خطب ونصوص

تمويل الطاقة النظيفة: إطار للشراكة بين القطاعين العام والخاص للتصدي لتغير المناخ، لندن

03/13/2007


بول وولفويتز، رئيس مجموعة البنك الدولي لندن, المملكة المتحدة

بالصيغة المعدة للإلقاء

بول وولفويتز: أشكركم على استضافة هذا اللقاء. وإنني أوافق بمنتهى القوة على أحد الأمور التي أثرتموها، ألا وهو الحاجة إلى النظر إلى تحدي الطاقة النظيفة ليس كخطر يجب تفاديه بل كفرصة يجب اغتنامها وخاصة في بلدان العالم النامية.
 
نحن هنا اليوم للنظر في قضية ملحة وعاجلة في جدول أعمال التنمية العالمية، وهي كيفية مواجهة الطلب المتصاعد على الطاقة مع القيام في الوقت نفسه بالحد من آثار انبعاث غازات الكربون.
 
في الأسبوع الماضي، قامت أوروبا باتخاذ الخطوة المهمة الأولى على الطريق، وإنني أرحب بإعلان المستشارة ميركل عن أن أوروبا سوف تعمل على تخفيض انبعاثات غازات الكربون بنسبة 20 في المائة بحلول عام 2020. وليست هذه خطوة جبارة نحو مكافحة تغير المناخ فحسب، بل إنها تخلق أيضا فرص جذب القطاع الخاص إلى الجهود المبذولة في هذا المضمار.
 
إن العديد من الشركات المُمَثلَة هنا تقوم فعليا بتنفيذ استثمارات في مجالات الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، والتوسع في ميادين البحث والتطوير المتعلقة بالمنتجات غير المُضرة بالمناخ.
 
لقد بات هذا الاتجاه في قطاع الشركات مكتسيا بطابعه العالمي. ففي مطلع هذا العام، قام تحالف من الشركات الأمريكية الرئيسية والمنظمات غير الحكومية يُسمى مجموعة الشراكة الأمريكية للعمل المعني بتغير المناخ (USCAP) ـ التي تتضمن شركة دوبونت (DuPont)، وشركة كاتربيلار (Caterpillar)، وشركة جنرال إلكتريك (GE) ـ بالدعوة إلى وضع سياسة قومية رائدة للتصدي لتغيرات المناخ.
 
فيا له من اختلاف هائل حدث في غضون سنوات قليلة. فمنذ وقت ليس بالبعيد، كان مجرد تخيل تجمع هذه الشركات سويا لمناقشة تغير المناخ أمرا يكاد يكون مستحيلا، ولكن تجمعها اليوم ليس لمناقشة هذا الأمر فحسب بل للمطالبة باتخاذ ما يلزم من إجراءات للتصدي له ومعالجته.
 
وتشكل هذه المجموعة المتحالفة جزءا من التوافق العالمي في الآراء الناشئ حول حاجة المجتمع الدولي إلى فعل شيء في هذا الصدد ـ فعل شيء عاجلٍ غير آجل ـ لمتابعة السير على الدرب المؤدي إلى انخفاض انبعاث غازات الكربون حتى نترك لأطفالنا وأحفادنا كوكب الأرض وهو ينعم بموفور الصحة وأتم العافية.
 
ويتمثل جزء من التحدي الماثل أمامنا في أمر عايشناه ولازمنا طويلا، وهو تحدي محاربة تفشي الفقر في العالم، ومن المؤكد أنه تحد هائل وجسيم. وها أنذا أسترجع إلى ذاكرتكم الواعية حقيقة أن بليون شخص في هذا العالم يعيشون من يوم لآخر على أقل من دولار أمريكي للفرد في اليوم. ويصيبنا هذا الرقم بالدهشة والذهول، وتقطر النفس حزناًً وتفيض أسى ولوعةً حينما نفكر في مستوى هذا الفقر المدقع. إلا أننا إذا قمنا بتقليب صفحات التاريخ في الآونة الأخيرة، فسوف نلمس الأمل الذي يطل علينا ببشائر الخير.
 
في السنوات الخمس والعشرين الماضية، نجح 500 مليون شخص تقريبا ـ أي حوالي نصف البليون ـ من الإفلات من براثن الفقر في العالم. ويرجع هذا التقدم في معظمه إلى النمو الاقتصادي السريع في أكبر اقتصادين ناشئين هما الصين والهند.
 
