Skip to Main Navigation
المطبوعات 2020/06/17

تقرير: تداعيات الحرب: الآثار الإقليمية للصراع في سوريا

شهدت منطقة المشرق ارتفاعا هائلا في نسبة الوفيات والخسائر الاقتصادية وعدم الاستقرار خلال السنوات العشر الماضية. وقد تعرَّضت المنطقة لصدمات اقتصادية واجتماعية هائلة من شأنها أن تشكِّل تحديات حتى أمام أكثر اقتصادات العالم تقدما. لقد أسهم الصراع في سوريا في التحديات التي تواجهها المنطقة، لكن مشكلات المنطقة لها أيضا أسباب أخرى. ومع تطلع بلدان المشرق إلى التعافي، يلزم اتباع نهج جديد يراعي عوامل الترابط بين أنحاء المنطقة، ويسعى أيضا إلى البناء عليه من أجل إتاحة آفاق أفضل للشعوب في مختلف أنحاء منطقة المشرق. وسيتطلب اتباع هذا النهج بذل جهود دولية موسَّعة.

يُحدِّد التقرير الجديد الصادر بعنوان "تداعيات الحرب: الآثار الإقليمية للصراع في سوريا" تأثيرات الصراع السوري على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العراق والأردن ولبنان. وهو يجمع بين عدد كبير من مصادر البيانات، والنُهُج الإحصائية، وطائفة من النماذج الاقتصادية التي تعزل التأثير المرتبط بالصراع السوري فيما بين العديد من العوامل العالمية والإقليمية التي أسهمت في الاتجاهات الاقتصادية والإقليمية في السنوات العشر الماضية.

طبيعة التأثير

1.   لقد كبَّد الراع في سوريا البلدان المجاورة في منطقة المشرق خسائر اقتصادية واجتماعية فادحة. ومنذ عام 2011 إلى الآن، انخفضت معدلات النمو السنوية لإجمالي الناتج المحلي في المتوسط بمقدار 1.2 نقطة مئوية في العراق، و1.6 نقطة في الأردن، و1.7 نقطة في لبنان بالمعدلات الحقيقية، لا لشيء إلا بسبب الصراع في سوريا. وتعادل هذه التراجعات، على أساس تراكمي،  11.3% من إجمالي الناتج المحلي لهذه البلدان الثلاثة مجتمعة قبل نشوب الصراع (في 2010).

2.   انتقلت تبعات هذه الحرب إلى بلدان المنطقة عبر قنوات عديدة. ومع تراجع حركة التجارة العابرة التي تمر من خلال سوريا، وتعطل صادرات الخدمات مثل السياحة، وصلت الآثار الحدية للصدمة التجارية على إجمالي الناتج المحلي إلى -3.1 نقاط مئوية في الأردن و-2.9 نقاط في لبنان. وبالمقارنة، أدَّت الصدمة السكانية (أعداد اللاجئين الوافدين) إلى زيادة إجمالي الناتج المحلي بمقدار 0.9 نقطة مئوية في البلدين كليهما من خلال زيادة الطلب الكلي والمعروض من الأيدي العاملة.

3.   ولا تمثل الآثار على إجمالي الناتج المحلي سوى نسبة صغيرة نسبيا من التأثير الكلي. وعلى الرغم من أن بعض الآثار يتعذَّر قياسها كميا، فقد كانت لهذا الصراع تداعيات واسعة النطاق في منطقة المشرق:

