موضوع رئيسي

إصلاحُ وتحديثُ نظام الشراء العام الفلسطيني

03/31/2011


اذار 2011- "الشراء العامُ"  هي عملية حصول المؤسسات العامة في دولة ما على ما يلزم من البضائع والخدمات، وهي تُعنى بالعقود المبرمة بين الحكومة والقطاع الخاص في مختلف المجالات كالخدمات الصحية، والتعليم، والطُّرُق، وتزويد المياه، والشرطة والدفاع ("هِغستاد" وآخرون، 2010)  ، على سبيل المثال. وتُمثّلُ المشترياتُ العامة (الحكومية) حصةً أساسيةً من إجمالي الإنفاق الحكومي. ويتراوح متوسط  حصتها على المستوى العالمي بين 12 في المئة و 20 في المئة، وقد يبلغ حتى مستوىً أعلى من ذلك في الدول النامية. وبالنظر الى الموازنات المهمّة المُخصّصة للمشتريات العامة في الدول النامية ، فإنّ كفاءة وجودة عمليات الشراء تعتبر عاملاً مركزياً في تحديد مدى  انتفاع المواطنين من الإنفاق الحكومي.

أمّا عملية إصلاح نظام الشراء العام  فهي الجهود التي تُبذل لتغيير ممارسات الشراء الحالية. وعادة ما ركّزت هذه الجهود، وما تزال، على تغيير الإطار القانوني والمؤسسي، إلى جانب تركيزها على تدريب مسؤولي الشراء العام، وبناء قدراتهم. وكثيراً ما تهدف الإصلاحات إلى تعزيز الكفاءة، والمساءلة والشّفافية بهدف تقليص فرص حدوث الفساد وسوء إدارة الأموال.

تُمثّلُ المشترياتُ الحكومية في الضفة الغربية وقطاع غزة حوالي 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. و ترتكز عمليات الشراء العام في الضفة الغربية وقطاع غزة بقَدْر كبير على عدد من المحاور، من أهمّها، عقود القطاع العام، باعتبارها مصدراً مهمّاً للأعمال بالنسبة إلى العديد من المُورّدين المحليين، وشركات المقاولات والاستشاريين الذين يُمثّلون الآفاق المستقبلية للضفة الغربية وقطاع غزة. كذلك فإنّ توفير فرص متكافئة للمشاركة في اطار نظام شراء عام كفؤ  تُمثّلُ محوراً آخراً مهماً من شأنه أن يُعطي زَخَماً جديراً بالاعتبار إلى المبادرين من أصحاب الأعمال. و يتطلّب ذلك وجود سوق محلية ناجحة وقوية، ومفتوحةً للتنافس الحُرّ، يُنظر إليها على أنها تُمثّل حجر الزّاوية في الاقتصاد الفلسطيني. ويعتبرإصلاح نظام الشراء العام عاملاً بالغ الأهمية بالنسبة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة على ضوء الدّور الشّمولي الذي يؤدّيه هذا النظام في تحقيق الحوكمة الرّشيدة والتنمية المستدامة للسلطة الفلسطينية.

لقد أجرى البنك الدولي مراجعتين لنظام الشراء لدى السلطة الفلسطينية. فقد أعدَّت السلطة الفلسطينية والبنك الدولي أولّ "تقرير قُطري لتقييم نظام الشراء " في الضفة الغربية وقطاع غزة في عام 2004، بهدف تحليل نظام الشراء المعمول به، ويشمل ذلك تحليلُ سياسات النظام، وطريقة تنظيمه، وإجراءاته وممارساته. ثُمّ أُعِدَّ تقييمُ مُتابعةٍ للتقرير الأول تحت عنوان "ورقة قضايا الشراء للقُطر" في حزيران / يونيو 2008، رَكَّزَ على مراجعة استنتاجات "التقرير القُطري لتقييم نظام الشراء " سالف الذكر.  وحَدّدت تلك التّقييماتُ عدداً من المشكلات التي يواجهها نظام الشراء، وأبرزت عدداً من  النّواقص الرئيسة في الاطار القانوني، والترتيبات المؤسساتية، والاجراءات المتبعة، وكذلك في قدرات كوادر الخدمة المدنية العاملة في الشراء العام.

قدم "التقرير القُطري لتقييم نظام الشراء " توصيات لمساعدة السلطة الفلسطينية على تطوير قدراتها على التخطيط للمشتريات العامة (الحكومية) ولإدارتها ومراقبتها بطريقة مُجدية، ولتحسين مستوى المُساءلة والنّزاهة والشّفافية، ولمنع حدوث الفساد، ولمناغمة قانون الشراء العام الوطني وأنظمته مع المبادئ والممارسات المقبولة دولياً ، ولزيادة الفرص المتاحة للمورّدين والمقاولين والاستشاريين المحليين  للنمو والازدهار.