وإذا سمينا الأشياء بمسمياتها دون أية مواربة، فإنه يمكننا أن نقول إن تحقيق ذلك النمو كان في حكم المستحيل إذا لم تكن هناك زيادة في استهلاك الطاقة في هذين البلدين. وليس ثمة شك في أن هناك حاجة إلى استمرار هذا النمو حتى تكون هناك فرصة لمستقبل أفضل أمام الذين ما زالوا أسرى في فخ الفقر يرزحون تحت براثنه.
 
هناك في العالم اليوم أكثر من 1.6 بليون شخص لا تصل إليهم خدمات الإمداد بالكهرباء على الإطلاق. ففي المناطق الريفية في بلدان العالم النامية، وخاصة جنوب آسيا ومنطقة أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء، يعيش أربعة من بين كل خمسة أشخاص بدون أية خدمات كهربائية.
 
وبناء عليه، فإنه لا مفر من اتجاه الطلب على الطاقة في بلدان العالم النامية إلى الزيادة المطردة. ومن ثم فقد بات لزاما علينا أن نقف على أهبة الاستعداد للاستجابة لهذه الزيادة في الطلب بأقل قدر ممكن من انبعاث غازات الكربون وآثارها الضارة.
 
نحن في حاجة إلى أن نطرح على أنفسنا، وهذه الإحصائيات ماثلة في الأذهان، السؤال التالي: " كيف نعمل على تخفيض أعداد الفقراء مع القيام في الوقت نفسه بخفض انبعاثات غازات الكربون المسببة للاحتباس الحراري؟"
 
تدفع البلدان الفقيرة بحجة مؤداها أنه لا ينبغي عليها أن تتحمل الثمن الباهظ والتكلفة الفادحة للنمو المعتمد على الوقود الاحفوري في البلدان الغنية. وهذه البلدان الفقيرة محقة تماما فيما ذهبت إليه.
 
لعله يجب على البلدان الغنية أن تكون مضرب المثل والقدوة الحسنة في قيادتها وزعامتها. ومما يُشار إليه أن بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي تتحرك اليوم قدما إلى الأمام وفي جعبتها خطط لتنفيذ الإحلال والتجديد الفعلي للبنى التحتية لجميع محطات توليد الطاقة الكهربائية الخاصة بها. إن القرارات المتخذة اليوم في عواصم أوروبا وأمريكا الشمالية سوف تؤثر على الأجيال القادمة، ولذا بات من الضروري أن تتبنى هذه البلدان الخيارات الصحيحة إلى جانب الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة والتحرك نحو تطبيق استراتيجيات خفض مستويات انبعاث غازات الكربون إلى أدنى حد.
 
كما يجب على البلدان الغنية أيضا أن تتمخض صدارتها وقيادتها عن تقديم المساندة المباشرة إلى البلدان النامية.
 
ونطلب من المجموعتين معا، البلدان الغنية والبلدان النامية، أن تعملا على تخفيض أعداد الفقراء والحد من انبعاث غازات الكربون.
 
وبدلا من النظر إلى أنشطة تخفيض انبعاث هذه الغازات على أنها أنشطة باهظة التكلفة تؤدي ببساطة إلى تقليل أعباء تغير المناخ، فإنه يتعين علينا أيضا أن ننظر إليها كفرصة سانحة لتوليد الأموال اللازمة للاستثمار في مسار مختلف للطاقة ـ مسار لا يكتفي فحسب بتقليل استخدام الكربون بل يدفع أيضا إلى تنويع مصادر الطاقة الذي يؤدي إلى الحفاظ على الغابات في العالم، ويتيح إمكانية التحول الطويل الأجل بعيدا عن أنواع الوقود الاحفوري المحدودة التي سيكون مآلها إلى الزوال والاتجاه إلى زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة والابتكارات التكنولوجية. إن هذه بالضبط هي الفرصة السانحة أمامنا اليوم.
 
سوف يتطلب مسار الكربون المنخفض ما هو أكثر من مجرد تنفيذ جملة من الاستثمارات.
 
