المؤلفون: روبرتا غاتي؛ دانيال ليدرمان؛ ها م. نجوين، سلطان عبد العزيز التركي؛ فان راشيل يوتينغ؛ آصف م. إسلام و كلاوديو روخاس
بعد مرور أكثر من عام على إعلان منظمة الصحة العالمية بأن تفشي فيروس كورونا يشكل حالة طوارئ صحية عامة؛ تثير قلقا دوليا، ولا تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) في أزمة، حيث يرسم تقييم الخسائر الاقتصادية المترتبة على الجائحة صورة قاتمة. فقد تسببت الجائحة في إحداث صدمات متعددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ غطت على تحديات التنمية الهيكلية التي طال أمدها، فقد انكمش الناتج الحقيقي للمنطقة في عام 2020 بنسبة 3.8%. ومن غير المرجح أن يكون الانتعاش المتوقع في عام 2021 كافيا؛ لإعادة النشاط الاقتصادي في المنطقة إلى مستوى عام 2019، ناهيك عن مستوى عام 2021 الذي توقعه البنك الدولي قبل تفشي الجائحة. وبحلول نهاية عام 2021، سيكون نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة أقل بنسبة 5٪ من مستواه في عام 2019، وأقل بنسبة 7٪ من المستوى الذي كان من المتوقع أن يكون عليه قبل الجائحة.
تعد الديون أداة بالغة الأهمية بالنسبة لكثير من الحكومات كي تتمكن من مواجهة الجائحة. أدت أعمال الإغاثة في حالات الكوارث والضرورية أثناء هذه الجائحة - إلى جانب انخفاض الإيرادات- إلى تسارع وتيرة تراكم الديون في منطقة مثقلة بالفعل بارتفاع الدين العام. ويتوقع البنك الدولي أن يرتفع عبء الدين العام بالمنطقة من 46% من إجمالي الناتج المحلي عام 2019، إلى 54% بحلول نهاية 2021. ومن شأن هذه الزيادة أن تشكل أسرع تراكم للدين العام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ كحصة من الناتج في القرن الحادي والعشرين. ويلاحظ حدوث هذه الزيادات في جميع مجموعات بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (انظر الشكل 1). وقد دخلت مجموعة البلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أزمة كورونا، وهي تعاني بالفعل من ارتفاع عبء الدين العام. وبحلول نهاية عام 2021، ستشكل ديونها حوالي 93% من إجمالي الناتج المحلي.
يمكن للمعرفة المستقاة من الدراسات المتعلقة بالكوارث الطبيعية، أن تساعد في فهم فوائد التعافي الممول من الديون بالنسبة للجائحة، وهي كارثة مماثلة. ففي عينة من 90 بلدًا ناميًا بين عامي 1960 و2019، تشير الأدلة إلى أن نمو كل من الدين العام، والناتج يميل إلى الارتفاع بعد وقوع الكوارث بوتيرة أسرع مما يحدث في أي اقتصاد لا يشهد كوارث، مما يوضح كيف يمكن للتوسعات المالية الممولة بالديون أن تساعد في إعادة بناء الاقتصاد.
لكن الديون سلاح ذو حدين. فمع انحسار الجائحة؛ ستظهر حتماً أوجه تعارض بين المكاسب المحتملة على الأمد القصير، والتكلفة المحتملة للإنفاق العام الممول بالدين على الأجل الطويل. فعلى الأمد الطويل: قد يسفر ارتفاع مستوى الديون عن مخاطر وتكاليف اقتصادية، لا سيما بالنسبة للاقتصادات النامية، وقد يتم إقصاء استثمارات القطاع الخاص؛ حيث يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة تكلفة رأس المال. وقد تؤدي مدفوعات فوائد الديون المكلفة؛ إلى تقليص حيز الاستثمارات العامة المعززة للنمو تدريجيًا. كما أن الإفراط في الاستدانة قد يزيد من مخاطر الاقتصاد الكلي، ويخفض من الجدارة الائتمانية، ويؤثر على قدرة الاقتصادات على إعادة تمويل (أو ترحيل) الديون المستحقة في المستقبل. إذا ما تحققت هذه المخاطر، فقد تؤدي إلى علل اقتصادية مثل: خفض قيمة العملة، والتضخم المفرط، وهروب رأس المال، وأزمات الديون المكلفة.
وفي تقريرنا، نحدد هذه الاتجاهات ونفصل الأدلة. وعلاوة على ذلك فإننا نقدم أفضل الأدلة؛ لتقدير المفاضلة عند التخطيط لمسار المضي قدمًا، فيما يتصل بالديون والسياسة المالية في المنطقة. وتتمثل الرسالة الرئيسية هنا في أن المؤسسات التي تتمتع بالشفافية يمكن أن تساعد في رسم مسار للتعافي طويل الأمد، عبر المراحل الثلاث للجائحة: أثناء الجائحة، ومع انحسار الجائحة، وما بعد الجائحة.