واستجابةً لتوصيات "التقرير القُطري لتقييم نظام الشراء "، فقد أطلقت السلطة الفلسطينية، بدعم من البنك الدولي، عملية إصلاح نظام الشراء العام عن طريق صياغة قانون وطني جديد للشراء العام  وأنظمة تنفيذية مفصَّلة له في أوائل عام 2006. غَيْرَ أنّ التغييرات التي حدثت في الحكومة منذ عام 2006 والوضع السياسي غير المستقر عملت كُلُّها على تأخير المصادقة على القانون و والأنظمة التنفيذية وسنّها، وأعاقت  إنجاز  أنشطة الإصلاح الأخرى. وكانت السلطة الفلسطينية قد أكّدت، في عام 2008، ضمن الإطار العام لخطة الإصلاح والتنمية الفلسطينية (2008 – 2010) التزامها بالمضيّ قُدُماً بالإصلاحات الموصى بها لكي يتسنّى جعل نظام الشراء العام أكثر كفاءةً وشفافيةً. بَيْدَ أنّ التقدّم كان محدوداً، حتى عهد قريب، واقتصرعلى التّصدي لمكامن الضعف في قانون المشتريات وإجراءاته.

وفي وقت مبكر من عام 2010، بذلت السلطة الفلسطينية جهداً آخر لتنقيح قانون الشراء العام ، وشُكِّلَ فريقٌ وزاري مشترك يتألّف من خبراء في الشراء العام ، ويُمثّل الوزارات الكبرى في السلطة الفلسطينية لتنقيح مشروع القانون مع الأخذ بعين الاعتبار مجموعة الملاحظات التي قدّمها البنك الدولي. ويُنظر إلى مشروع القانون بأنّه يعكس، في جزء كبير منه، جوهر الممارسات الجيدة المعترف بها دولياً، كما هي مُجسّدة على وجه الخصوص في قانون المشتريات النموذجي لدى لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي "الأونيسترال"، وبأنه يوفّر نقطةَ انطلاق جيدة وأساساً لمزيد من العمل والتحسين. ويواصل البنك الدولي دعمه للفريق الوزاري المشترك لكي يضمن أن ينبثق عن هذه العملية أفضلُ قانون ممكن للشراء العام. وحالما يُسَنُّ القانون الجديد، فإنّ من شأنه أن يُشكّل الأساس لعملية شراء عام  أكثر نجاعةً وشفافيةً. غَيْرَ أنّ سَنَّ القانون ما هو إلا الخطوة الأولى من عملية إصلاح كُبرى، لأنّ المُكوّنات البالغة الأهمية الأخرى لنظام الشراء العام تحتاج إلى وضعها موضع التنفيذ. وهذه المكونات تشمل:

  1. سَنُّ الأنظمة المُنفِّذة اللازمة للقانون الجديد.
  2. إنشاء وحدة مستقلة لسياسات الشراء العام ، من شأنها أن تَضطّلع بدور الإشراف على نشاط الشراء العام برمته، وأنْ تضمنَ الامتثال لقانون الشراء العام وأنظمته. ومن شأن هذه الوحدة أيضاً أنْ تكون مسؤولةً عن تطوير أنظمة الشراء العام ، ووثائق الشراء ، والمبادئ التوجيهية، والأدلة ودورات التدريب وحملات التوعية العامة الخاصة كلها بالشراء العام.
  3. يُوصى بقوة بإعداد وتطوير وثائق موحّدة وطنية للمناقصات، بهدف ضمان الشفافية والكفاءة، وتبنِّي وثائق موحّدة وطنية للمناقصات خاصة بالبضاعة والأعمال، وإعداد طلب موحّد لتقديم العروض خاص بالخدمات الاستشارية، كإحدى الأولويات.
  4. إعداد وتطوير دليل إجراءات لعمليات الشراء العام تشمل الدورة الكاملة للشراء ، من شأنه أنْ يُفسّر وأن يجلب التوجيه الضروري إلى عملية الشراء ، ابتداءً من التخطيط إلى الإعلان عن المناقصات، ومروراً بتقديمها، وتقييمها، وإرساء العقود، وإدارة العقود، والدّفعات، وجرد الموجودات المُقدمة وغيرها، وانتهاءً بتقديم إجراءات أكثر حداثةً وكفاءً في مجال إدارة العقود، مع إيلاء اهتمام خاص بعملية فضّ الخلافات في الوقت المناسب، التي تبرز في مجال التنفيذ، وتقديم نهوج / مقاربات متوازنة لقضايا تنقيح الأسعار.
  5. تأسيس برنامج تدريبي للقوى العاملة في مجال الشراء العام في جميع مكوّنات السلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى اتخاذ تدابير إضافية لجعل القانون نافذ المفعول.

وكان البنك الدولي قد قام بتوفير أموالٍ لدعم السلطة الفلسطينية للشروع بتنفيذ عملية الإصلاح ذات الأولوية. فعملية الإصلاح تُمثّل تغييراً مؤسسياً كبيراً تُنَسَّقُ فَعّالياته عن كثب مع الجهات المانحة النّشطة في الضفة الغربية وقطاع غزة، التي أكّد العديد منها دعمه واهتمامه القويين والمُستمرِّين بعملية سَنّ قانون الشراء العام الجديد وأنظمته، وعبّرت عن استعدادها للإسهام في المساعدة الفنية الأساسية التي تحتاج إليها السلطة الفلسطينية من أجل التنفيذ النّاجح والكامل للإصلاحات اللازمة في الشراء العام .

Api
Api

أهلا بك