فسوف يتطلب ذلك أيضا إطارا للنظم والقواعد العالمية الطويلة الأجل المبنية على العدالة والإنصاف والرامية إلى تخفيض انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري:

  • إطار تُظهر البلدان الغنية من خلاله زعامتها وقيادتها عن طريق تقديم المساندة للبلدان النامية في مبادلة المزايا العالمية المترتبة على الاستفادة من تعزيز مفهوم النمو الأخضر والنمو المبني على الابتكار والإبداع والبراعة؛
  • إطار يوفر اليقين اللازم لتحفيز أعمال البحث والتطوير في التكنولوجيات التحويلية؛
  • إطار يسمح بقوة نمو أسواق الكربون واتجاه تدفقات مالية إلى البلدان النامية، وهي التدفقات التي يمكن أن تصل إلى مستوى 100 بليون دولار أمريكي في غضون بضعة عقود.

وبصرف النظر عن طبيعة الحل المطروح للحد من انبعاث غازات الكربون، لكن هناك أمرا واضحا، ألا وهو حاجتنا إلى توليد موارد كبيرة لمساعدة البلدان النامية على النمو مع القيام في الوقت نفسه بكبح تأثير ذلك النمو على البيئة.
 
لقد أشار مؤخرا ديفيد ميليباند وزير البيئة في المملكة المتحدة إلى أن مبادلة الكربون يمكن أن تؤدي إلى توليد تدفقات موارد تبلغ زهاء 200 بليون دولار أمريكي سنويا، ويذهب نصف هذا المقدار، أي 100 بليون دولار أمريكي، إلى بلدان العالم النامية كل سنة.
 
ويعد مبلغ 100 بليون دولار أمريكي مبلغا كبيرا من المال بطبيعة الحال ـ إذ إنه يزيد على المبلغ الذي يتم إنفاقه في الوقت الحاضر على المساعدات الإنمائية الرسمية المقدمة من المؤسسات الثنائية والمتعددة الأطراف. ولكن دعونا نمعن التفكير ولو للحظة لنرى أن الحجم الكبير لهذا المبلغ سوف يتضاءل ويتلاشى عند مقارنته بما ينفقه العالم سنويا على أنواع الوقود الاحفوري. إن ذلك المبلغ لا يمثل إلا 7 في المائة من 1.5 تريليون دولار أمريكي ينفقها العالم سنويا على النفط وحده، ناهيك عما يتم إنفاقه على الغاز والفحم.
 
من المؤكد أن هناك استخدامات أفضل لهذه الأموال. إذ يمكننا، بدلا من استيراد الوقود الاحفوري، أن نستثمر في الابتكارات التي سوف تتيح لنا تلبية احتياجاتنا من الطاقة من مصادر أكثر تنوعا بدون إلحاق أية أضرار بالبيئة.
 
وبناء على ما تقدم، لا يجب النظر إلى الطاقة النظيفة على أنها ببساطة تكلفة يجب تحملها. إذ لا بد من رؤيتها كفرصة للاستثمار في مستقبل مختلف المعالم والملامح... فرصة لتنويع مصادر الطاقة وتنويع أوجه إنفاقنا.
 
في قمة مجموعة الثمانية التي عقدت قبل عامين في غلين إيغلز في اسكتلندا بقيادة وزير المالية البريطاني غوردون براون، طلبت مجموعة الثمانية من البنك الدولي إعداد خارطة طريق لتسريع وتيرة الاستثمارات في الطاقة النظيفة لبلدان العالم النامية بالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية الأخرى.
 
ويقوم إطار استثمارات الطاقة النظيفة بتحديد حجم الاستثمارات المطلوبة:

  • لزيادة الوصول إلى الطاقة، وخاصة في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء؛
  • وتعجيل الانتقال إلى الاقتصاد المتسم بانخفاض انبعاث غازات الكربون؛
  • والتكيف مع تقلبية وتغير المناخ.

لقد زاد إجمالي مساندات الطاقة التي قدمتها مجموعة البنك الدولي على مدى السنوات الثلاث الماضية إلى حدود ما يتراوح بين 3 إلى 4 بلايين دولار أمريكي في السنة ـ أي أنها زادت بنسبة 40 في المائة عن فترة السنوات الثلاث السابقة. كما تم في العام الماضي توجيه 37 في المائة من ذلك الإقراض إلى مبادرات لخفض انبعاث غازات الكربون.
 
