Skip to Main Navigation
خطب ونصوص 10/15/2020

كلمة رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس في الجلسة العامة للاجتماعات السنوية لعام 2020

المُقدِّمة

أشكرك، سيدي الرئيس أديسون، على كلمتك. وأشكر السادة المحافظين، وكريستالينا، والضيوف الكرام على انضمامكم إلينا اليوم. أردتُ أن أعرض عليكم آخر المستجدات بشأن ما أنجزته مجموعة البنك الدولي منذ الاجتماعات السنوية العام الماضي، لاسيما استجابتنا لجائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، والتقدُّم الذي تحقَّق بشأن شفافية الديون.

لقد كانت تداعيات جائحة كورونا هائلة، والناس في أشد البلدان فقرا يعانون على الأرجح أشد المعاناة وأطولها أمدا. وقد هوت الأزمة في خضم ركود متزامن بعددٍ من الاقتصادات أكبر من أي وقت مضى منذ عام 1870. وقد تُفضِي إلى ضياع عِقْد يتسم بضعف النمو، وانهيار كثير من النظم الصحية والتعليمية، وجولة جديدة من أزمات الديون السيادية.

وفي مواجهة هذه الأزمة، كان النهج الذي اتبعناه في مجموعة البنك الدولي شاملا. فنحن نُركِّز على إنقاذ الأرواح، وحماية الفئات الفقيرة والأكثر احتياجا، والعمل من أجل النمو المستدام لمنشآت الأعمال، وإعادة البناء على نحو أفضل.

واليوم، سأركِّز على الجوانب العاجلة الأربعة لهذا العمل.

الموضوع 1: الفقر وعدم المساواة

أولا، يجب أن نضاعف جهودنا لتخفيف حدة الفقر وعدم المساواة. فقد تسبَّبت جائحة كورونا في انتكاسة لم يسبقها مثيل للجهود العالمية لإنهاء الفقر المدقع، ورفع متوسط الدخل، وتحقيق الرخاء المشترك.

ومن المتوقع أن يتعافى الاقتصاد العالمي جزئيا في عام 2021 من أشد ركود منذ الحرب العالمية الثانية. ولكن على الرغم من أن النشاط العالمي آخِذٌ في النمو مرة أخرى، فمن المتوقع أن يظل لفترة زمنية طويلة أقل كثيرا من اتجاهه الذي كان سائدا قبل الجائحة. وتُنبِئ مستجدات الأوضاع حتى الآن بموجات ركود أضيق نطاقا في الاقتصادات المتقدمة، وانتعاشٍ أكثر متانةً في الصين مما أشارت إليه تقديرات سابقة. بيد أنه في أغلبية اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية الأخرى، تبيَّن أن موجات الركود في عام 2020 كانت أكثر عمقا بكثير - وتأخَّر التعافي لفترة أطول - مما كانت تشير إليها التقديرات في يونيو/حزيران، وهو ما يُعزى إلى حد كبير إلى اضطرابات اقتصادية أشد ضررا تمخَّضت عنها الجائحة.

تشير توقعات البنك الدولي الجديدة بشأن الفقر إلى أنه بحلول عام 2021، سيكون ما بين 110 ملايين و 150 مليون شخص آخر قد سقطوا في براثن الفقر المدقع، ويعيشون على أقل من 1.90 دولار للفرد يوميا. وتؤدي جائحة كورونا وما يرتبط بها من أزمة اقتصادية فاقمتها تأثيرات الصراع المسلح وتغير المناخ إلى تبديد التحسّن الذي تحقَّق بشق الأنفس في الحد من الفقر مُنهيِةً بذلك أكثر من عقدين من التقدُّم المتواصل. ومن المتوقع أن يزداد معدل الفقر في عام 2020 للمرة الأولى منذ عام 1998. ومن الواضح أننا نواجه جائحة فريدة في التفاوت وعدم المساواة: فهبوط النشاط الاقتصادي أوسع نطاقا، وأشد عمقا، وقد ألحق بالعمال في القطاع غير الرسمي والفقراء - لاسيما النساء والأطفال - أشد الضرر.

