Skip to Main Navigation
03/06/2018

الأمل والاحتواء: الاستثمار في اللاجئين في صربيا

                  أطفال اللاجئين يلعبون في بلغراد، صربيا. © زيليكو سينوباد / شوترستوك

زهرة هي أم لثلاثة أطفال من أفغانستان تسعى لإيجاد حياة جديدة في أوروبا. كانت زهرة قد انطلقت في بداية عام 2016 في رحلة شجاعة إلى أوروبا برفقة ابنتيها (17 عامًا و 14 عامًا) وابنها (4 أعوام) وصفتها هي بأنها "أبشع تجربة" مرت بها في حياتها. عبرت خلال رحلتها تركيا، ومنها انتقلت إلى اليونان على متن قارب مطَّاطي، وعبرت  جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة سيرًا على الأقدام لمسافات طويلة لينتهي بها المقام حاليًّا في صربيا.

لم تعد تتذكر كم دامت رحلتها المؤلمة فقد اختلطت الأيام وامتزجت. فكل ما تتذكره سيرها على الأقدام لأيام "عبر الغابة"، التي تفصل بين جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية وصربيا.

تقول زهرة: "أنا هنا فقط للحفاظ على حياة أطفالي وسلامتهم ولكي أصحبهم إلى ألمانيا".

وبالرغم من أن زهرة كانت تخطط من أجل جمع شمل أسرتها مع زوجها هناك، فهي إلى الآن لا تستطيع وأسرتها الذهاب إلى أبعد من مكانها.

فقد صدر قرار في مارس/ آذار 2016 يقضي بإنهاء الهجرة غير الشرعية من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ما قطع طريق الهجرة عبر غرب البلقان أمام زهرة والآلاف مثلها وباتت صربيا الواقعة على أعتاب الاتحاد الأوروبي هي آخر بلد يمكن أن يستقر فيه المهاجر في الوقت الحالي على الأقل.

و بيد أن عددَا أكبر من الأشخاص ما زالوا غير مسجلين ومصيرهم مجهول.

وبالرغم من أن أكثر من 90% من هؤلاء يعيشون في أماكن إيواء تديرها الحكومة، تظل أوضاعهم متقلبة تفتقر إلى الاستقرار. ومن بينهم فئات ضعيفة ومهمشة، بوجه خاص من النساء والشباب، ولا سيما القُصَّر غير المصحوبين بذويهم.

"[أنا هنا] فقط للحفاظ على حياة أطفالي وسلامتهم ولكي أصحبهم إلى ألمانيا"
زهرة
طالبة لجوء من أفغانستان

فهم يعانون العزلة وعدم اليقين ويكافحون يوميًّا من أجل البقاء، بالإضافة إلى انعدام فرص المشاركة في الأنشطة الاجتماعية ومشاكل أخرى تعرض سلامتهم للمخاطر.

© البنك الدولي

 UNHCR ©

البنك الدولي والنزوح القسري

إقرارًا منه بأن النزوح القسري يشكل تحديًا إنمائيًّا لا سيما في الأوضاع طويلة الأمد، يوسع البنك الدولي نطاق دعمه للنازحين والمجتمعات التي تستضيفهم، وذلك بالعمل بطريقة متكاملة مع الشركاء في مجال العمل الإنساني وباستخدام بعض أنظمة البلد، كلما أمكن ذلك. وبلغ عدد اللاجئين بنهاية عام 2016 نحو 22.5 مليون لاجئ حول العالم. واستضافت صربيا نحو 36500 منهم، بمعدل أكثر من 4 لاجئين مقابل 1000 مواطن.