إلا أنه ينبغي، في ضوء هذه الطلبات الضخمة، فعل الكثير والكثير لتعظيم قوة تمويل القطاع الخاص، من أجل سد الفجوة ولتحفيز الإبداع والابتكار.
 
لعلكم تسمحون لي الآن أن أتطرق في إيجاز إلى أربعة مجالات قمنا فيها بتقديم المساندة بكل همة ونشاط إلى الحلول غير المضرة بالمناخ.
 
أولا، الاستثمار في ميادين كفاءة استخدام الطاقة والحفاظ عليها، لأنه على الرغم من بذل قصارى جهدنا لتنويع مصادر الطاقة، إلا أنه من الواضح أن معظم البلدان النامية سوف تحتاج إلى الاعتماد الكثيف على أنواع الوقود الكربونية على مدى المستقبل المنظور، وأعتقد أن طول تلك الفترة يتوقف على مدى امتداد نظرنا في المستقبل.. أو دعوني أقول ببساطة إن ذلك سيكون لفترة طويلة قادمة. ومن ثم فإننا نركز على فرص تحسين كفاءة استخدام الطاقة والحفاظ عليها بالنسبة لاستخدام منتجات الوقود الاحفوري.
 
ونظرا لاستمرار النمو السريع للاقتصادات الناشئة الأكبر حجما مثل الصين والهند، فإننا نتعاون مع هذه الاقتصادات لوضع استراتيجيات وخطط مالية من شأنها الحد من آثار انبعاث غازات الكربون.
 
فعلى سبيل المثال، هناك شراكة تجمعنا مع بعض البنوك الصينية لإقناع القطاع الخاص المحلي بالحجج والأسانيد التجارية لكفاءة استخدام الطاقة. وها هي المرة الأولى التي تجتمع فيها ثلاثة أطراف رئيسية في الاقتصاد الصيني ـ شركات المرافق، وشركات توريد معدات كفاءة الطاقة، والبنوك التجاريةـ من أجل وضع نموذج جديد للتمويل، وتقديم حل مستند إلى قوى السوق، بهدف النهوض بكفاءة استخدام الطاقة.
 
كما أننا نضطلع، من خلال عملنا التحليلي، بمساندة الجهود التي تبذلها الصين لإعادة هيكلة قطاع تدفئة المناطق، علاوة على تعاوننا من صناعة الصلب الصينية لتوفير الطاقة عن طريق إعادة تصميم عمليات الإنتاج المتبعة في الوقت الحالي.
 
ونساعد المكسيك، والبرازيل، والصين، والهند على تنفيذ مشروعات تجريبية لتشغيل وسائل نقل في المناطق الحضرية تتسم بقدر أكبر من الكفاءة في استخدام الطاقة.
 
كما نعمل أيضا على تعزيز برامج الاستثمارات الخضراء، التي تقيم صلة بين إيرادات تبادل حقوق إطلاق الانبعاثات (أو الاتجار برخص إطلاق الانبعاثات) والاستثمارات المؤدية إلى خفض انبعاث الكربون، في لاتفيا وأوكرانيا وبلغاريا، بالإضافة إلى البدء في تنفيذ عمل مماثل في روسيا. ويمكنني أن أقول من وحي زيارة قمت بها "لمتجر للعاديات والتحف القديمة" في بلغراد إنني يمكن أن أفكر في عبارة مناسبة للوصف وهي محطة للتدفئة في مستشفى ينبعث منها البخار الساخن في بيئة شتوية باردة في معرض تقرير أن هناك فرصا هائلة في دفع وسط وشرق أوروبا ببساطة للحاق بمستوى كفاءة الطاقة الذي تحقق بالفعل في أوروبا الغربية. ولكن الشراكة القوية مع القطاع الخاص تحتل أهمية خاصة في كل هذا السياق.
 
وإذا كان لي أن أضرب مثالا لكم، فإني أقول إننا نساعد البلدان والشركات المنتجة للنفط، في سياق الشراكة العالمية لتخفيض حرق الغاز، على زيادة استخدام الغاز الطبيعي الذي سيحترق لولا ذلك ويتحول إلى ألسنة لهب مُلحقا أضرارا بالبيئة.
 