ترتيب أولويات الإنفاق أثناء الجائحة
في خضم الجائحة، يمكن للمرء أن يعتبر الإنفاق المالي؛ بمثابة إغاثة في حالات الكوارث، مع تخصيص الموارد على أفضل وجه لحماية رفاه الأسر الأولى بالرعاية، وتعزيز الصحة العامة. ويعد دعم استهلاك الأسر المعيشية الأشد تضرراً هدفا أساسيا لحكومات المنطقة. وقد اتخذت بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إجراءات غير مسبوقة لدعم الفئات الأكثر حرمانًا. ومما يبعث على التفاؤل أن التحويلات النقدية حسنة الاستهداف إلى حد معقول. وتشير أدلة مستقاة من مُسوح هاتفية جرت في المنطقة إلى أن نسبة أكبر من الأسر المعيشية الأكثر فقراً، هي المستفيدة من الأسر التي تتصدر توزيع الدخل. ومع ذلك، فهناك مجال للتحسين لأن التحويلات الاجتماعية، لم تتمكن من الوصول إلا إلى جزء ضئيل من الأسر الأشد احتياجًا. ويمكن أن يساعد تحسين البيانات، والسجلات الاجتماعية المحدثة ذات التغطية السكانية الواسعة، في توجيه هذا الإنفاق بشكل فعال وسريع. ومن شأن تكثيف الاستثمار في الاختبارات والفحوص، ومراقبة انتشار الأمراض، والتواصل في الوقت المناسب فيما يخص تفشي فيروس كورونا أن يساعد في توجيه الإجراءات الحكومية، وقرارات المواطنين. وأخيرًا، لن ينقذ الطرح السريع للقاحات الأرواح فحسب، بل سيقلل أيضًا من مخاطر حدوث أزمة طويلة الأمد، ويسرع وتيرة الانتعاش الاقتصادي، مع تعزيز البنية التحتية للصحة العامة على المدى الطويل، وهو أمر تمس الحاجة إليه. وتشير الحسابات التقريبية إلى أن نسبة المنفعة إلى التكلفة قد تكون كبيرة، حوالي 78:1 إذا قامت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتطعيم 20% من سكانها بالأسعار التي اقترحها مرفق إتاحة لقاحات فيروس كورونا COVAX، وهو مرفق متعدد الأطراف؛ لتوجيه لقاحات كورونا؛ للبلدان الفقيرة، والبلدان المنتمية للشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل.
برامج التحفيز المالي مع انحسار الجائحة
يتعين على بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن تقرر ما إذا كان هناك ما يستدعي تحفيزا ماليا إضافيا، بعد انحسار حالة الطوارئ الصحية العامة. وهناك أسباب وجيهة تدعو إلى توخي الحذر، خاصة بالنسبة للعديد من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تعاني من ارتفاع الديون، وضعف الحوكمة، والافتقار إلى الشفافية. أولاً: قد لا يكون التحفيز المالي ضروريًا، فقد ينتعش النمو الاقتصادي بدون حوافز مالية. وقد يرتفع الإنفاق الاستهلاكي والتجاري سريعا، بعد انحسار المخاطر الصحية للطلب الذي كان مكبوتا أثناء الجائحة. مع ذلك، فإن انتعاش هذا الطلب، قد يتوقف على فاعلية وشفافية الإجراءات، التي تتخذها الحكومات؛ لمراقبة الجائحة، خاصة في الاقتصادات التي تعتمد على السياحة. ثانيا: ربما يكون التحفيز المالي غير فعال في البلدان التي تُثقل الديون المرتفعة كاهلها. وتشير الأدلة إلى أنه عندما يرتفع حجم الدين العام؛ فإن ما يسمى بالمضاعف المالي - التأثير على إجمالي الناتج المحلي من الإنفاق الإضافي - يمكن أن يكون صفراً. وبالتالي، قد يشكل ضبط أوضاع المالية العامة المدروس الموقف الأفضل للسياسات في الاقتصادات التي ترتفع فيها نسب الدين العام ارتفاعًا شديدًا. ثالثا: قد يكون للاستثمار العام آثار محدودة في حالة ضعف الحوكمة، لأن غياب الشفافية يمكن أن يتعارض مع اختيار المشروعات الاستثمارية، التي تحقق أعلى عوائد مجتمعية.
ومع ذلك، يمكن أن يستمر الإنفاق المالي الموجه في المساعدة، ولا سيما؛ لمعالجة الندوب المحتملة طويلة الأمد، التي تولدها أزمة الجائحة. فعلى سبيل المثال: يمكن للإنفاق الذي يوفر قروضا مدعومة، وتدريبا على العمل، أن يخفف من القيود المالية التي قد تحول دون عودة الشركات إلى السوق، وأن يساعد العمال العاطلين عن العمل أو الذين يعانون نقصًا في العمالة من جراء الأزمة. وبالمثل، فإن الاستثمار في التعليم يمكن أن يساعد الأطفال المحرومين على تعويض ما فقدوه من تحصيل دراسي خلال الجائحة، وتفادي خسائر باهظة -على الأمد الطويل- في رأس المال البشري.
