Skip to Main Navigation
09/21/2020

تغير المناخ حقيقة واقعة: مساندة الرعاة في منطقة الساحل لبناء مستقبل قادر على الصمود

تربية الماشية في مناطق الرعي حرفة صديقة للبيئة عمرها ألف عام، وهي سبيل لكسب الرزق لأكثر من 20 مليون نسمة في منطقة الساحل، وتُقدِم للمجتمع العديد من الخدمات الأساسية. راعٍ في نياسانتيه بامبينابيه 3، السنغال © فينسان تريمو، البنك الدولي

ذات صباح في شهر فبراير/شباط خرجت كافيه دياللو من خيمتها في منطقة كافرين بالسنغال. وكانت سعيدةً، إذ وُلِد حفيدها قبل ذلك بيومين. وقالت "طفل جميل، لكنني وددتُ لو أن وزنه كان أكبر قليلا."

وجريا على العادة، فإنهم ينتظرون سبعة أيام قبل تسميته. ووسط قطعانها من البقر والخراف والماعز ساعدت كافية ابنتها في وضع مولودها في خيمتهم وسط الشجيرات بعيدا عن أقرب مركز طبي. وليس هذا شيئا جديدا على كافية. إنها تنحدر من أسرةٍ من رعاة الماشية يتنقلون تبعا للفصول بقطعانهم من مكان إلى آخر شأنهم شأن نحو 800 ألف من الرعاة في السنغال وملايين غيرهم في أنحاء منطقة الساحل. 

Image
كانت كافية ديالو التي ينحدر أصلها من منطقة بودور في أقصى شمال السنغال تصحب ابنتها الحامل في تنقلاتها بقطعانها، وساعدتها على وضع مولود ذكر في خيمتهم بالقرب من كافرين على بعد نحو 300 كيلومتر إلى الجنوب. بعدسة: © إيلينا كويران، البنك الدولي

وأوضحت كافية قائلةً "كنا دوما أسرة من الرعاة، وبدأتُ أرعى قطعاني وأنا في الخامسة عشرة من عمري. ولكنني الآن وقد تقدم بيّ العمر، فإنني أبقى في القرية لأرعى أحفادي. وكانت هذه السنة استثناء لأن ابنتي كانت حاملا."

Image
في كل عام ، مع بدء موسم الجفاف ، تغادر كافيا وعائلتها منطقة بودور في أقصى الشمال بالقرب من الحدود مع موريتانيا وتسافر عبر عربة إلى الجنوب بحثًا عن المراعي والمياه لماشيتهم وماعزهم وأغنامهم. © ايلينا كيران / البنك الدولي

تغيُّر المناخ حقيقة واقعة هنا

إنهم يسافرون في عربات تجرها الحيوانات بحثا عن الغذاء لقطيعهم وللقطعان التي يرعونها لحساب الأعمام والأخوال وأبناء العمومة والمزارعين في قريتهم الذين يربون الماشية أيضا.

وبعينين بدا عليهم الإرهاق واضحا، ووجهٍ تجلَّت فيه آثار سنوات من الشمس الحارقة والرياح والغبار، تستطرد كافية كلامها قائلة "حينما تلتهم حيواناتنا كل العشب والحشائش المتاحة، نتجه صوب الجنوب، وفي بعض الأحيان نصل حتى الحدود مع غامبيا."

إنها رحلة طويلة تستمر أشهرا غالبا ما يقطعها الرعاة مع العديد من الأسر. وعند هطول زخات المطر الأولى في شهر يونيو/حزيران، يتجهون عائدين صوب الشمال، ولكن كما أوضحت كافية "فإنه في هذه السنة اضطررنا إلى المغادرة في أكتوبر/تشرين الأول لأن شح الحشائش والعشب كان مبكرا عن موعده المعتاد. "

إن تغيُّر المناخ هنا ليس مجرد رأي أو وجهة نظر، لكنه حقيقة واقعة. فالمواسم المطيرة أصبحت أقصر من ذي قبل، ومواسم الجفاف أطول، وفي بعض الأحيان تستمر ما يصل إلى تسعة أشهر. وفي عام 2010، كان الجفاف شديدا للغاية. ففي النيجر، تذهب التقديرات إلى أنه تسبَّب في نفوق ما يربو على 4.8 ملايين رأس من الماشية، أو نحو 25% من قطعان الماشية تُمثِّل خسارة أكثر من 700 مليون دولار لاقتصاد هذا البلد.

Image
رسم توضيحي كامل: مساندة النظام الرعوي في منطقة الساحل: العمل المشترك لمجابهة التحديات المشتركة

توازن هش

على الرغم من أن الطرق تتغير تبعا لنقاط المياه، والمراعي، وعوائق تزايد غياب الأمن في المنطقة، فإن الرعاة يستخدمون في العادة الطرق نفسها. ويخلق هذا روابط قائمة منذ وقت طويل بين المزارعين المقيمين ورعاة الماشية.