وقد تمكنت هذه الشراكة من تعبئة 1.7 بليون دولار أمريكي كرأسمال خاص لمشروعات تخفيض حرق الغاز في إكوادور، وإندونيسيا ونيجيريا وروسيا التي تعادل 6 ملايين طن من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.
 
وعسى أن يكون نموذج هذه الشراكة مفيدا أيضا في النهوض بالتكنولوجيا غير المضرة بالمناخ. وعلى ضوء احتياطيات الفحم الضخمة للغاية في الولايات المتحدة والصين والهند، فإن أساليب مثل تقنيات التكنولوجيا المتكاملة لتحويل الفحم إلى غاز الموحدة الدورة (IGCC) المصحوبة بتقنية امتصاص الكربون وتخزينه (CCS) يمكن أن تساعدنا على استخدام هذا المورد القيم في التنمية، مع إمكانية فعل ذلك بطريقة تنتج عنها آثار ضئيلة ومحدودة لانبعاث الكربون.
 
فهل يمكن أن تساعدنا الشراكة بين القطاعين العام والخاص على إنجاز ذلك؟ إننا نتطلع إلى هذا المؤتمر لإمدادنا بثاقب النظر ونفاذ البصيرة.
 
وسوف نحتاج، في معرض الارتقاء بما نبذله من جهود، إلى البحث عن الأدوات المالية المبتكرة، بما في ذلك الضمانات والأدوات الأخرى التي يمكنها تعزيز قوة القطاع الخاص والاستجابة للاحتياجات النوعية للبلدان الشريكة لنا. ويشكل عملنا المتعلق بالتمويل المعني بالكربون جزءا هاما في هذا الإطار.
 
هذا وتضطلع مجموعة البنك الدولي اليوم بإدارة ما يقرب من بليوني دولار أمريكي في تسعة صناديق للكربون، حيث تم الالتزام فعليا بتقديم 1.4 بليون دولار أمريكي من إجمالي ذلك المبلغ.
 
وتقوم هذه الصناديق بمساندة استثمارات الكربون المنخفض التي تتراوح بين تدمير الغازات الصناعية إلى امتصاص غاز الميثان من مقالب القمامة. كما تهدف الاستثمارات أيضا إلى تحسين كفاءة الطاقة في إنتاج الصلب، واستخدام تفل (أو مصاصة) قصب السكر في توليد الطاقة، والطاقة المتجددة، والتغير في استخدامات الأراضي، ومكافحة إزالة الغابات والأحراج.
 
وبالتشاور في الوقت الحالي مع الحكومات وأوساط القطاع الخاص المشتركة في هذه الصناديق، يقوم البنك الدولي بتصميم برنامج تسهيلات جديد لتمويل الكربون لشراء اعتمادات تخفيض انبعاث الكربون فيما يتجاوز الفترة التنظيمية لبروتوكول كيوتو، وإنني أعتقد أن القرار الذي اتخذته القمة الأوروبية الأسبوع الماضي من شأنه أن يؤدي بالضرورة إلى تعزيز وتقوية هذه الجهود.
 
ويرتبط المجال الثاني للتركيز بجهودنا للتوسع في الاستثمار والوصول إلى الطاقة المتجددة.
 
نحن نعرف أنه ليست هناك أية حلول سحرية. ولكننا نعرف أيضا أن القطاع الخاص هو مفتاح التقدم والابتكار.
 
فطاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة الحرارية الأرضية، والطاقة المائية، والطاقة الحيوية كلها طاقات تشكل جزءا من مسار تنويع مصادر الطاقة. ويمكن أن تصل هذه التقنيات إلى مناطق يصبح فيها بناء وصيانة شبكة مركزية للطاقة الكهرباء أمرا لا يتسم بالجدوى العملية.
 
إننا نعمل على النهوض بالطاقة الحرارية الأرضية في كينيا وبناء طاقة كهرومائية صغيرة في المناطق الريفية في أوغندا. ونقوم في نيبال بمساندة برنامج الغاز الحيوي الذي يحل محل أخشاب الوقود المستخدمة في طهي الطعام من قبل الأسر المعيشية في المناطق الريفية، مما يؤدي إلى تخفيض تلوث الهواء في المنازل بالإضافة إلى تخفيض انبعاثات غازات الكربون.
 
