أحرز المغرب تقدما كبيرا في خفض معدلات وفيات الأمهات والمواليد والأطفال، وتحسين المؤشرات الرئيسية لصحة وتغذية الأمهات والأطفال، وذلك على مدى العقود القليلة الماضية،. ومع ذلك، لا تزال هناك فجوات كبيرة بين المناطق القروية والحضرية.
وفي المناطق القروية، تزيد معدلات وفيات الأمهات مرتين ونصف عن معدلاتها في المناطق الحضرية (111 مقابل 45 وفاة لكل 100 ألف ولادة). وبالمثل، يزيد معدل وفيات الرضع بنسبة 37٪ في المناطق القروية: 26 حالة وفاة لكل ألف ولادة في المناطق القروية مقابل 19 في المناطق الحضرية.
وقالت نجاة ناديفي، رئيسة جمعية "رعاية" لصحة المرأة والطفل: "ما زلنا بحاجة إلى أشياء كثيرة حتى تتمتع جميع النساء، سواء من القرية أو المنطقة المحيطة، بالكرامة وينجبن في ظروف جيدة للغاية". كما تتولى نديفي مسؤولية مرافق الأمومة المجتمعية (دار الأم - الاستقبال والإقامة والتوعية للنساء الحوامل أو النساء اللائي وضعن للتو ولأطفالهن حديثي الولادة) في قرية أولاد وكاد، وهي قرية تبعد حوالي ساعتين بالسيارة عن مراكش.
وأضافت "لم نعد نريد أي فرق بين الدوار (قرية في اللغة الدارجة المغربية) وبين المدينة. نريد نفس الخدمات."
وعلى الرغم من التحسن الكبير في إمكانية الحصول على خدمات صحة الأم والطفل في المغرب على مدى العقود القليلة الماضية، فإنها لا تزال منخفضة في المناطق القروية. وتلد جميع النساء تقريبا في المناطق الحضرية - 96 %- في منشأة صحية، مقابل 73.4 % في المناطق القروية. ويبلغ معدل التقزم بين الأطفال دون سن الخامسة 20.5٪ في المناطق القروية مقابل 10.4٪ في المناطق الحضرية. ويمكن أن يفسر عدم القرب من المراكز الصحية والعقبات الجغرافية هذه المشكلات المتعلقة بالوصول. وتقول ناديفي "كما نعلم، هناك تحديات، أهمها العقبات الجغرافية، يمكن أن نفقد العديد من النساء الحوامل فقط بسبب التأخير."
منظومة صحية مجتمعية جديدة في الجهات الريفية: وتنسيق بين 3 أطراف
وفي هذا السياق، قامت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية، واليونيسف، بتجربة منظومة جديدة للصحة المجتمعية في عام 2022 للمساعدة في تحسين صحة الأمهات والأطفال والتغذية في المناطق القروية. وتم تنفيذ البرنامج التجريبي في ثلاث جهات ذات أولوية (بني ملال-خنيفرة، درعة-تافيلالت، ومراكش-آسفي) تغطي 14 جهة و56 مركزا صحيا في الريف.
ويعد هذا البرنامج الجديد فريدا من نوعه، من حيث اعتماده على التنسيق بين ثلاثة أطراف فاعلة، ويشرك في الوقت نفسه مراكز الرعاية الصحية القروية ودور "دار الأمومة" والعاملين في مجال الصحة المجتمعية.
وترحب المراكز الصحية بالنساء بمجرد استعدادهن للولادة، وتساعدهن في الولادة ورعاية الأم والطفل في مرحلة ما بعد الولادة. دار الأمومة تشير إلى دور انتظار الأمومة في المناطق القروية التي تدعم النساء الحوامل وتوفر لهن مكانا آمنا للإقامة قبل الولادة وبعدها.
وتقول ناديفي "دار الأمومة" هي مركز لجميع النساء اللواتي يمكنهن القدوم حتى قبل الولاد: يمكنهم قضاء بعض الوقت هنا أثناء انتظارهم للولادة، في أمان تام."
تعمل الوسيطات الصحيات المحليات طواعية، ويتم إقامة رابطة قوية بين المجتمع والنظام الصحي. إنهن يتفاعلن مع النساء الحوامل في الدوار، ويرفعن الوعي حول أهمية الرعاية الطبية قبل الولادة.