لقد اتخذت مجموعة البنك الدولي إجراءات واسعة النطاق وسريعة في مرحلة مبكرة لتقديم مستويات عالية من صافي التدفقات المالية الإيجابية إلى أشد بلدان العالم فقرا. وإننا نحرز تقدما جيدا نحو تحقيق هدفنا المعلن بأن نُقدِّم في فترة 15 شهرا 160 مليار دولار من التمويل الطارئ الذي سيذهب جزء كبير منه إلى أشد البلدان فقرا. ويأخذ أكثر من 50 مليار دولار من تلك المساندة شكل منح أو قروض ذات آجال استحقاق طويلة وأسعار فائدة منخفضة لتوفير موارد رئيسية من أجل الحفاظ على أنظمة الرعاية الصحية وشبكات الأمان الاجتماعي أو توسيعها. وبفضل المساندة السخية من مانحي المؤسسة الدولية للتنمية في العملية التاسعة عشرة لتجديد مواردها في ديسمبر/كانون الأول، وإتمام حزمة زيادة رأس مال البنك الدولي للإنشاء والتعمير ومؤسسة التمويل الدولية في مارس/آذار، فإن حجم هذه الاستجابة يتسق مع أُطُر الاستدامة المالية المتفق عليها لمؤسساتنا.

الموضوع 2: رأس المال البشري

ثانيا، يجب أن نولي اهتماما خاصا للخسارة الجارية في رأس المال البشري، ولما يمكننا عمله لاستعادة ما نفقده. فقبل نشوب الجائحة، كانت البلدان النامية تُحقِّق تقدما ملموسا، وكانت قد بدأت على نحو لافت للنظر سد الفجوات بين الجنسين.

بيد أنه بسبب تفشِّي الجائحة، أصبح أكثر من 1.6 مليار طفل في البلدان النامية منقطعين عن المدارس، وهو ما يعني احتمال فقدان ما يصل إلى 10 تريليونات دولار من الدخل على مدار العمر لهؤلاء الطلاب. والعنف ضد المرأة في ازدياد، ومن المرجح أيضا أن تزيد وفيات الأطفال زيادةً كبيرة.

وتُنبِئ هذه الانتكاسات بأضرار طويلة الأمد تصيب الإنتاجية، ونمو الدخل، والتماسك الاجتماعي - ولهذا نبذل كل ما في وسعنا لتعزيز الخدمات الصحية والتعليمية في البلدان النامية.

وفي مجال الصحة، وضعنا آلية تمويل سريع الصرف لمكافحة جائحة كورونا قدمت المساندة لعمليات طارئة في 111 بلدا حتى الآن. ووصلت معظم المشروعات الآن إلى مراحل متقدمة من صرف التمويل لشراء الكمامات، وأجهزة غرف الطوارئ وغيرها من المستلزمات المتصلة بالجائحة.

وإننا نتخذ أيضا إجراءات لمساعدة البلدان النامية فيما يتصل بلقاحات وعلاجات فيروس كورونا. ونعتزم إتاحة ما يصل إلى 12 مليار دولار للبلدان لشراء واستخدام لقاحات فيروس كورونا. وتستثمر أيضا مؤسسة التمويل الدولية بكثافة في شركات تصنيع اللقاحات من خلال منصتها للصحة العالمية بمخصصات قدرها 4 مليارات دولار.

وفي مجال التعليم، نعمل لمساعدة البلدان على إعادة فتح المدارس الابتدائية والثانوية على نحو آمن وسريع. ونعمل في 65 بلدا لتنفيذ إستراتيجيات للتعلّم عن بُعد تجمع بين الموارد الإلكترونية وشبكات الإذاعة والتلفزيون والتواصل الاجتماعي، والمواد المطبوعة لمنفعة الفئات الأكثر احتياجا والأولى بالرعاية. ودخلنا أيضا في شراكة مع منظمة اليونيسف ومنظمة اليونيسكو للتعاون بشأن أُطُر إعادة فتح المدارس.

الموضوع 3: أعباء الديون

ثالثا، يجب أن نساعد أشد البلدان فقرا على تقليص أعباء مديونيتها على نحو دائم واجتذاب استثمارات فعَّالة - وهو ما سيتطلَّب تحقيق شفافية أكبر بكثير بشأن الديون والاستثمارات.