وعلاوة على كل ذلك، نعمل على إضفاء الصبغة التجارية على خلايا الوقود في المناطق النائية في أفريقيا. كما نعمل على تشجيع استخدام الألواح الشمسية للحصول على الطاقة الكهربائية في الهند وكينيا والمغرب.
 
ويضطلع البنك الدولي بتنفيذ مشروع في غينيا بيساو يستخدم قشور ثمار الكاجو (البلاذُر) في توليد الكهرباء ـ وهو المشروع الذي يستطيع تقديم مساندة مباشرة للصناعة المرتبطة بأشجار الكاجو التي تمثل ثلثي إجمالي الناتج المحلي في هذا البلد الصغير.
 
وفي عام 1992، مثلت الطاقة المتجددة 0.1 في المائة فقط من إجمالي توليد الطاقة في الهند. ونحن نمضي قدما في مساندة الهند بتقديم اعتمادات قدرها 108 ملايين من الدولارات الأمريكية بالإضافة إلى تدبير 200 مليون دولار أمريكي من القطاع الخاص للنهوض بالطاقة المتجددة وتعزيز قدرة المؤسسات ذات العلاقة. وبحلول العام 2002، زاد نصيب الطاقة المتجددة في الهند إلى 3 في المائة، وإن كانت هذه النسبة ما تزال صغيرة إلا أنها تمثل زيادة بمقدار 30 ضعفاً خلال عشر سنوات.
 
وقد سنحت لي فرصة رائعة في البرازيل لزيارة مصنع لإنتاج الإيثانول من قصب السكر في ضواحي سان باولو. ويتم هناك إنتاج الإيثانول على نطاق كبير وبكفاءة منقطعة النظير. وليس ثمة ما يدعو للغرابة أو الدهشة في أن كافة أنواع الوقود الحيوي تأتي في قمة جدول أعمال الرئيس لولو.
 
أعتقد أيضا أن هناك بلدانا في أفريقيا تتمتع بتوليفة صحيحة من المناخ والأراضي والمياه مما يجعل إنتاج الوقود الحيوي أمرا ممكنا في الحقيقة. إنني أدرك تماما أن ما قد ينجح في البرازيل ربما لا يصيب النجاح في أماكن أخرى. إلا أنه من المؤكد أنه يجب تقييم هذا الأمر علاوة على تقييم الحواجز التي تعترض طريق التجارة الدولية للإيثانول.
 
ويمكنني القول بصفة عامة إن تكنولوجيا الجيل الثاني تحمل لنا بشائر الخير وإننا نتطلع بشغف ولهفة إلى تقديم مساندة قوية إلى برامج الأبحاث والتطوير.
 
ويتعلق المجال الثالث لتركيز جهود البنك الدولي بالحفاظ على الغابات. إننا نعلم علم اليقين أن حوالي 20 في المائة من انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري تأتي من سوء إدارة الأراضي، وخاصة إزالة الغابات والأحراج. فذلك لا يهدد بمخاطر تغير المناخ العالمي فحسب، بل إنه أيضا يلحق الدمار والخراب بالطبيعة والأحياء البرية ويؤدي إلى تآكل الثروة الطبيعية للفقراء.
 
ونحن نقوم بالتعاون مع كل من شركائنا الرسميين وغير الحكوميين بتطوير برنامج تسهيلات كربون الغابات التجريبي الذي من شأنه أن يساعد البلدان على مكافحة إزالة الغابات ومكافئتها من تمويلات الكربون.
 
ويحدد هذا الصندوق التجريبي المقترح مرحلة لسوق الكربون الواسعة النطاق في المستقبل. ومن شأن هذا الصندوق أن يدعم بناء قدرات البلدان على تعزيز سوق الكربون مستقبلا، ويرتكز الأداء التجريبي على تقديم مدفوعات لتفادي إزالة الغابات والأحراج وتحسين إدارة الموارد الطبيعية، ولاسيما إدارة الغابات بصفة خاصة.
 
ورابعا مجال التكيف، حيث نتعاون مع البلدان الشريكة لمساعدتها على التكيف مع بعض الآثار السلبية الناتجة عن تغير المناخ.
 
