Skip to Main Navigation
رأي 03/05/2020

الحل يكمن في التصدي للهشاشة والصراع والعنف الان وليس بعد انتهاء الصراع

يسعى البنك الدولي في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كل يوم إلى تحقيق هدف رئيسي وهو إنهاء الفقر بكل أشكاله حيثما يوجد. فمعدلات الفقر يزداد تركُّزها باطراد في المناطق التي تعاني من أوضاع الهشاشة والصراع والعنف. وتشير تقديرات بحوث جديدة للبنك الدولي إلى أنه بحلول عام 2030، سيعيش ثلثا الفقراء فقرا مدقعا في العالم في بيئات هشة ومتأثرة بالصراعات. وفي الوقت الذي يتراجع فيه معدل الفقر المدقع في أنحاء العالم، فإنه يزداد في مناطق تعاني من هشاشة حكوماتها وضعف العقد الاجتماعي فيها، واستمرار الصراع، وارتفاع مستويات العنف.

وقد جرت العادة على النظر إلى الصراع والعنف على أنهما تحد إنساني، وميدان لذوي الخوذات الزرقاء، والوكالات المختصة باللاجئين، لكن إعادة الإعمار كانت دوما جوهر الرسالة التي يعمل من أجلها البنك الدولي. لقد تأسَّس البنك للمساعدة في إعادة بناء أوروبا من أطلال الحرب العالمية الثانية، ولكن في السنوات الأخيرة، أدركنا أنه لا يكفي الانتظار حتى تنتهي الصراعات للبدء في إعادة الأحوال إلى نصابها الطبيعي والإعمار. فالأوضاع الهشة تستنزف النمو، وتخلق مرتعا للفقر، كما أن آثار الصراع تتردد في جنبات البلدان المجاورة مُسبِّبة أزمات مثل تدفق اللاجئين. ولا يمكن أن يترسَّخ الرخاء والازدهار إذا كان الناس يخشون على حياتهم وسلامة أسرهم.

ويجب علينا معالجة الهشاشة والصراع والعنف بشكل مباشر والتركيز على العمل الجاد من أجل التنمية في كل مرحلة من مراحل هذا التحدي المعقد. هذا الأسبوع، أصدر البنك الدولي إستراتيجيته الشاملة الأولى للتعامل مع أوضاع الهشاشة والصراع والعنف التي تبيَّن بالتفصيل سبل النهوض بالتنمية في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل على السواء التي تعاني من الهشاشة والصراع والعنف.

ويقتضي ذلك معالجة الأسباب الجذرية للهشاشة والصراع مثل عدم المساواة والإقصاء والفساد. وبالتركيز على قضايا مثل الشفافية والخضوع للمساءلة والعدالة وسيادة القانون، يمكننا الحيلولة دون أن تتحوَّل المظالم إلى أزمات محتدمة. وتُظهِر بحوثنا أنه في مقابل كل دولار يُستثمر في مجال الوقاية، يمكن توفير 16 دولارا من تكلفة تخفيف الآثار مستقبلا.

ويقتضي ذلك منَّا مواصلة السعي والعمل أثناء احتدام الصراع. وحتى في المناطق التي تستعر فيها المعارك، يمكننا الحفاظ على المؤسسات الرئيسية وتيسير الحصول على الخدمات مثل الرعاية الصحية والصرف الصحي والتعليم، لاسيما لأشد الناس فقرا وحرمانا.

ويقتضي هذا مساعدة البلدان على الخلاص من دوامة الصراع عن طريق بناء المؤسسات، ومنع الأزمات العابرة للحدود، وتسهيل استثمارات القطاع الخاص. فمنشآت الأعمال المحلية الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تخلق 80% من الوظائف في المناطق الهشة هي أساس النمو الاقتصادي.

وعلى مدار السنوات العشر الماضية، كان لنا دور رائد في كلٍ من هذه المناطق في أرجاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ففي تونس، على سبيل المثال، في أعقاب ثورات الربيع العربي، تراجع معدل نمو إجمالي الناتج المحلي إلى 1.1% فقط العام الماضي. واستمر ارتفاع معدل البطالة لاسيما فيما بين النساء (23%) وخريجي الجامعات (28%). وحتى على الرغم من الاستقرار السياسي النسبي، فإن مثل هذا الوضع الاقتصادي يخلق مرتعا خصبا لعدم الاستقرار.