وأضافت ناديفي "تبدأ عملية رعاية النساء الحوامل من مرحلة ما قبل الولادة: تخضع المرأة الحامل لاستشارات ما قبل الولادة. ويتم إبلاغ الوسيطات المجتمعيات بأن المرأة يجب أن تحضر أربع استشارات على الأقل قبل الولادة" وتابعت قائلة "يتصلن بالممرضة التي ترعى المرأة الحامل والمسؤولة عن برنامج مراقبة الحمل والولادة."
العاملات الصحيات المحليات هن سكان محليون في القرى، يختارهم المجتمع المحلي ويثق فيهم. ويقدمن الدعم المتواصل طوال فترة الحمل، ويوجهن السيدات الحوامل حتى ولادة أطفالهن في المركز الصحي، ويربطونها بدار الأمومة عند الحاجة.
"لم أعد أضع النساء في المنزل. والآن، آخذهن إلى دار الأمومة وأقول لهم الآن إذا كانوا يعانين من تقلصات، فيمكنهم طرق بابي ليلا أو نهارا، وإذا كان هناك أي شيء، عليهن الذهاب إلى المستشفى. اذهبن لإجراء فحص طبي وتحققن من مرض السكري وضغط الدم ".
ومنذ عام 2022، تم توظيف نحو ألف من الوسيطات الصحيات المجتمعيات وتدريبهن في الجهات الثلاث ذات الأولوية للمشروع التجريبي.
وتقول هناء أفروح هي وسيطة صحية مجتمعية "وظيفتي هي أن أكون على اتصال مع أهل الدوار الذين لا يستطيعون القدوم إلى المستشفى. ومن خلال التدريب الذي تلقيته، حصلت على وسائل للبقاء على اتصال مع الناس، وأذهب إلى منازلهم للمتابعة".وأضافت "كانت هناك حتما عقبات في البداية. في البداية ، لم يقبلنا الناس. قالوا إن ما نقوله ليس صحيحا، فنحن نلد في المنزل". "لقد بدأنا ببطء في التحدث، وزيادة الوعي، والالتقاء، والسؤال."
واليوم، في مرحلته التجريبية، وصل هذه المنظومة الصحية المجتمعية إلى نحو 285 ألف مستفيد (من النساء والأطفال في الفترة بين يناير/كانون الثاني 2023 وديسمبر/كانون الأول 2024) تمت إحالتهم إلى خدمات صحة الأم والطفل والتغذية.
دعم جهود المغرب لتحسين صحة وتغذية الأمهات والأطفال
وفي أعقاب النتائج المشجعة للمرحلة التجريبية، وضعت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بالتنسيق مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، وبدعم فني من البنك الدولي، إستراتيجية لتوسيع النطاق بعد تشخيص متعمق للمرحلة التجريبية، بما في ذلك التقييم الاقتصادي.
وتتضمن هذه الإستراتيجية خطة عمل مفصلة لتدعيم النموذج البرامجي لمنظومة الصحة المجتمعية ونظام إدارة الأداء من خلال دمج الأدوات الآلية لجمع البيانات وتحليلها، مما يتيح اتخاذ قرارات أسرع وأكثر استنارة. وتتناول الإستراتيجية أيضا الحوكمة والاستدامة، وتعتمد نهجا تدريجيا للتوسع مع تحديد الأولويات على أساس مؤشرات التنمية البشرية.
وتقول ناديفي "لدينا مشاكل وفيات أقل، خاصة بالنسبة للأطفال. كان لدينا وفيات الأجنة، كان لدينا الكثير من المشاكل. بفضل هذه المنظومة الصحية المجتمعي، تعاملنا مع المشكلة بالكامل، واستطعنا إدارتها بسبب الوضع. التأثير واضح، وقد تغيرت جودة الرعاية بشكل كبير".وأضافت "الوسيطات الصحيات المجتمعيات لهن دور مهم للغاية، ونود بصدق أن نرى هذا المشروع يتسع ليشمل جميع المناطق المحلية المرتبطة بهذه القرية."