لا شك أن هذه مشكلة خطيرة بالنسبة للبلدان الفقيرة. فشعوب البلدان النامية، وبصفة أخص أشد الناس فقرا، هم الطرف الأكثر تعرضا للأضرار الشديدة الناتجة عن التغيرات في المناخ أو حوادث الأحوال المناخية البالغة الضراوة مثل الفيضانات، والجفاف، والموجات الحارة، وارتفاع مستوى البحار والمحيطات. وهم في أغلب الأحيان الطرف الذي يؤخذ على حين غرة دون أدنى استعداد أو إمكانية للتكيف مع هذه الأوضاع البالغة القسوة. وإذا كنت تعيش بالفعل على شفا جرف هار، فإن المصائب والكوارث البيئية يمكن أن تدفع بسهولة إلى السقوط فيما لا تحمد عقباه.
 
لقد كان البنك الدولي بين القادة القائمين بمعالجة قضايا التكيف إزاء مخاطر التغيرات المناخية من خلال مشروعات أعمال التأمين الرائدة في منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، وجنوب آسيا. وقد قمنا لتونا في الشهر الماضي بتدشين برنامج تسهيلات الكاريبي للتأمين ضد الكوارث، وذلك بمساندة من الصندوق الاستئماني المتعدد المانحين. ويتمثل التحدي الآن في نقل هذه الدروس على نطاق واسع إلى أماكن أخرى، وخاصة بلدان أفريقيا جنوب الصحراء وجزر المحيط الهادئ.
 
إننا نناقش أيضا مع شركائنا كل السبل الكفيلة بالنهوض والارتقاء بالتنمية التي تعد آلية مستدامة ومفعمة بالمرونة في مواجهة تقلبية المناخ ـ ويمكنك إن شئت وصف ذلك بكيفية جعل الاستثمارات الإنمائية مصدرا "للوقاية من تغيرات المناخ".
 
إننا ندرك أن البنك الدولي في حاجة إلى أن نبدأ بنفسنا في زيادة تعزيز هذه القيم وروح القيادة والتحسين فيما نقوم به من عمليات. لقد جعلنا المقر الرئيسي لمجموعة البنك الدولي بيئة خالية من الكربون. ونعتقد أيضا أنه قد آن الأوان أن نقوم بالتنسيق مع شركاء التنمية بتطوير نظام يمكنه تقدير كثافة الكربون في مشروعاتنا.
 
ومن المشجع بالنسبة لنا أن نرى هذا الجمع الغفير من الشركات الخاصة في هذا المؤتمر وفي أماكن أخرى على مسار التحرك في نفس الاتجاه.
 
إننا نواجه اليوم شواهد وأدلة قوية على أن استهلاكنا من الوقود الاحفوري يلحق أضرارا بالغة بالبيئة ـ وأن التأخر طويلا في اتخاذ الإجراءات الضرورية سوف يجعل محاولة التصحيح فيما بعد باهظة التكلفة وفادحة الثمن. إن إتقان العمل كما جرت العادة ليس أمرا اختياريا.
 
إن لدينا الفرصة للتحرك قدما على مسار التنمية غير الضارة بالمناخ لتأمين مستقبل أكثر نظافة واستقرارا لأطفالنا وأحفادنا.
 
وإذا قامت الحكومات والقطاع الخاص ومؤسسات التنمية الدولية بالتعاون والعمل سويا، فإنه سيكون في وسعنا أن نترجم هذا التوافق العالمي في الآراء بشأن تغير المناخ إلى إجراءات صلبة ومحددة. وبإمكاننا أيضا توفير التمويل اللازم للابتكارات وإيجاد الحلول.
 
دعونا نتطلع في محراب المزيد من الثقة إلى مستقبل تختلف معالمه وملامحه اختلافا كبيرا ـ مستقبل لا يتعين علينا فيه اختيار الرخاء والبيئة الصحية لأنهما سيكونان أمرا مسلما به وفي متناول أيدينا.
 
إننا نتطلع بمنتهى الشغف واللهفة في مجموعة البنك الدولي لأداء دورنا في تقديم المكاسب والأرباح المضاعفة لبلدان لعالم النامية والمساعدة على صيانة البيئة العالمية وحفظها من كل سوء.
 
أشكركم.

Api
Api

أهلا بك