تقول كافية التي تمتلك "نحو" 250 من الماعز والخراف و12 بقرة "في كل عام نقيم خيامنا بالقرب من نفس القرى التي نبيع فيها منتجاتنا ونشتري الطعام ونستخرج الماء من الآبار الجماعية. وإذا اقتضت الضرورة، نذهب إلى الطبيب أو نطلب العلاج لماشيتنا." وفي منطقة الساحل، لا يذكر أحد من الرعاة على وجه الدقة كم عدد ما يملكه من الماشية خشية الحسد.

Image
يرحل الرعاة مع ماشيتهم ويتبعهم باقي الأسرة بعربات تجرها الحيوانات حاملةً كل ما هو ضروري من الأمتعة. وعلى نحو متزايد تبقى الزوجات في القرية مع الأطفال الصغار حتى يمكنهم الذهاب إلى المدرسة. © فينسان تريمو، البنك الدولي

إذ يساعدون في إصلاح مساحات شاسعة من الأراضي غير الصالحة للزراعة ويشكلون مصدرا اقتصاديا للمنطقة. ويسهمون أيضا في الإنتاجية الزراعية من خلال رعي قطعانهم بعد الحصاد، وهو ما يساعد على تخصيب التربة، وفي الأمن الغذائي ببيع منتجات ألبانهم وماشيتهم.

ويُعبِّر هذا التعايش بوجه عام عن علاقة يسودها الانسجام وجزء من دورة بيئية تعود بالنفع على الجميع، إلا أنه قد يكون أيضا مصدرا للتوتر والاحتكاك. فالماء يزداد شحة وندرته، والمزارعون يُوسِّعون حقولهم مع تزايد أعداد السكان، ويزحفون على المراعي وممرات تنقُّل الماشية.

قال حمادي بري رئيس بلدية قرية قريبة من خيام أسرة كافية "الرعاة الرحل يصلون مبكرا من ذي قبل، قبل نهاية حصاد محاصيلنا، وفي بعض الأحيان تُدمِّر ماشيتهم حقولنا."

Image
أثناء تنقلهم، يسقي الرعاة ماشيتهم من نقاط المياه الجماعية. وهم يمتلكون في المتوسط 200 رأس من الماشية إلى 500. وعلى اعتبار أن الماعز أو الخروف الواحد يستهلك في المتوسط 5 لترات من الماء يوميا، والبقرة 25 لترا، والجمل ما يصل إلى 30 لترا، فإن هذا قد يخلق احتكاكات مع السكان المقيمين بشأن اقتسام المياه. © فينسان تريمو، البنك الدولي. .

وقد ازداد الوضع تعقيدا في السنوات الأخيرة من جراء فترات جفاف طويلة، والتدهور المتزايد لأحوال الأمن في بعض بلدان منطقة الساحل، وفرض المزيد والمزيد من القيود على تحركات الرعاة وقطعانهم بين بلدان غرب أفريقيا. وقد ألحق هذا ضررا بالغا بالأساليب التقليدية في رعاية قطعان الماشية متسبِّبا في منازعات أكثر تكرارا قد تكون أشد خطورة وأوسع تأثيرا.

Image
رسم توضيحي كامل: مساندة النظام الرعوي في منطقة الساحل: العمل المشترك لمجابهة التحديات المشتركة

المشروع الجهوي لدعم النظام الرعوي في الساحل (المشروع الجهوي): مشروع يعود بالنفع على الملايين من أسر الرعاة والعاملين بالزراعة الرعوية

على الرغم من التحديات، يعم السلام في قرية حمادي منذ بعض الوقت حتى الآن. وتعلَّم الرعاة والقرويون أن يستمعوا بعضهم إلى بعض وأن يشاركوا في مناقشات لإيجاد حلول لمشاكلهم.

وأوضح حمادي الذي يتولى أيضا رئاسة لجنة الحوار التي تُشجِّع على الوساطة الاجتماعية بقوله "إننا نستقبل رعاة الأغنام ونرشدهم إلى حيث يمكنهم إقامة خيامهم. ونقوم أيضا بتوعيتهم بحقوقهم وواجباتهم."

Image
كومبنتوم، السنغال يتحدث أحمد ديالو مع رعاة ومزارعين أثناء جلسة تشاور لبدء حوار والسعي إلى توافقات حتى يمكن إيجاد حلول للمشكلات وتخفيف المنازعات. © فينسان تريمو، البنك الدولي.

تُكمِّل هذه اللجان إجراءات أخرى ذات صلة تقوم بها الحكومة السنغالية منذ عام 2015 في إطار المشروع الإقليمي لمساندة أنشطة الرعي. ويهدف المشروع الذي يجري تنفيذه في ستة من بلدان منطقة الساحل -بوركينا فاصو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر والسنغال- إلى حماية المنظومة الرعوية عن طريق تحسين إدارة الموارد والعناية بصحة الحيوان، وتسهيل الوصول إلى الأسواق، وتنويع مصادر الدخل لأسر الرعاة وتسوية المنازعات. ويحصل المشروع على تمويل مقداره 248 مليون دولار من البنك الدولي من خلال المؤسسة الدولية للتنمية، وتقوم على تنسيقه اللجنة الدائمة بين الدول لمكافحة الجفاف في الساحل.