 

وتهتم مجموعة البنك الدولي بموجب ولايتها لاحد من الفقر، بسلامة النازحين والمجتمعات التي تستضيفهم على حد سواء. و فالآثار الاجتماعية والاقتصادية كبيرة: لا يمتلك النازحون سوى رأس مال اجتماعي محدود والقليل من الأصول، ما يمنعهم من التخطيط أو إيجاد سبل كسب الرزق إلى جانب ضآلة فرص الحصول على الخدمات الأساسية. وكثيرًا ما يعانون من الصدمات وحالات كثيرة من عدم اليقين وأحيانًا من التمييز. وتواجه المجتمعات والبلدان المضيفة، وبعض البلدان منخفضة الدخل، تحديات مثل الصدمات المالية وزيادة الطلب على الخدمات والمرافق الأساسية.

ويشارك البنك بنشاط في معالجة هذه المشكلة بفضل التمويل والبيانات والتحليلات والعمليات، بالعمل مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومع الشركاء في مجال التنمية والعمل الإنساني.

© البنك الدولي

و، حتى لا تتعرض حياة الناس للخطر ولا يفروا في المقام الأول.

وخلال هذه الفترة الانتقالية، يعمل صندوق الشباب للابتكار التابع للبنك الدولي مع هذه الفئات المستضعفة للمساعدة في دعمها من خلال مشروع "إشراك طالبي اللجوء من  النساء والشباب والمهاجرين واللاجئين المارين عبر صربيا" الذي ينفذه مركز حماية طالبي اللجوء، وهو منظمة صربية غير حكومية وغير ربحية. وصندوق الشباب للابتكار الذي يهدف إلى تمكين الشباب وتوفير الإلهام اللازم لتعزيز الابتكار في المشاريع في جميع مجالات عمل البنك الدولي. ويواصل الصندوق الذي تأسس عام 2004 العمل مع الشباب كشركاء لتعزيز الابتكار، وتحقيق أثر ملموس، وحشد الموارد. ويُعد هذا الصندوق جزءًا من شبكة التواصل الشبابي.

ويتيح الصندوق فرصا للشباب من مجموعة البنك الدولي لضخ أفكار جديدة في تصميم مشاريع البنك وتنفيذها في جميع بقاع العالم.  وبفضل التمويل المقدم من المكتب المؤسسي للبنك الدولي للإنشاء والتعمير لتمكين الشباب وتوفير الإلهام اللازم لتعزيز الابتكار في مشاريع التنمية التي ينفذها البنك، تقدم المنح  لمقترحات من جميع خطوط أعمال المجموعة والبلدان التي تعمل فيها وذلك على أساس تنافسي للغاية. وتأسس الصندوق باعتباره أحد البرامج الرائدة المنفذة في إطار شبكة التواصل الشبابي التابعة للمجموعة، ويواصل الصندوق العمل مع الشباب كشركاء لتعزيز الابتكار، وتحقيق أثر ملموس، وحشد موارد الجيل الجديد من المهنيين العاملين في مجال التنمية.

وانصب تركيز البرنامج الذي يعمل حصريًّا مع النساء والشباب على تحقيق أربعة أهداف عامة: تعزيز الحوار بين هؤلاء الأفراد والمواطنين المحليين الصرب؛ ورفع مستوى ثقتهم في ذواتهم واستقلالهم ومهاراتهم الاجتماعية؛ وزيادة  الوعي على المستويين الإقليمي والعالمي بالتحديات التي تقابلهم؛  وتوعية المجتمع المحلي والإقليمي بكفاحهم اليومي.

ولا يركز هذا المشروع على طالبي اللجوء واللاجئين والمهاجرين فحسب، بل أيضًا على المواطنين الصرب لإذكاء وعيهم وخلق روابط بين المجتمعين. وفي الفترة بين شهري فبراير/ شباط  ويونيو/ حزيران 2017 نظم المركز مجموعة أنشطة تجاوزت 30 نشاطًا شارك فيها 200 طالب لجوء ولاجئ ومهاجر وما يزيد على 200 مواطن صربي.