لقد أدَّى تضافر مجموعة من العوامل إلى الديون المفرطة في البلدان التي لا يوجد فيها هامش للخطأ. وفي اجتماعات الربيع هذا العام، اقترحتُ مع كريستالينا جورجيفا مدير عام صندوق النقد الدولي تعليق تحصيل مدفوعات خدمة الديون المستحقة على أشد البلدان فقرا للدائنين الثنائيين الرسميين من بلدان مجموعة العشرين. وأيَّدت مجموعة العشرين ونادي باريس هذا النهج الذي دخل حيز النفاذ في 1 مايو/أيار. وحتى أوائل أكتوبر/تشرين الأول، كان 44 بلدا تستفيد من تخفيف أعباء خدمة ديون قيمتها 5 مليارات دولار،

لكن ينبغي فعل المزيد. لقد دعونا مجموعة العشرين إلى تمديد العمل بمبادرة تخفيف أعباء الديون حتى نهاية 2021. ومن الأهمية بمكان، أن تحث كل حكومة من حكومات دول مجموعة العشرين على مشاركة كل الدائنين من القطاع الخاص الخاضعين لولايتها، وكل الدائنين الثنائيين من القطاع العام في مبادرة تعليق سداد أعباء الديون. وينبغي ألا يتاح للدائنين من القطاع الخاص والدائنين الثنائيين غير المشاركين الاستفادة بدون مقابل من تخفيف أعباء ديون الآخرين، وعلى حساب فقراء العالم.

من الضروري أن نعمل معا لإعلاء مبدأ الشفافية التامة بشأن التزامات الديون وأشباه الديون الحكومية القائمة والجديدة. ويجب أن تتبنَّى البلدان الأشد فقرا، والدائنون، والمدينون على السواء هذه الشفافية من أجل العمل بخطى حثيثة لتحقيق استدامة القدرة على تحمل أعباء الديون في الأمد الطويل، وهو ما يصب في مصلحة الجميع.

ونحتاج أيضا إلى أدوات جديدة لتقليص رصيد ديون البلدان الأشد فقرا. ويقترح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على لجنة التنمية خطة عمل مشتركة لخفض الديون على البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية والتي تمر بأوضاع مديونية يتعذر الاستمرار في تحمُّل أعبائها.

الموضوع 4: رعاية تعافٍ شامل للجميع وقادر على الصمود

رابعا، يجب أن نعمل معا لتسهيل التغيير اللازم لتحقيق تعاف شامل للجميع وقادر على الصمود في وجه الصدمات. وثمة خطوة مهمة لتحقيق تعافٍ مستدام هي أن تتيح للاقتصادات والناس إمكانية التغيير وتتبناه. وسيتعين على البلدان أن تتيح لرأس المال والأيدي العاملة والمهارات والابتكار الانتقال إلى بيئة مختلفة للأعمال بعد زوال الجائحة. ويُعطِي هذا أهمية لاستخدام العمال ومنشآت الأعمال مهاراتهم وابتكاراتهم بطرق جديدة - وفي بيئة تجارية من المرجح أن تعتمد على الترابط الإلكتروني بدرجة أكبر، وعلى السفر والمصافحة بالأيدي بدرجة أقل.

وعلى نطاق أوسع، أظهرت جائحة كورونا - مع ما خلَّفته من تأثيرات مميتة - أن الحدود الوطنية لا تكفل حماية كافية من بعض الكوارث. ومن الضروري أن تعمل البلدان من أجل تحقيق أهدافها المتصلة بالمناخ والبيئة. وفي خضم الجائحة، مازالت مجموعة البنك الدولي أكبر مؤسسة مالية متعددة الأطراف تستثمر في تدابير مكافحة تغير المناخ. وخلال السنوات الخمس الماضية، قدَّمنا 83 مليار دولار استثماراتٍ متصلة بالمناخ. ويسعدني أن أعلن أنه في السنة المالية 2020، السنة الأولى لي في منصبي كرئيس، قدَّمت مجموعة البنك الدولي استثمارات متصلة بالمناخ أكثر من أي وقت مضى في تاريخها. ونعتزم توسيع نطاق تلك الأعمال في السنوات الخمس القادمة.