تخفيف تكلفة الديون بعد انحسار الجائحة
في النهاية، يشكل النمو الاقتصادي أكثر الطرق استدامة؛ لخفض الدين العام، إلا أن الأقوال أسهل دائما من الأفعال؛ نظرا للنجاح المحدود الذي تحقق في الإصلاحات المطلوبة، والتي تم تشجيعها على مدى عقود في المنطقة. وتنطوي الإصلاحات المؤسسية على تكاليف مالية محدودة، ويمكن أن تشكل هذه الأزمة فرصة مثالية؛ لحشد الإرادة السياسية اللازمة لتحقيق ذلك. ويمكن أن توفر الاستثمارات في قدرات القطاع الصحي، وزيادة استخدام البيانات، والاتصال الرقمي بسبب الجائحة؛ منصة للبناء عليها. وقد تكون المؤسسات هي السبيل؛ لمساعدة بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في إعادة البناء بصورة أفضل، سواء في ظل ضبط الأوضاع المالية في الأجل القصير أو في غياب ذلك.
يمكن لبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المثقلة بالديون، إعطاء الأولوية؛ لبنود الإنفاق الأكثر فاعلية، وتحسين الحوكمة المتعلقة بقرارات الإنفاق. وهذا من شأنه أن يحسن فعالية الإنفاق المالي، ويسمح بعكس اتجاهات الديون المتزايدة. وسيرحب القطاع الخاص بالضبط المدروس لأوضاع المالية العامة. ويمكن لبلدان المنطقة مد آجال الديون؛ بشروط أكثر ملاءمة من خلال تعزيز آفاق النمو في الأجل الطويل. ويمكن للشفافية أيضا أن تساعد في خفض تكلفة مد آجال الديون، عن طريق تحسين عملية الإبلاغ عن الديون. ومراقبة أوجه الضعف في الأسواق المالية.
وقد تكون إعادة هيكلة الديون الضخمة خيارا مطروحا، إذا لم يكن مد آجال الديون خيارا متاحا. وتبين الأدلة أن عمليات إعادة الهيكلة الوقائية، التي يقرر فيها بلد ما إعادة هيكلة ديونه الخارجية قبل أن يتعثر في السداد، أقل تكلفة من عمليات إعادة الهيكلة، بعد التخلف عن السداد ومن المؤسف أن الأدلة الواردة في هذا التقرير تشير أيضا إلى أن البلدان المثقلة بالديون من المرجح أن تدخل إما في عمليات إعادة هيكلة استباقية، أو عمليات لإعادة الهيكلة، بعد التعثر في السداد، مع معدل نمو منخفض وحوكمة ضعيفة. وشهدت عدة بلدان في المنطقة انخفاضا في النمو، وضعفا في الحوكمة مقارنة بأقرانها حول العالم قبل الجائحة.
يمكن للمؤسسات الجيدة رسم مسار للتعافي
تساعد التحسينات في مجالي الحوكمة والشفافية، أثناء الجائحة وعند انحسارها. ومن شأن الاستثمار في الاختبارات، والفحوص ومراقبة انتشار الأمراض، وشفافية البيانات؛ أن يحدّ من التكلفة الاقتصادية للجائحة. ومع انحسار الجائحة، يمكن للمراقبة الفعالة، والشفافة للجائحة في المنطقة؛ أن تساعد على تعزيز الطلب من المصادر المحلية والأجنبية ، مثل وصول السياح الأجانب. ومن شأن الحوكمة الرشيدة؛ لقرارات الاستثمار العام، أن تزيد من المكاسب الاقتصادية؛ لمشروعات الاستثمار العام. وأخيرًا ، يمكن للإصلاحات المؤسسية الرامية إلى تحسين الحوكمة والشفافية معالجة المفاضلة بين الاحتياجات قصيرة الأجل، والتكاليف طويلة الأجل للدين العام. ومن الممكن تنفيذها بتكلفة مالية محدودة. كما أنها تبشر بتعزيز النمو على المدى الطويل. وقد تكون المؤسسات هي المفتاح لمساعدة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على إعادة البناء بصورة أفضل، سواء في ظل ضبط الأوضاع المالية، أو في غياب ذلك.
Choi, Sangyup and Yuko Hashimoto. 2018. "Does Transparency Pay? Evidence from IMF Data Transparency Policy Reforms and Emerging Market Sovereign Bond Spreads," Journal of International Money and Finance, vol. 88(C), pages 171-190.