وتُعد هذه المبادرة نموذجًا لدعم البنك الدولي للبلدان التي تستقبل أعدادًا كبيرة من النازحين. ويهدف الدعم إلى مساعدة البلدان التي تُعد وتنفذ سياسات تمكن اللاجئين من إعادة بناء حياتهم بطريقة تحفظ كرامتهم وتمنحهم الاستقلال الاقتصادي. ومن شأن ذلك تمكينهم بالتالي من المساهمة في المجتمع المحلي الذي يستضيفهم، ما يمنحهم طريقة لمعالجة الأزمة الحالية المتزايدة بطريقة أكثر استدامة.

 

الاستثمار في الفرص

أدار حلقات العمل المعنية بالتمكين أخصائي نفسي مدرَّب، عمل على تشجيع المشاركين على الانفتاح وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وتدبر الأدوار التي يقومون بها في العادة، ومواجهة بعض الأعباء العاطفية التي يحملونها على عاتقهم. ولمعالجة العوائق الاجتماعية والأحكام المسبقة والتصدي إلى القوالب النمطية للجنسين، ركزت حلقات العمل على تعزيز تحكم المرأة بمصيرها واستقلالها من خلال تبادل الخبرات - ومساعدتها على التحرر من المعايير الاجتماعية والثقافية والتقليدية التي قد تعرقل مسيرتها.

ونُظمت أيضًا حلقات عمل متعددة الثقافات لتهيئة مساحة آمنة للمشاركين لاستيعاب أوجه الثقافة المحلية بشكل أفضل، وكذلك مناقشة القضايا والمخاطر التي قد تنشأ أثناء رحلتهم. وشجعت النساء على الحديث عن ماضيهن الثقافي، واستكشاف الأدوار المرتبطة بنوع الجنس، ودراسة سلوك المجتمعات المحلية، وممارسة مهاراتهن الاجتماعية.

ووضعت أيضًا سلسلة من الأنشطة المتكاملة بالتوازي مع حلقات العمل متعددة الثقافات والأخرى المعنية بالتمكين، وذلك بهدف تعزيز الإدماج بشكل أكبر في المجتمع على مستوى النساء والأطفال والمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء.

وتهدف هذه الفعاليات إلى خلق الرابط الأول بين المشاركين ومجتمعاتهم المحلية من أجل الوصول إلى طريقة أفضل للتواصل والتعاطي من خلال تعزيز التنوع الثقافي والتلاحم والاحتواء. وتتسم هذه الفعاليات بالتنوع وتشمل زيارات لمعارض المتاحف والمشاركة في مهرجان الموسيقى ببلغراد وفي الأنشطة المدرسية والرحلات الميدانية.

وفي إطار هذا المشروع، تم تجريب برنامج مبتكر يحمل اسم "الأصدقاء" قامت من خلاله متطوعات من المجتمع المحلي بتقديم يد المساعدة لطالبات اللجوء عن طريق أنشطة مختلفة، مثل معاودة الطبيب وشراء الأدوية في الصيدلية، والبحث عن شقة، وغيرها من الأمور الروتينية اليومية التي لم يكن يعتادها العديد منهن. وأظهر برنامج "الأصدقاء" إمكانية توسيع نطاقه ليمتد إلى بلدان أخرى، وفي إطار مشاريع أخرى كأداة ناجحة لإشراك المجتمع المحلي وزيادة الوعي والإدماج.

عرض تقديمي: اللاجئون الذين تقطعت بهم السبل في صربيا

قوة الفن

بالإضافة إلى حلقات العمل المعنية بالتمكين والاحتواء المشار إليها، ثمة سلسلة من الفعاليات المبتكرة والمعارض والنزهات نُظمت في إطار هذا البرنامج لمساعدة تلك الفئات المستضعفة من السكان على التعامل بشكل أفضل مع ظروفها الصعبة، من خلال إتاحة منافذ للإبداع للمشاركين وتعزيز استيعابهم لمحيطهم الحالي.

ونُظمت حلقات عمل لإتاحة الفرصة أمام النساء والأطفال للتعبير عن ذواتهم عبر الفنون والحرف اليدوية، واللوحات والرسومات، ولفتات الجمال. وقد أتاحت هذه الأنشطة للمشاركين فرصة التعبير عن مشاعرهم والتسامر والضحك، والتحدث إلى سكان المجتمع المحلي.

