، بسبب الحصار المفروض على إنتاج النفط، خلال النصف الأول من العام. ويتسم سوق العمل بارتفاع معدلات البطالة، حيث بلغ المعدل الرسمي 19.6%. ويعمل أكثر من 85% من العاملين، في القطاعين العام وغير الرسمي. وزادت إيرادات المالية العامة بنسبة 16% في عام 2022، مدفوعةً بارتفاع عائدات النفط التي تشكل 97% من إيرادات المالية العامة. ويعد الدين العام، المحلي بشكل رئيسي، مرتفعاً عند مستوى 77% من إجمالي الناتج المحلي، و126% من الإيرادات الحكومية، ومن المستدام افتراض عدم تأثر إنتاج النفط والغاز وصادراتها بدرجة أكبر بالوضع الأمني والصراع. ومن المتوقع أن تستمر الزيادة في الإنفاق الجاري في عام 2023، ويرجع ذلك جزئياً إلى اعتماد قانون الرواتب الموحد، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022. وبالإضافة إلى ذلك، سجلت حكومة الوحدة الوطنية فائضاً في المالية العامة نسبته 2.5% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2022، مقابل بـ 10.6% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2021، على الرغم من الزيادة الكبيرة في إيرادات النفط والغاز.
وعلى الرغم من التحديات العديدة التي تواجه ليبيا، يمكن أن يتحقق تعافي اقتصادها من خلال الاستفادة من موارد ليبيا المالية الكبيرة، بالبناء على أربعة ركائز بالغة الأهمية. أولاً التوصل إلى اتفاق سياسي مستدام بشأن مستقبل ليبيا. وثانياً إعداد رؤية مشتركة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية تستند إلى أدلة، وتُترجم إلى موازنة مالية وطنية للحفاظ على البنية التحتية الحيوية، وبناء رأس المال البشري. وثالثاً وضع نظام لإدارة المالية العامة يتسم بالمساءلة والشفافية واللامركزية، ويضمن التقاسم الملائم للثروة النفطية والتحويلات المالية الحكومية، فضلاً عن تخطيط الموازنة وتنفيذها، ورفع التقارير بشأنها على نحو فعال. ورابعاً إصلاح شامل للسياسة الاجتماعية لخلق تمييز واضح بين التحويلات الاجتماعية إلى المحتاجين، وبين الأجور العامة.
وفي عام 2022، تحسن الوضع الإنساني، ولكن من المرجح أن تزداد مواطن الضعف في أواخر عام 2023، بسبب الفيضانات في شرق ليبيا. وأشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، والمنظمة الدولية للهجرة، إلى نزوح نحو 43 ألف شخص في شمال شرق ليبيا، بعد الفيضانات في سبتمبر/أيلول 2023. وعلاوة على ذلك، أفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ليبيا، أنه قبل الفيضانات، تم تسجيل 49 ألف لاجئ وطالب لجوء لدى المفوضية، بما في ذلك أكثر من ألف لاجئ في شرق ليبيا، بالإضافة إلى نحو 46 ألف نازح داخليا في جميع أنحاء شرق ليبيا، ومعظمهم في بنغازي ودرنة وأجدابيا. وتزداد الاحتياجات بين النازحين داخل البلاد، مع اعتبار الرعاية الصحية والتعليم والنقل والمأوى من الاحتياجات ذات الأولوية. وفي 25 سبتمبر/أيلول، واصل الشركاء في المجال الإنساني والسلطات المحلية، توسيع نطاق عملياتهم لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحا للمجتمعات والمناطق المتضررة من الفيضانات.
آخر تحديث: 2023/10/12