"يسعى البنك الدولي إلى تحقيق هدفين رئيسيين في منطقة الساحل: تعبئة الموارد المالية لحماية بيئة هشة، ومساعدة البلدان على تحسين ظروف العيش لسكانها، لاسيما رعاة الماشية الذين هم حلقات وصل أساسية في منظومة التنمية الاجتماعية والاقتصادية والاستقرار في المنطقة."
Image
عثمان دياجانا
نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة غرب ووسط أفريقيا

ويشمل هذا البنية التحتية الأساسية التي أُقيمت حول نقاط المياه، مثل مناطق استقبال رعاة الماشية، ومراعي الماشية، ومراكز التطعيم، وأسواق الماشية، ومستودعات تخزين الأعلاف، ومتاجر تديرها نساء. يُشرِف رئيس على المنظومة واللجان القروية المختلفة المسؤولة عن إدارة هذه البنية التحتية.

أوضح حمادي قائلا: "تتمثل أحد الأشياء التي غيَّرت حياتنا تغييرا كبيرا في التدريب الذي يقدمه مسؤولو المياه والحراجة لمكافحة حرائق الأحراش. وهذا نقل للمعرفة التي سنحافظ عليها إلى الأبد" 

زيادة القدرة على الصمود وتحسين ظروف المعيشة للرعاة

قالت ماتي با دياو منسقة المشروع الجهوي لدعم النظام الرعوي في الساحل لحساب اللجنة الدائمة بين الدول لمكافحة الجفاف "حينما أُنشئ المشروع الجهوي في عام 2015، كانت تدور منازعات كثيرة. وساعد هذا المشروع على تعزيز قدرة أسر الرعاة على الصمود في وجه الصدمات بتمكينهم من التعبير عن احتياجاتهم، وتزويدهم بالخدمات والبنية التحتية الأساسية، وإعطائهم الأدوات والمعرفة التي يحتاجون إليها لإدارة هذه المراعي بأنفسهم إدارةً مستدامة."

وبين عامي 2015 و2020، ساعد المشروع الجهوي في إنشاء وتحسين إدارة أكثر من 5 ملايين هكتار من المراعي، و181 نقطة للمياه، و66 سوقا للماشية، مع تعيين حدود 1414 كيلومترا من ممرات تنقل الماشية. وساند المشروع أيضا النشاط الاقتصادي الذي يقوم به 20700 شخص 88% منهم نساء.

Image
رسم توضيحي كامل: مساندة النظام الرعوي في منطقة الساحل: العمل المشترك لمجابهة التحديات المشتركة

قال عثمان دياجانا نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة غرب ووسط أفريقيا "يسعى البنك الدولي إلى تحقيق هدفين رئيسيين في منطقة الساحل: تعبئة الموارد المالية لحماية بيئة هشة، ومساعدة البلدان على تحسين ظروف العيش لسكانها، لاسيما رعاة الماشية الذين هم حلقات وصل أساسية في منظومة التنمية الاجتماعية والاقتصادية والاستقرار في المنطقة. والمشروع الجهوي لدعم النظام الرعوي في الساحل مثال للتعاون المثمر. إذ كان لزاما تعبئة جهود الجميع من أعيان القرى إلى كبار الوزراء لإرساء إطار عمل لوجستي واسع بين البلدان."

الحفاظ على المكتسبات وتذليل عقبات مكافحة جائحة كورونا

لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به، وتثير جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) شكوكا حول استمرارية التوازن الذي تحقق بشق الأنفس. فمع إغلاقات الحدود تعذَّرت عودة قطعان الماشية إلى مواطنها، وهو ما أثار مخاطر كبيرة على صحة الحيوان بتركزها بأعداد كبيرة قرب الحدود. وزاد الإفراط في استخدام المراعي أيضا من خطر نشوب منازعات بين المزارعين والرعاة في بداية الموسم الزراعي. علاوة على ذلك، أدت القيود المفروضة على الحركة والتنقل إلى زيادات حادة في أسعار الماشية في المدن، وجعل إغلاق الأسواق الأسبوعية سبل الرعاة لكسب الرزق أكثر هشاشةً وضعفا.

وحشد شركاء المشروع الجهوي جهودهم لإطلاق مبادرات للرصد والمتابعة، وتقوية أنظمة الإنذار المبكر القائمة، وتقديم استجابات موجهة لمساندة العاملين في القطاعات الزراعية الرعوية. لقد تحدَّدت معالم الطريق، و.

خريطة تفاعلية

*لاكتشاف المزيد حول المرونة في منطقة الساحل، انقر فوق كل رمز