ووصل إجمالي المساندة المالية التي قدمها البنك الدولي لتونس بين السنتين الماليتين 2011 و2019 إلى 4.6 مليار دولار. وتركَّزت هذه المساندة على تعزيز الاستقرار في أنحاء البلاد عن طريق تهيئة الفرص الاقتصادية، لاسيما في المناطق الداخلية والريفية، وتشجيع الفرص للشباب، واستخدام مبتكرات التكنولوجيا في تحسين مستويات تقديم الخدمات الأساسية.

وحيثما ينشب الصراع، فإننا نسعى جاهدين للحيلولة دون مزيد من إزهاق الأرواح والحفاظ على المؤسسات الرئيسية. من الأمثلة على ذلك اليمن. تُظهِر تقديرات الأمم المتحدة أن زهاء 24 مليون يمني - أو 80% من السكان- معرضون لخطر الجوع والمرض. وقرابة 18 مليونًا يعانون من نقص إمدادات المياه المأمونة أو خدمات الصرف الصحي، ولا يحصل حوالي 20 مليونًا على خدمات الرعاية الصحية.

ونحن نستخدم التمويل من المؤسسة الدولية للتنمية، وهي صندوق البنك لمساعدة أشد بلدان العالم فقرا، لتقديم منح طارئة في اليمن. وبالعمل مع شركائنا الدوليين والمحليين قدمنا 1.7 مليار دولار تمويلا لتدخلات طارئة في مجالات مثل التصدي للأزمات، والرعاية الصحية والتغذية، وتيسير الحصول على الكهرباء. ولهذا العمل المتواصل أهمية بالغة لسببين - الأول منع تدهور الأوضاع، والثاني أنها تتيح لنا قاعدة واسعة من المعرفة بشأن احتياجات هذا البلد، وأساسا لتقديم مزيد من المساعدة حينما تنحسر المعارك.

وثمة مثال آخر هو العراق حيث عملنا في خضم الصراع مع تنظيم داعش. فقد ساعد البنك الدولي في إحياء مدينة الموصل عن طريق إعادة تأهيل ثلاثة جسور حيوية على نهر دجلة تربط شرق الموصل بغربها عقب تحرير تلك المناطق. وحتى اليوم، اكتمل تأهيل أكثر من 300 كيلومتر من الطرق و23 جسرا في الموصل ومناطق محررة أخرى في العراق من خلال مشروع إعادة الأعمار الطارئ الذي بلغت تكاليفه إجمالا 750 مليون دولار. وساعد المشروع على تهيئة وظائف لمئات من الرجال والنساء والشباب، وإعادة إمكانية الحصول على الخدمات، والوصول إلى الأسواق، والعيادات، والمدارس والجامعات، ومساندة عودة آلاف الأسر المُشرَّدة إلى مدنهم وقراهم.

لقد أجبر عدم الاستقرار والصراع -لاسيما الحرب الدائرة في سوريا- ملايين الناس على ترك ديارهم، وخلَق أزمة لاجئين تُنذِر بزعزعة المنطقة. وجدير بالشكر والثناء، أن لبنان والأردن قدَّما منفعة عامة عالمية باستضافة ملايين اللاجئين. فقد آوى لبنان الذي يبلغ عدد سكانه أكثر قليلا من 4 ملايين نحو 1.5 مليون لاجئ، أو تقريبا ربع تعداد سكانه. ويؤوي الأردن الذي يبلغ عدد سكانه أكثر قليلا من 8 ملايين نحو 1.3 مليون لاجئ. وتُقدَّر التكاليف التي تحمَّلها كل من البلدين بما يتراوح بين ملياري دولار وثلاثة مليارات سنويا، ناهيك عن التحوُّلات التي يبدو أنه لا رجعة فيها في التوازن الاجتماعي الدقيق في البلدين.

وللمساعدة في مساندة الأردن ولبنان، أنشأ البنك الدولي البرنامج العالمي لتسهيلات التمويل المُيسَّر؛ الذي قدَّم ما يربو على 2.5 مليار دولار من التمويل المُيسَّر. ففي لبنان، يساعد البنك الدولي على التحاق 200 ألف طفل سوري بالمدارس الحكومية. وفي الأردن، نساعد على تهيئة 100 ألف وظيفة للمواطنين الأردنيين واللاجئين السوريين.

إن تحقيق الاستقرار والرخاء في المناطق الهشة والمتأثرة بالصراعات هو أحد أشد التحديات الإنمائية. والطريق وعر و بالغ الصعوبة، ولكن لا لابد من السير فيه. ويجب علينا مواجهة ذلك التحدي بشكل مباشر. وتتطلب تلبية طموحات وآمال الذين عانوا طويلا تحقيق سلام دائم، سلام سنسعى جاهدين لبنائه في المنطقة خلال السنوات القادمة.

Api
Api