  • إذ أدَّى تأثير الصراع على إجمالي الناتج المحلي إلى ارتفاع معدلات الفقر بمقدار 4 نقاط مئوية في الأردن، و7.1 نقاط في لبنان، وأسهم، مع النزوح الداخلي، في زيادة معدل الفقر 6 نقاط مئوية في العراق.
  • وتدهورت أوضاع سوق العمل بالنسبة للمواطنين لاسيما النساء في كل البلدان الثلاثة بعد عام 2011. وترتبط هذه الديناميات ارتباطا وثيقا بالتباطؤ الاقتصادي العام، ولكنها ليست بالضرورة مرتبطة بكثافة وجود اللاجئين على المستوى دون الوطني.
  • وأدى تدفق اللاجئين إلى زيادة الطلب على الخدمات العامة، وأسفر ذلك عن حدوث ازدحام سكاني وزيادة أعباء المالية العامة. وفي مجالي التعليم والمياه، حالت تدابير التكيف في تقديم الخدمات إلى حد كبير دون حدوث ازدحام. وفي مجالات النقل والصحة والطاقة، روعيت حالات الازدحام (من خلال التكاليف التي تتحملها المالية العامة عبر دعم منتجات الطاقة).
  • وقد أدَّت الصدمة السكانية إلى زيادة ملموسة في النفايات الصلبة للبلديات، بيد أنه لم يتم رصد أية زيادة في تلوث الهواء والمسطحات المائية نتيجة لوجود اللاجئين إلا في بعض المناطق المحلية.
  • لتأثير الصراع في سوريا أبعاد أخرى كثيرة، منها ما هو في المجالات السياسية والثقافية والأمنية، وهي أبعاد على القدر نفسه من الأهمية، إن لم تكن أكثر أهمية، لكن تعذَر تحليلها في غياب المقاييس أو البيانات ذات الصلة.

المتطلبات

4. كان التأثير الاقتصادي الكلي للصراع السوري على العراق والأردن ولبنان بالغا إذا ما قورن بأوضاع مماثلة في أماكن أخرى من العالم في العقود القليلة الماضية. ويُعزَى هذا الاختلاف إلى ثلاثة عوامل: (1) فداحة الصراع السوري، وما نجم عنه من النزوح القسري؛ (2) شدة تعرُّض البلدان المجاورة للتداعيات والآثار المحتملة؛ و(3) تدنِّي القدرات المؤسسية للصمود في وجه الصدمات في البلدان المجاورة، وهي عوامل أدت إلى تفاقم آثار الصدمة.

5. نشأت شدة التعرُّض لآثار الصراع من قنوات غير تقليدية. فعلى الرغم من أن حجم التجارة السلعية الثنائية مع سوريا كان منخفضا في البلدان الثلاثة جميعا، فإن الصراع أثَّر على موازين معاملاتها الخارجية. إذ اعتمد لبنان والأردن اعتمادا كبيرا على الاستثمارات الأجنبية المباشرة وصادرات الخدمات (السياحة) التي تتأثَّر بشدة بعدم الاستقرار. وتجسَّد أيضا تأثُّر العراق بالصراع السوري من خلال اشتداد تمرد تنظيم داعش.

6. يُعزَى تدنِّي القدرات المؤسسية على الصمود في وجه الصدمات في البلدان الثلاثة إلى أسباب مختلفة. فقبل عام 2011، شهد العراق واحدا من أدنى المستويات في العالم من حيث قدرة الدولة على الصمود في وجه الصدمات. وكان الأردن يمتلك واحدا من أفضل المستويات في هذا المجال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن الحيز المتاح له للإنفاق في إطار المالية العامة كان يضيق مع تناقص الإيرادات. وكان لبنان يعاني من كلتا المشكلتين: وذلك من جراء الطبيعة المُعقَّدة لاقتصاده السياسي، وتضرر قدرات الدولة من سنوات من نقص معدلات الاستثمار، وأعباء الديْن العام المفرطة، وهي عوامل تسبَّبت مع عدم فعالية النظام الضريبي في خنق الحيز المتاح له للإنفاق في إطار المالية العامة.

استشراف المستقبل

7. في الأمد المتوسط، من غير المحتمل حدوث تعاف اقتصادي قوي في سوريا، وما يصاحبه من آثار إيجابية. وفي السيناريوهات الثلاثة لاستعادة الأمن والخدمات التي تناولها هذا التقرير بالتحليل، سيظل التعافي الاقتصادي في سوريا ضعيفا، مع محدودية آثاره على البلدان المجاورة، إذ لن يتجاوز معدل النمو نقطة مئوية واحدة حتى في سيناريو أفضل الأحوال. وفيما يتعلق بأهم خمس مواد ستكون مطلوبة لإعادة الإعمار، تندرج البلدان المجاورة الثلاثة جميعا في فئة المستورد الصافي.

