Skip to Main Navigation
موضوع رئيسي 09/27/2021

الجراد الصحراوي: بناء قدرات اليمن لمنع هجوم أسراب جديدة من الجراد

Image

ãمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)


الدمار هو أول ما يجول بالخاطر عندما نفكر في الجراد الصحراوي؛ فهذه الحشرة الصغيرة التي تهاجر في أسرابٍ يمكن أن تصل إلى المليارات أو حتى التريليونات وتنتشر على مساحات واسعة من الأراضي، تسبب أضراراً كارثية للمراعي والمحاصيل. ويمكن لسرب صغير منها أن يلتهم في يوم واحد الكمية نفسها من الغذاء التي يتناولها 35 ألف شخص أو أن يلحق الضرر بنحو 100 طن من المحاصيل على مساحة كيلومتر مربع من الحقول. ويشكل غزو الجراد تهديداً رئيسياً للأمن الغذائي، ويؤدي في أسوأ السيناريوهات إلى المجاعة والتشريد. لذلك، وعندما اجتاحت أسراب كبيرة من الجراد اليمن قرب نهاية عام 2019، كان الأمن الغذائي لما يقرب من 30 مليون يمني في خطر.

ومع تآكل قدرات اليمن على الصمود بسبب الصراع الدائر فيه وتراجع تمويل الخدمات العامة في هذا البلد، لم يكن اليمنيون مستعدين لمواجهة هذه الحشرة الشرسة. وقبل هذا الصراع، كان لدى اليمن برنامج وطني فعال للرصد والمكافحة، ولكن عندما وقع هذا الغزو الأخير للجراد على المستوى المحلي، كانت البلاد تعاني من نقص المبيدات الحشرية والمعدات اللازمة لاستخدامها جنباً إلى جنبٍ مع المركبات المجهزة لتنفيذ عمليات ميدانية لأغراض "المسح والمكافحة". وكان سكان المناطق الريفية هم الأكثر تضرراً من غزو الجراد، حيث دمر النباتات والأعلاف الموجودة على الأراضي الزراعية، مما أدى إلى فقدان المحاصيل والحيوانات، وتآكل الدخول، وزيادة العبء الذي تشعر به الأسر المعيشية الأكثر احتياجاً في المناطق الريفية بالفعل من جراء الصراع.

ويتعرض المزارعون ومربيو الماشية والبدو الذين يعيشون في المناطق التي اجتاحتها أسراب الجراد لخطر إبادة سبل كسب عيشهم. ولم ير معظمهم شيئا كهذا في حياتهم ولم تكن لديهم الخبرة أو القدرات الفنية اللازمة لإنقاذ محاصيلهم. وأضافت جائحة كورونا المزيد من المشكلات ومنعت معظم المزارعين والرعاة المهددين من الجراد من تحصيل دخل بديل في البلدات المجاورة، كما كان دأبهم. ويلزم اتخاذ إجراءات عاجلة للسيطرة على أسراب الجراد التي تنتشر بسرعة خارج حدود اليمن، لتصبح في نهاية المطاف المصدر الرئيسي لأسرابٍ اجتاحت منطقة القرن الأفريقي الكبرى وغرب آسيا. وليس من باب المبالغة إذا أشرنا إلى أهمية اليمن الإقليمية في مكافحة غزو الجراد، حيث يعد واحدة من مناطق تكاثر الجراد الصحراوي الرئيسية في المنطقة؛ وتنمو هذه الأسراب في عدة مواقع على مدار العام ثم تنتشر في جميع أنحاء البلاد والمنطقة، مما يؤثر على الأمن الغذائي وسبل كسب العيش لعشرات الملايين من الناس في جميع أنحاء شرق أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا.

التصدي لتهديد الجراد

باستخدام التمويل المقدم من الشركاء الدوليين - كندا وبلجيكا والمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة وصندوق برنامج التعاون الفني بمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة - عملت الفاو مع السلطات اليمنية في عام 2020 لمكافحة أسراب الجراد. وتم القيام بعمليات مراقبة ومكافحة للجراد الصحراوي في مناطق تكاثر رئيسية حول اليمن للحد من اجتياح هذه الأسراب على المستوى المحلي وبالتالي منعها من غزو البلدان المجاورة. ويعني التدريب المكثف وبناء القدرات من جانب وزارة الزراعة مكافحة الجراد في المناطق التي اجتاحتها الأسراب. وبنهاية عام 2020، أدت عمليات مكافحة الجراد التي تقودها الفاو في اليمن إلى معالجة 48082 هكتاراً من الأراضي الزراعية، والقيام بعمليات مسح لنحو عشرة أضعاف هذه المساحة تقريباً.