ونُظمت للأطفال زيارات إلى المسارح المحلية، ما يسمح لهم بالاسترخاء واللعب، ويمنحهم شعورًا بالراحة يمكنهم من استعادة طفولتهم من جديد.  

وخلال شهر رمضان، في عام 2016، شارك طالبو اللجوء ولاجئون ومهاجرون في ممارسة الفنون الإبداعية، بمشاركة بعض أفراد المجتمع المحلي أثناء "معرض بلغراد للحرف". وكانت هذه فرصة للمشاركين للانضمام إلى دورات للفنون والحرف اليدوية، وتبادل الخبرات، والحديث عن حياتهم وأحلامهم.

ومن بين أكثر الأنشطة شعبية التي برزت أثناء هذا التبادل كان هناك عرض للرسم التقليدي بالحنة. وأبدى المجتمع المحلي رغبة كبيرة في تعلم ثقافة الجمال التي تمتلكها طالبات اللجوء. وشارك رجال من المجتمع المحلي في هذا النشاط، ما أشاع البهجة وسمح بإدماج طالبي اللجوء واللاجئين والمهاجرين.

ومن بين الفعاليات التي برزت خلال هذا التفاعل مع المجتمع المحلي، كان هناك معرض فني أقيم في 28 مايو/ أيار 2017 في بلغراد. وقدم معرض "طالبو اللجوء ينتظرون فرصة للحياة" صورًا وأفلام فيديو وثائقية  لنساء وأطفال من طالبي اللجوء يقيمون في صربيا من زاوية جديدة: فقد صورهم كأشخاص لديهم نقاط تشابه بينهم وبين محيطهم أكبر بكثير من نقاط الاختلاف، أشخاص يبغون السلام بشكل أساسي، ويطمحون إلى بيت آمن ومستقبل يخلو من الخوف والاضطهاد وعدم اليقين.

وتعطي هذه الفعالية جميع الزوار صورة متعمقة للحياة المأساوية والشهادات المفعمة بالعواطف التي أدلى بها نساء وأطفال فروا من الحرب والعنف والفقر. وقرَّب المعرض المسافات بين المواطنين المحليين وطالبي اللجوء في صربيا وتمكن من خلق تجربة إنسانية مشتركة تحطم القوالب النمطية والمفاهيم المغلوطة.

"نحن جميعًا نريد حياة كريمة، عادية- أن نمتلك لعبًا وجهاز حاسوب وغرفة خاصة بنا ومهجعًا دافئًا، وأن تتمكن أمنا من الطهي ونتمكن نحن من الذهاب إلى المدرسة واللهو في الحديقة."
زينب
، شابة من طالبي اللجوء تتطلع هي وأبواها وشقيقتها الوليدة إلى الخطوة المقبلة

نحتاج لبذل المزيد

بالرغم من الدور المفيد لهذه المشاركة في مساعدة العديد من طالبي اللجوء واللاجئين والمهاجرين على التأقلم مع وضعهم الحالي وتعزيز الإدماج في مجتمعاتهم، فمن الواضح أنه لا تزال هناك حاجة لبذل المزيد لمساعدة هذه الفئات المستضعفة.

فينبغي محاكاة نجاح هذا المشروع والاستفادة منه في المستقبل، بحسب قول مجموعة من المشاركين من الحكومة الصربية والمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية وخبراء من البنك الدولي خلال الفاعلية الخاصة بالمشروع والمقامة في يونيو/ حزيران 2017.

و فمن خلال تعزيز الفهم في الوقت نفسه في أوساط هذه المجموعات المستضعفة في مجتمعاتها المحلية وزيادة وعي جيرانهم المحليين، يمكن لهذا النوع من المبادرات أن يعزز الإدماج ويساعدهم على الشعور بأنهم في أوطانهم ولو لمدة قصيرة.