8. بصرف النظر عما يحدث في سوريا، تستطيع البلدان المجاورة من جانب واحد تحسين النواتج الحالية. ويقول التقرير إن الديناميات المعقدة للاقتصاد السياسي في المنطقة حدَّت حتى الآن من بناء قدرات مؤسسية أفضل على الصمود، والحد من الصدمات الناجمة عن الأزمة السورية على نحو أكثر فعالية. ويؤدي الاستمرار في اتباع الحلول قصيرة الأجل في الحالتين إلى ارتفاع تكلفة تقديم الخدمات وافتقاره إلى الكفاءة، وفقدان الفرص الاقتصادية، ونقص التمويل اللازم للبرامج. ومن الضروري اتباع إستراتيجية متوسطة الأجل من أجل معالجة المشاكل الهيكلية في البلدان المعنية، وكذلك للحد من الآثار السلبية للصراع السوري. ويمكن متابعة السعي لتحقيق هذين الهدفين على نحو مشترك لأن منافع تضافر الجهود بينهما كبيرة، لاسيما في المجالات التالية:

  • تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي. تعد أوجه التكامل المحتملة قوية بين أنظمة مساعدة اللاجئين وآليات المساعدات الوطنية.
  • تيسير تقديم الخدمات للجميع. توجد تداخلات كبيرة بين بناء قدرات تقديم الخدمات لمواطني كل من هذه البلدان، وإيجاد حلول خاصة للاجئين.
  • الاستثمار في قدرات الدولة. بالإضافة إلى استغلال جانبي تضافر الجهود المشار إليهما آنفا، وبناء القدرات يمكن للسلطات الاستفادة من المجتمع المدني ومشاركة المنظمات الدولية.

9. يمكن أن يُؤدِّي اتباع نهج إقليمي إلى تحقيق توازن أفضل. وفي منطقة المشرق، تتسم المشكلات والفرص بأنها عابرة للحدود. وكما أظهر الصراع في سوريا، فإن عدم الاستقرار ينتشر متجاوزا الحدود، ولكن تنتشر بالمثل المنافع العامة (الترابط من أجل التجارة العابرة). وهكذا، فإن اتباع نهج إقليمي قد يساعد على تحسين الاستفادة من هذه الآثار داخليا لتقليص الأضرار العامة وتعظيم المنافع العامة.

  • المكاسب من منظور إقليمي. تُعد أوجه تكامل التجارة السلعية البينية محدودة، لكن هناك مكاسب محتملة كبيرة من تكامل أسواق الخدمات والتعاون في مجال البنية التحتية. وتبدو وفرات الحجم الكبير في مجالات الطاقة والنقل وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات مُبشِّرة بخير وفير.
  • معوقات النهج الإقليمي. قد تؤدي التباينات الكبيرة داخل البلدان (سيطرة النخبة والإقصاء) وبين البلدان (الاختلالات في القوة الاقتصادية) إلى إثارة النزعات التي تؤدي إلى اتخاذ تدابير حمائية. وغالبا ما يتطلب تذليل هذه المعوقات إجراء تغييرات كبيرة.
  • الدروس المستفادة من التاريخ الطويل للمنطقة. تُظهر مراجعة لحلقات التعاون الإقليمي الناجحة في المشرق (من القرن السابع إلى القرن التاسع عشر) أن الصدمات السكانية يمكن أن تتيح فرصة للتغلب على التوجهات الأحادية عن طريق تسهيل الروابط الاقتصادية البينية. وبالمثل، يمكن أيضا الاستفادة من عوامل مثل فتح أسواق خارجية (نهج تصاعدي) وقيام الغير بتعزيز الاستقرار والتعاون في مجال البنية التحتية (نهج تنازلي). وفي كل الحالات، من الضروري تحقيق التوازن بين التنافس والتعاون البيني في المنطقة من أجل إيجاد اقتصاد إقليمي ديناميكي.

10. يستلزم اعتماد نهج إقليمي يُركِّز على الاستقرار والرخاء جهودا دولية مُنسَّقة. وإذا وُجِد التزام من جهة دولية بدعم الاستقرار على المستوى الإقليمي فإن ذلك قد يُشعر واضعي السياسات بالأمان بدرجة تكفي لإجراء إصلاحات اجتماعية واقتصادية عميقة، وتخفيف قيود الإقصاء الاقتصادي، وتخفيف أوجه الترابط المتأصلة للهشاشة. فهل يمكن تحقيق مثل هذا التوافق في الآراء؟ ينطوي هذا التقرير على شعور بالتفاؤل لأن البديل ليس في مصلحة أحد.