وساند التمويل المقدم من البنك الدولي في إطار مشروع التصدي لأسراب الجراد في اليمن عمليات المراقبة والمكافحة وعزز استعداد اليمن لمواجهة اجتياح هذه الأسراب في المستقبل. ومنذ بداية موسم التكاثر الشتوي في 2020/2021، بدأنا نلاحظ علامات مبشرة تشير إلى تراجع أعداد الجراد الصحراوي. وساعدت عمليات المراقبة والرش والمكافحة في مناطق التكاثر على القضاء على أعداد كبيرة من الحشرات - وهي أخبار سارة لملايين الأسر المعيشية التي تعتمد على الزراعة وتكافح من أجل النجاة من آثار هذا الصراع الذي طال أمده. وحتى الآن، لم يشهد الموسم الزراعي لعام 2021 أي اجتياحات كبيرة للجراد.

واستناداً إلى خبرتها التي تزيد على 70 عاماً في مكافحة الجراد الصحراوي، تتوقع الفاو أن تستمر الأسراب في التكاثر في المناطق الداخلية من اليمن (يبين الشكل 1 مناطق ومواسم تكاثر الجراد الصحراوي في اليمن). لذا، وعلى الرغم من كسب المعركة ضد أسراب الجراد الصحراوي في عام 2020 على نحو ما يبدو، فمن المتوقع أن تشتد الحرب ضد الجراد نظراً لقابلية تأثر اليمن بتغير المناخ. وقد أدى تغير المناخ إلى حدوث أقوى التغيرات في درجة حرارة المياه في منطقة المحيط الهندي منذ 60 عاماً. فالبحار الأكثر دفئاً تخلق أمطاراً أكثر شدة، فضلاً عن أعاصير أقوى وأكثر تكراراً، مما يوفر ظروفاً مثالية للجراد للفقس والتكاثر والانتشار على نطاق واسع. ولهذا السبب يصبح من المهم للغاية تعزيز قدرات اليمن على التصدي لأسراب الجراد الصحراوي في المستقبل.

ويتمثل أهم جزء في تعزيز قدرات اليمن على التصدي للجراد الصحراوي في إعادة بناء الشبكة الوطنية لمراكز مكافحة الجراد الصحراوي في مناطق التكاثر الرئيسية في البلاد. وسيساند المشروع الذي يموله البنك الدولي إنشاء/تجديد وتجهيز هذه الشبكة وبناء قدراتها. وتشمل هذه الشبكة نظم الإنذار والاستجابة المبكرة لدعم الوقاية والاستجابة السريعة لاجتياح الجراد في الوقت الحالي ومستقبلاً، مما يحد من انتشار الأسراب في اليمن وخارج حدودها. ونظام الإنذار والاستجابة المتكامل مزود بأحدث المعلومات لبدء عمليات أرضية و/أو جوية لمكافحة الجراد الصحراوي بناءً على معلومات دقيقة. وسيرصد هذا النظام أيضاً بيانات الأرصاد الجوية، التي ستدعم آليات التصدي للكوارث الأخرى والأحداث المناخية ذات الآثار السلبية. وسيساعد الرصد أيضاً على زيادة تبادل المعلومات الموثوقة المتعلقة بالعمليات الذكية لمكافحة الآفات على نحو يراعي التغيرات المناخية في المجتمعات المحلية. ويعتمد هذا النظام المتكامل على أحد تطبيقات أجهزة الهاتف النقال لإدخال البيانات الخاصة بأوضاع الجراد على المستوى الميداني، ومتابعة وصيانة المعدات واللوجستيات اللازمة، وتتبع كمية ونوعية مخزونات مبيدات الآفات. وسيتم ربط نظام الإنذار والاستجابة بدائرة معلومات الجراد الصحراوي التابعة للفاو التي تتلقى البيانات من البلدان المتضررة من الجراد وتقوم بتحليلها، حتى تتمكن من إصدار تحذيرات وتنبيهات، وتعزيز التعاون فيما بين البلدان، وإحاطة المجتمع العالمي بكل المستجدات بشأن الجراد.

وليس من قبيل المبالغة أن نشير إلى الأهمية القصوى للحفاظ على قدرات مراقبة الجراد ومكافحته في اليمن، لا سيما وأن أي تكاثر خارج نطاق السيطرة في المستقبل يمكن أن يؤثر مرة أخرى على منطقة القرن الأفريقي الكبرى، كما حدث في عام 2020، وأيضاً على منطقتي الشرق الأوسط وغرب آسيا بالكامل.

 

Image


* شارك في تأليف هذا المقال منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو).



Api
Api