التحديات الماثلة أمامنا

إن التحديات الماثلة أمامنا هائلة. ولوضع التحدي المالي في المنظور الصحيح، فلننظر إلى المائة مليون شخص الذين نخشى أن تكون الجائحة قد دفعت بهم بالفعل في براثن الفقر المدقع. وسيُكلِّف تقديم دولارين فقط لهم في اليوم العالم 70 مليار دولار سنويا - ذلك لمجرد التغلب على أحد جوانب الأضرار الناجمة عن جائحة كورونا، وهو ما يتجاوز كثيرا القدرات المالية لمجموعة البنك الدولي أو أي مؤسسة إنمائية أخرى. ويُظهِر ذلك بوضوح أن حزمة التمويل البالغة 82 مليار دولار لفترة 3 سنوات التي تمخَّضت عنها العملية التاسعة عشرة لتجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية لن تكون كافية لسد احتياجات أشد بلدان العالم فقرا في هذه الأوقات العصيبة. وبحكم الضرورة، وبدعم قوي من المساهمين، اتخذت المؤسسة إجراءات واسعة النطاق وسريعة للتبكير بصرف موارد من حزمة تمويل العملية التاسعة عشرة، وتقديم تمويل طارئ هذا العام لمساندة الجهود الأولية لمعالجة التأثيرات الاقتصادية والصحية لجائحة كورونا. وستساعد حزمة تمويل تكميلي طارئ بقيمة 25 مليار دولار لمكافحة الجائحة على تفادي "السقوط في هاوية مالية" في السنة المالية 2022-2023، وإتاحة موارد إضافية للبلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة لدعم تعافيها.

وداخل مجموعة البنك الدولي، أعملُ لتكوين أقوى طاقم من خبراء التنمية في العالم، وبناء نموذج عمل أكثر استجابة قادر على مساعدة كل بلد ومنطقة متعاملة معنا على تحقيق نواتج إنمائية أفضل. لقد عيَّنتُ أربعة من كبار الموظفين الجدد في السنة المالية 2020، وكان هناك 12 تعيينا أو إعادة توزيع لنواب الرئيس. وقمنا بإعادة تنظيم جهازي موظفي البنك وإدارته لتوجيه البرامج القُطرية المنسقة ووضع المعرفة عالية الجودة في صميم عملياتنا وفي صميم سياسات التنمية. وعززنا أيضا تركيزنا على أفريقيا باستحداث منصبين لنائبين لرئيس البنك، أحدهما يركز على غرب ووسط أفريقيا والآخر على شرق أفريقيا وجنوبها. وللاستفادة من زيادة رأس المال، تعمل مؤسسة التمويل الدولية لتفعيل إستراتيجيتها (3.0) لمساعدة البلدان على تهيئة الأسواق، وتعمل مع الوكالة الدولية لضمان الاستثمار وبقية مجموعة البنك الدولي على تعزيز الاستثمارات والبنية التحتية الجيدة من أجل تعافٍ واسع النطاق وتنميةٍ طويلة الأجل. ونحن عازمون على العمل لضمان عمليات مساءلة قوية، ونمضي بخطى سريعة لتنفيذ الأدوات الجديدة لهيئة التفتيش للبنك الدولي، واستكمال مراجعة وإصلاح مكتب المحقق/المستشار لشؤون التقيد بالأنظمة لمؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار.

وحتى في خضم أزمة تحدث مرة واحدة في القرن، أثلجت صدري البلدان التي اتخذت بالفعل خطوات جريئة، وتستخلص الدروس سريعا، وتتبادل الخبرات والنتائج من أجل منفعة الآخرين. وأنا على يقين بأن حلولا مستدامة ستنبثق من رحم هذه الأزمة، وتكون في جانب منها نتيجةً لتبنِّي التغيير البناء - من خلال الابتكار، واستخدامات جديدة للأصول القائمة، واستخدام العمال مهاراتهم بطرق جديدة، وتسوية أعباء الديون المفرطة. ويُمكِن أن تساعد نظم الحوكمة والإدارة الرشيدة القوية على إرساء حكم مستقر للقانون وفي الوقت نفسه إذكاء روح الابتكار التغيير وتيسيرها. وبالعمل معا، أعتقد أنه يمكننا اختصار أمد هبوط النشاط الاقتصادي وبناء أساس قوي لنموذجٍ أكثر دواما للرخاء، نموذجٍ يمكنه النهوض بكل البلدان وكل الشعوب.

شكرا لكم.

Api
Api